Pages

Monday, April 03, 2023

وثائقي: سراييفو، 1425 يوما من الرعب Sarajevo, 1425 days of horror

مراجعة فيلم (وثائقي: سراييفو، 1425 يوما من الرعب)

إعداد وترجمة: د. إيمان الطحاوي

ملحوظة: المقالات والمنشورات الأصلية باللغة السلوفينية و البوسنية. بذلت قصارى جهدي لمراجعة جميع البيانات وترجمتها، لأنشر  الحقيقة عن حصار سراييفو. أعتقد أن الأمر نفسه ينطبق على أي حصار في هذا العالم غير العادل. أرجو منكم نشر التدوينة، و المشاركة، والتعليق. 
إيمان الطحاوي ، مصر 
3-4-2023 


المخرجة و المصور في البوسنة Jelena Aščić  & Gregor Naglav  © Večer

"في مسيرتي الصحفية، كنت أكتب الكثير من القصص عن أشخاص عانوا من مظالم فظيعة ورهيبة. صنعت قصصا عن ضحايا العنف القاسي، والأشخاص الذين تعرضوا للاعتداء الجنسي في طفولتهم. أما هنا، فيمكنني القول أن شيئا صعبا مثل هذا، لم أعمل عليه من قبل. كانت المحادثات مع أهالي الأطفال الذين قتلوا في سراييفو صعبة، حيث بدأ كل واحد منهم بالبكاء، ثم بكيت أنا أيضا. كان الأمر صادما حقا. خاصة هذا الشعور المرير بالإحباط الذي لا يمكن تفهمه . لماذا يجب أن يحدث هذا؟ لماذا كان على ذلك الصبي أو تلك الفتاة أن يموتا؟ 

كيف يمكن للقناص أن يراقب الناس والأطفال وهم يسيرون في طريقهم بحثا عن الماء، فيقرر إزهاق ارواحهم، يصوب ويطلق النار؟ عندما أطلق القنبلة اليدوية، كان يعرف بالضبط أين وعلى من كان يطلق النار. لم يكن هناك صدفة أو خبط عشواء. لقد خططوا لقتل الأطفال. وكانوا بالأمس جيرانهم. يا لها من سياسة الكراهية تلك التي تجعل الناس أسوأ!"
-مخرجة الفيلم الصحفية، يلينا أشيتش

يُعرض الفيلم الوثائقي (سراييفو 1425 يوما من الرعب/الأهوال) في الثاني عشر من أبريل الحالي (12-4-2023) في البرلمان الأوروبي. حيث تحل الذكرى الثلاثون لبداية حصار سراييفو. بدأ عرضه الأول في 14 فبراير2023 على شاشة التليفزيون السلوفيني RTV Slovenija

إعلان موعد عرض الفيلم (12-4-2023) في البرلمان الأوروبي. 

اسم الفيلم باللغة السلوفينية: ( SARAJEVO, 1425 dni groze)
مدة الفيلم: 51 دقيقة.
-مخرجة الفيلم االصحفية Jelena Aščić يلينا أشيتش.
المصور Gregor Naglav  جريجور ناجلاف.
التحرير Sabina Černe سابينا شيرن.

سجلت الصحفية Jelena Ascic يلينا أشيتش، والمصور Gregor Naglav  جريجور ناجلاف شهادات صادمة من أشخاص أمضوا ما يقرب من أربع سنوات تحت الحصار الخانق. كيف كانت الحياة بدون كهرباء وماء وطعام ، مع التهديد المستمر بالموت المحدق من جميع جوانب التلال المحيطة بالمدينة بكل أنواع الأسلحة حينها.  لقد كان هؤلاء الأقارب ممتنين للغاية لعدم نسيان أطفالهم، ولذكر أسمائهم في التلفزيون السلوفيني.

حصار سراييفو، يعتبر أطول حصار لأي مدينة في التاريخ الحديث، في القرن العشرين. استمر منذ (5 أبريل 1992 - 29 فبراير 1996). بدأت قوات جيش يوغسلافيا الشعبي بمحاصرة سراييفو عاصمة البوسنة والهرسك بالاشتراك مع جيش جمهورية صرب البوسنة لمدة (1,425 يوماً)، وهذا أطول ثلاث مرات من حصار معركة ستالينجراد، وأطول بسنة من حصار لينينجراد.
تعريف الحصار: يُمكن أن يكون الحصار بإحاطة مدينة أو حصن بهدف الاستيلاء عليه أو استسلامه. ويُمكن للأقطار التي تملك قوات كافية أن تستخدم الحصار لتمنع أعداءها من الحصول على الأسلحة، والذخيرة، والأطعمة، من الأقطار المحايدة. (ويكيبديا)

اطفال و نساء يصطفون لملء المياه أثناء حصار سراييفو، 1992


فريق العمل سجل في أربعة أيام ستة عشر لقاء في مواقع مختلفة. تجنبت المخرجة تسيس الأحداث التي وقعت قبل ثلاثين عاما. فتعتقد أن السياسين أخذوا فرصتهم في الحديث. الآن الدور على الاناس العاديين ممن عانوا في معسكرات الاعتقال، و تحت الحصار، و نجوا. اهتم الفيلم بوضع الناس في حياتهم اليومية التي انقلبت رأسا على عقب بسبب هذا الحصار، و فقدوا أحباءهم. و ترى أن قولهم أكثر إقناعا من الساسة.

تحدث الناس عن الألم الهائل الذي ذاقه الآباء حين قتلت شظايا القنابل اليدوية وقذائف القناصة أطفالهم. ولم يحاسب أحد بعد على هذه الجرائم أمام المحاكم المحلية. وضع الفيلم المحاورين في الفيلم كعينة ممثلة للمجتمع، لأنهم لا يضمرون الكراهية تجاه أي شخص، لكنهم قبلوا الماضي كجزء من حياتهم رغم مرور ثلاثين عاما لكنهم لم ينسوا أحباءهم.

مخرجة الفيلم صحفية ومذيعة وكاتبة سيناريو. خلال أكثر من 20 عاما من العمل في راديو تليفزيون سلوفانيا، أنتجت العديد من العروض وفيلمين وثائقيين: (بناء العبودية)، حول استغلال عمال البناء البوسنيين ، والتي فازت بالعديد من الجوائز، و(لا يمكنك إخبار أي شخص)، عن الاعتداء الجنسي على الأطفال. 
لتليفزيون سلوفينيا، عُرِض في فبراير، الفيلم (سراييفو ، 1425 يوما من الرعب)

تقول المخرجة:  "أردت أن أقدم قصصهم وتجربة الرعب التي لا يمكن تصورها. لقد قتل القناصة أطفالهم أمام أعينهم. ظل سكان سراييفو بدون مدد من ماء أو كهرباء أو تدفئة أو طعام لمدة أربع سنوات تقريبا. صار الموت جزءا من حيواتهم اليومية. بغض النظر عن العذاب الذي استمر لسنوات، فقد نسينا كل شيء تقريبا في هذه السنوات الثلاثين. ربما يكون هذا هو السبب في ظهور قلق، وتوترات جديدة للحرب. الفظائع تتكرر رغم تكرار تلك الجملة الواهية التي فقدت معناها "لن يتكرر ذلك أبدا". لدينا مثل تلك الذاكرة القصيرة".

المشاهد الافتتاحية و الختامية مؤثرة خاصة حين يمسك كل من ذوي الضحايا بعضا من صور أو متعلقات تذكرهم بابنائهم الذين رحلوا بسبب الحصار. دموع الآباء في نهاية الفيلم مع الجمل النهائية و الأغنية الشهيرة مؤثرة للغاية.
يتخلل الفيلم بعض الصور الأرشيفية لأحداث حصار سراييفو و بعض المشاهد القاسية.








في أحد مشاهد الفيلم، تقول سيدة: "لقد كانوا يستطيعون إيقاف كل شيء في ساعة واحدة، لكنهم لم يرغبوا في ذلك! كان من الممكن الحفاظ على حياة هؤلاء الاطفال الذين قتلوا. نحن عشنا لنتذكر، و نتعلم. 

و هذه مقتطفات من تعليقات المشاهدين عبر منصات التواصل الاجتماعي:

في الفيلم الوثائقي "سراييفو 1425 يومًا من الرعب"، نقرأ التعليقات المفجعة للدعاة المسالمين السذج الذين يدعون إلى السلام، لكنهم يغمضون أعينهم بجهل عن حقيقة الفاشية الجديدة والقومية.

 بعد مشاهدة الفيلم الوثائقي الصادم ، سراييفو 1425 يومًا من الرعب ، من تأليف يلينا أشيتش ، أعتقد أنه لا ينبغي لنا أن نشاهد الحرب بهدوء و ننظر إليه كأنه بعيد عنا! دعونا نطالب بالسلام! دعونا نطالب بنزع السلاح لا التسلح! حول العالم وهنا.

فيلم وثائقي رائع وصادم ومؤثر. تدفق الدموع من بدايته إلى نهايته. 

فيلم رائع، بكيت مثل المطر، لم أستطع مشاهدته حتى النهاية. يقع اللوم على كل الذين أطلقوا القذائق و رصاص القنص، و المجتمع الدولي الصامت دون تدخل.


فيلم مؤثر. شعرت بكل الحزن والعجز والمعاناة التي يعاني منها هؤلاء الناس.
المقارنة بين حالنا الآن، نفس النفاق الدولي.

وأخيرا، قارن بعض من شاهد الفيلم بين ملمات و حروب أخرى سابقة مثل الهولوكوست و لاحقة لحرب البوسنة خاصة الوضع الحالي في أوكرانيا. يرون أن جميعها يشترك في أن منبعها سياسة الكراهية و فساد السياسات الدولية مما يؤدي إلى الحروب و المجازر. 
 تجدر الإشارة إلى عدم ذكر أي عمليات حصار أخرى حالية في أي مكان بالعالم في التعليقات.  ربما لا يعلمون شيئا عنها؟

لكن أكثر ما علق عليه الجميع هو كيف لهم أن ينجرفوا إلى الحد من العنف الذي يقتلون فيه أبرياء مدنيين و أطفالا عبر حصار خانق و قنص متعمد؟ كيف حدث ذلك؟

في البرنامج الإعلامي لتليفزيون سلوفينيا، عُرِض في فبراير، الفيلم (سراييفو ، 1425 يوما من الرعب)


Saturday, March 25, 2023

“Rohingya”

Rohingya from Ai Weiwei Films on Vimeo.


 “Rohingya” is a continuation of Ai Weiwei’s previous films Human Flow (2017) and The Rest (2019) which spotlight the plight of refugees. The feature-length documentary focuses on Rohingya refugees who were forced out of Myanmar in August 2017. 


The Rohingya are an ethnic Muslim minority from Myanmar’s Rakhine State who have suffered several decades of persecution by the Burmese government. Following widespread ethnic cleansing by the Burmese army, they fled to Cox’s Bazar, Bangladesh, which have become the world’s largest refugee camp of our time and accommodate nearly 900,000 refugees now. Filmed over several months in Cox’s Bazar, “Rohingya” records the community’s everyday life, social rituals, the camp’s unique landscapes, and the light of humanity amid one of the greatest displacements of our time.





فيلم الكسوف- الجزء الثالث Commentary on the movie (The Eclipse)

English translation via icon far left of the blog

Movie (The Eclipse, 2022)

Part 1 (Another True story on 11-8-1999)

https://shayunbiqalbi.blogspot.com/2023/03/1.html

استعارات و رموز:

The Eclipse, 2022
عندما حجب القمر الشمس في عام 1961، كان الناس الخارجون من حرب عالمية و يبنون دولة جديدة في يوغسلافيا سعداء و شغوفين بهذا الحدث. علموا تلاميذ المدارس كيف يشاهدون (الكسوف) دون أن يؤذوا عيونهم.  فهذه مناسبة لا تحدث إلا كل عدة عقود و قد لا تتكرر في العمر، وعليهم أن يطبعوها في ذاكرتهم بالاحتفاء بها. استعارت لكسوف رمزا للفرق بين نور و ظلام، وتتحدث عن ردة فعل الشعب الصربي بين كسوفين لتبرز الفرق بين النسيان المتعمد و الصمت و بين الإنكار والمكابرة.  يحدها مجازًا خسوفان للشمس ، أحدهما في 11 أغسطس 1961 ، عندما شجعت جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية الاشتراكية المواطنين على مراقبة الظاهرة (وقت الأمل ، المستقبل)، والواحد في 11 أغسطس 1999 ، عندما أرهبت جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية المواطنين. مع ذلك (وقت القلق والاختباء)، أهل صربيا فقد فضلوا البقاء في بيوتهم خلف ستائر معتمة بعد عقد من الحروب كناية عن محاولتهم نسيان ما حدث أو الانصياع لاوامر الحكومة.

صمت و نسيان:

يفضل كثير من الصرب الصمت على الحديث عن جرائم الحرب والإبادة الجماعية في كرواتيا والبوسنة والهرسك وكوسوفو. بينما ينكرها بعضهم، و يبررها آخرون علنا دون حساب. للصامتين، فإن هذا الصمت و ادعاء نسيان ما لا يُنسى يخفي شعورا ما بالرغبة في الحديث. لهذا، استنطقت المخرجة أسرتها الصامتة. و جادوا بالقليل، عدا والدها الذي فضل الصمت المطبق على ما يضمره. لا أحد يعلم ما الذي يدور في هذه القلوب و العقول نحو ما اقترفته أيدي جيشهم وميليشياتها. ربما يبارك بعضهم أفعالهم من وراء حجاب الصمت. هذا العمل نذير و إنذار لما قد يتكرر مثلما تكرر الكسوف، تكررت حوادث الزمان و نوائبه، إن لم يتصارح الناس، و يتصالحون مع أفعالهم السابقة لإيقاف دائرة الصراع. أما إرغام النفس على الصمت فهو دفن للذكريات و كبت للمشاعر التي قد تنفجر في أي بادرة عنصرية جديدة. الصمت خيانة. إن بارك أحد سرا ما يفعله المعتدي، فهم سواء في الجرم.

فريق عمل الفيلم

فريق عمل الفيلم


في أقل الأحوال، فإن أسر مثل تلك الأسرة لم تتأثر بفقد أحد رغم الأثر الاقتصادي للحرب عامة. لكن من المؤكد أنهم تعاملوا و تأثروا بجيران و أسر أخرى فقدت أحبائهم أو أصيبت في الحرب. ما الذي دفع الكثير من الشباب لمغادرة صربيا لدول أخرى في أوروبا مثلما فعلت المخرجة نفسها رغم عدم تأثرها بالحرب مباشرة. 

فإن افترضنا ان الجميع تأثر نفسيا بالحرب، فهذه الرحلة خطوة في علاج كرب ما بعد الصدمة . أما التجاهل و ادعاء النسيان و العيش بحياة عادية فهو تعميق أكبر للصدمة مهما طال الزمن.  و هذه ليست دعوة للعيش في ظل الحروب. لكنها دعوة لنفض التراب عن الذاكرة و مواجهة النفس بما تضمره و الاعتراف بالمسؤولية.  دعوة لأمة تختار الاختباء من ظلال الماضي ، بدلا من التسوية الضرورية التي يمكن أن تجلب السلام وتشكل الأساس للمستقبل.

كيف لأسرة ممتدة ان تتجاهل حربا باسم بلادها؟ كيف عاشت هذه الحرب، و كيف تنساها؟ الفيلم يسبر أغوار أسرة عاشت الحرب منذ 3 عقود بلامبالاة و دفنت هذه الذكرى. الفيلم يجعلها تطفو على السطح. و بمرونة عالية، سنكتشف ان ما خلناه نسيا منسيا، هو حاضر الآن. حاضر في رد الوالد المتجاهل دون اكتراث. فهو لم يتغير و يمثل نسبة معقولة من اهل صربيا. حاضر في نبرة الألم حين تتذكر السيدة جارتها الاوكرانية و زوجها الصربي و معاناتهم رغم مرور ثلاثين عاما. حاضر في التصريح ببعض العنصرية في قسوة نظرة عين الجد التي مرت عليها عقود و لم تنسها السيدة.

 

حين قرأت عن قصة الفيلم، كنت أتوقع شيئا من التبرير و الغوص في نفوس مرتكبي الجرائم. لكنها مرت على الحدث كناية عن الوعي الجمعي و الشخصي الصربي لمواطنين عاديين منهم من لديه بعض العنصرية و منهم من لا يهتم. و بين هذا و ذاك، هناك من شارك بشيء من التعاطف والألم. لكنهم جميعا لم يتحملوا أي مسؤولية. فالجرائم الفردية تسمى باسم من ارتكبها و ليس باسم الشعب كله. من كان بيده أن يقول لا ضد صاحب السلطة؟ من كان بيده أن يوقف هذا الطوفان الشعبي من العنصرية و العصبية و القتل؟  لقد أوردت المخرجة في مشاهد نادرة بعضا من المظاهرات القليلة ضد فكرة الحرب و النظام الحاكم الذي تسبب في خوض صربيا 4 حروب في عقد واحد. لكن كم تكون نسبتهم اليوم بعد 3 عقود؟ تزيد أم تنقص أمام تنامي العنصرية و تجديد نفس أفكار ميلوسوفيتش السابقة؟

إنذار:

هذا الفيلم حجر صغير في بحر راكد من الصمت. أما من يروج أفلاما عنصرية، فإن الحل الوحيد هو مواجهته بمثلها من الأفلام التي تقول الحقيقة و تشجب العنصرية المقيتة التي لن تخلف إلا مزيدا من الدمار. نحن نريد مزيدا من الأعمال الفنية التي تتحدث عن هذا الأمر. نريد مزيدا من العقلاء الصادقين الشجعان. نريد مزيدا من المصارحة و المصالحة. ليس في البلقان فحسب، بل في كل مكان في هذا العالم الذي فيه الصمت تواطؤ مثل اقتراف الجرم.

رحلة طويلة في فيلم طويل غاص في الأعماق ولسان حاله يسأل: هل نسى حقا؟ هل بارك صامتا الجرائم؟ الوحيدة التي صرحت بصدقها كانت عمتها التي لعنت مجرم الحرب صراحة. هل من الممكن في نفس الوقت أن تحب شخصًا - أو بلدًا - وتحمله المسؤولية عندما يخطئ؟ نعم، و غير ذلك محاباة أو نفاق.


أعجبني:

أعجبني للغاية أنها قالتها، لقد قالت (الحقيقة) بسلاسة و شجاعة، ذكرت في مقاطع تاريخية في نهاية الفيلم عما حدث باختصار من جرائم و محاكمات و اغتيالات. كان هناك شيء من البطء المقصود (ربما) في مجرى الفيلم حتى تصل لما تريد. تذكرت محاولة بوريس تاديتش، عالم النفس و قائد الصرب (2004-2012) بعد اغتيال سلفه. أعجبني في البدء، يبدو الفيلم بعيدا عن الحرب، ثم يغوص بك تدريجيا لتدخل في أعماق الحرب حتى المشهد الأخير دون مشهد عسكري واحد. الفيلم لا يكرر اتهاما مباشرا، إنما يورد حقائق أثبتتها المحكمة الجنائية الدولية. أعجبني تعليق عابر أثناء عرض الفيلم على مشهد مباركة الدين الحرب: لا توجد حروب مقدسة إلا تلك التي تدافع فيها عن تراب وطنك أمام عدوك. و تعليق آخر لإحدى المشاهدات بعد عرض الفيلم، أنها كانت تعتقد أن هذه الحرب انتهت تماما، لكن يبدو أنها لم تنته حتى اليوم. هذا ما أردت نقله لمخرجة العمل. هذا التعليق جس نبض حقيقي لوصول رسالة الفيلم لمشاهد عربي بعيد جدا عن أوروبا و غير مهتم بالسياسة و التاريخ و الحروب.

 أنصحك بالإطلاع على الجزء الأول هنا 

 شاهدت لك فيلم الكسوف- الجزء الثاني

 

 

  

Friday, March 24, 2023

شاهدت فيلم (الكسوف)- الجزء الثاني Summary of the movie (The eclipse)

 الفيلم: الكسوف  Pomračenje 

English translation via icon far left of the blog

Movie (The Eclipse, 2022)

Part 1 (Another True story on 11-8-1999)

https://shayunbiqalbi.blogspot.com/2023/03/1.html

د/ إيمان الطحاوي 

European University Film 

عن المخرجة:

 ولدت ناتاشا أوربان في 1 مارس 1977 في زرينجانين من مقاطعة فويفودينا في شمال صربيا. هي مخرجة ومحررة أفلام وثائقية . حصلت على درجة الماجستير في التصوير الفوتوغرافي من جامعة الفنون في بلجراد، صربيا. ثم انتقلت إلى بوخارست، رومانيا. و أخيرا، تعيش وتعمل في أوسلو، النرويج. غيرت ناتاشا اسمها الأخير إلى اسم جدتها لأبيها (أوربان) قبل الزواج.

شاركت في إخراج الأفلام الثلاثة الأولى ، وهي "رحلة من الثلاجة الحمراء متوسطة الطول (2007) ، و "الأخت الكبرى بونام" (2009) ، و "مبامبو وجبال القمر" (2010) ، مع لوسيانو مونتيانو ، و تعاملت مع الحياة في نيبال وأوغندا، وهي أماكن بعيدة عن البلقان، و تختلف البيئة و الأبعاد الاجتماعية. أما فيلمها الرابع، و هو أول فيلم طويل لها منفردة، فهو الوثائقي (الكسوف) 2022.

Ismailia 24th International Film Festival for Documentaries, 2023

في مقابلة ، قالت المخرجة إنها تأثرت باضطراب ما بعد الصدمة فيما يتعلق بصنع الفيلم الذي استمر نحو عامين. و في مقابلة أخرى، قالت إنها كانت تشعر أنه سيحظى بهذا النجاح أثناء عملها عليه. 

حصد الفيلم عدة جوائز، و عرض في مهرجانات عدة. استحق العمل الذي استغرق نحو عامين بحثا و تصويرا و إعدادا جوائز عدة، و شارك في مهرجانات عديدة مثل: كوسوفو، سراييفو، الإسماعيلية، و ما يزال يحصل على إشادات هنا و هناك. في مهرجان كوبنهاجن الدولي للأفلام الوثائقية، أحد أكبر مهرجانات الأفلام الوثائقية في العالم، جاء في منحها الجائزة الرئيسية: " يجرؤ المخرج على النظر في مرآة الحاضر المضطرب وحساب أشباح الماضي الدموي ، مجادلًا أن فقدان الذاكرة التاريخي هو عبء تحمله الأجيال. يؤكد هذا الفيلم على المخاطر الجماعية التي لا يمكن إنكارها للفرد. صدمات الأمة ، تتساءل عما يعنيه الانتماء إلى أي منهما ، وما نوع المسؤولية التي ينطوي عليها هذا الشعور بالانتماء. وهذه الأسئلة لا تنحصر فقط في محتوى الفيلم: شكله الجريء والتجريبي يعطي نسيجًا مذهلاً لـ الجراح الوجودية للحرب، ويتعامل مع الشكل السينمائي كنوع من السياسة نفسها ، حيث كل قرار جمالي هو أيضًا لفتة أيديولوجية. يخبرنا هذا الفيلم بعبارات لا لبس فيها: لا تنظر بعيدًا ؛ لا تنسى. قرار لجنة التحكيم هذه بالإجماع ، تذهب الجائزة إلى ناتاشا أوربان عن فيلمها الكسوف. 

أنصحك بالإطلاع على الجزء الأول هنا 

أنصحك بالإطلاع على الجزء الثالث هنا 

 

القصة:

في 11 أغسطس، عام 1999، كان العالم ينتظر الحدث (الكسوف الكلي للشمس).

أمرت دولة صربيا شعبها بأن يختبئ من (الكسوف) الذي سيضر عيونهم، فأطاع الشعب. رأت المخرجة في هذا الحدث، وذلك التصرف استعارة استخدمتها في فكرة هذا الفيلم. تقول المخرجة إن فكرة الفيلم جاءتها بعد وقت من وفاة شخص عزيز. و أنها اطلعت على مذكرات أبيها المذهلة و الدقيقة فاستعادت مع الأسرة تلك الذكريات. تمزج  بين يوميات والدها و إعادة تمثيل الأحداث بنفس الأماكن الطبعية تقريبا مع لوحات تشمل تواريخ دقيقة لبعض أحداث الحرب. و هذان عالمان متناقضان. لا يعرض الفيلم أي فيديوهات أو صور مباشرة لجرائم الحرب رغم حضورها بالفعل. تتوالى الأحداث في التسعينيات: (أول الاحتجاجات الديمقراطية في صربيا، بداية الحرب في كرواتيا والحصار الدموي لفوكوفار، وحصار سراييفو، ومجزرة سريبرينيتشا، وقصف الناتو لصربيا)، و تتداخل زمنيا مع يوميات والدها التي يبدو أنها في عالم آخر.

تقول إنها أطرت الفيلم بمشهدين من الكسوف الكلي للشمس، أحدهما من عام 1961 والآخر من عام 1999.

 تروي جداتها و عمتها و والدتها و صديقة لها نصيبهم من الذكريات.  كل شخص يحكي جانبه من القصة ليشكلوا معا لوحة بانورامية لمجتمع صغير يمثل جزء من شعب صربيا الذي ربما لم يشارك في الحرب. لكنه لا يعمم على كل أهل صربيا. يبدو الفيلم مثل إنذار ضد القومية المتطرفة في أوروبا و أي مكان  في العالم. 

الافتتاح:

افتتحت ناتاشا أوربان فيلمها بلقطة محببة باللونين الأسود والأبيض لكسوف ، ورواية من رسالة ربما تطمح بها معرفة أسرار انهيار يوغسلافيا، و حروب التسعينيات. أسرتنا الافتتاحية بالمناظر الخلابة حول نهر الدانوب في الغسق والفجر، يمتعك الفيلم بصور الأراضي المنبسطة و التلال ثم الجبال و الأنهار و البط (أو البجع) الذي يسبح فيها. إنها طبيعة هادئة حُبيت بها مدينة نوفي ساد، حيث تستقر أسرة المخرجة في صربيا، فصورت لنا المناظر الطبيعية الحضرية للمباني الاشتراكية في نوفي ساد ، صربيا.   يدخلنا الفيلم في منزل الأسرة و منتزهها، في مشاهد الجرات في المطبخ و سجلات الورق...و يصحبنا في المنتزه و النافورة و التلال و يصور لنا الحياة كأننا نحيا معهم.

www.imdb.com

الجدات و العمات و الوالدة:

تروي كل من جداتها قصص الفقر والفظائع التي شهدتها خلال الحرب العالمية الثانية عندما كانا طفلين.

تسأل نتاشا جدتها ذات الأصول الرومانية وهي تتزين. تسألها عن الحرب. فترد عن أي حرب؟ حقا، أي حرب تذكرها تلك العجوز و قد مرت بلادها بحروب كثيرة؟ احكي لنا عن الحرب التي تذكرينها إذن. تحكي لنا الجدة: كنت صغيرة أثناء الحرب في يوغسلافيا القديمة. أتذكر كيف بدأت الحرب العالمية الثانية، و تحكي عن الفقر المقذع التي لا تستطيع منه فكاكا.

www.imdb.com

 بينما صور المنزل بمشغولاته المطرزة تأسر النظر و تملؤك دفئا، و تتنقل الكاميرا إلى حدائق جميلة.  تتذكر جدة ناتاشا أوربان كيف قطعت رؤوس الجنود الألمان بعد نهاية الحرب العالمية الثانية. و استُخدمت رؤوسهم المقطوعة ككرات قدم في الشارع.

 تمر الكاميرا بمشهد تنويم الابنة لأمها تداعب شعرها كأنها تنومها مغناطيسيا لتحكي لكنها لا تريد أن تتذكر. تسألها الوالدة بارتياب و صراحة: لم تسألين اليوم؟ فجميعنا يحاول نسيانها. يسأل الأقارب المخرجة، ابنتهم ناتاشا "لم لا تقولين شيئًا جيدًا عن صربيا، مثل مستنقعات Obedska  الجميلة أو متجر Laguna للكتب؟"

ذكّرني ذلك بنصح العائلة المالكة للأميرة ديانا التي كانت تصر على زيارة مرضى الإيدز: لم لا تصنعين عملا أكثر بهجة، لم لا تزورين الأطفال السعداء؟

تروي والدتها قصة صعود القومية التي شهدتها في مكان عملها والطريقة الخاصة للغاية للحفاظ على إنسانيتها بعد الحملة الجوية من خلال العناية بنبات الكركديه الذي تركته في مبنى شبه مدمر قصفه الناتو. 

و هناك قصة عن أول رد فعل سريع من زملاء عمتها الموظفين في مصلحة السكك الحديدية حين باركت بحياد "حظًا سعيدًا لهم ، إذا كانوا يريدون ذلك كثيرًااختيار الكروات الانفصال عن الاتحاد اليوغسلافي في الاستفتاء. صاح زملاؤها غاضبين: "اللعنة عليك أيتها...، إنك لست صربية، إن لم تعجبك قرارت صربيا، عودي إلى رومانيا، فهذه صربيا! يدخل المكتب مديرها حين يلعنها زملاؤها دون أي تدخل. تتنقل الكاميرا وسط صور المكاتب المغلقة فتشعر بالضيق من المكان و العنصرية المقيتة.

تتتبع عمتها (برانيسلافا) ذات العيون الواضحة دوائر العنف التي شهدتها بنفسها عندما كانت في أواخر الثمانينيات تعمل نادلة في نزل مظلل يتردد عليه "محاربو عطلة نهاية الأسبوع" التشتنيك (ميليشيات صربية) و كيف استمتعوا بتقل الحيوانات. تحكي عن سادية عيون والدها تجاه الحيوانات الأليفة والصفعة التي تلقتها منه في طفولتها. تقول العمة إن الشيتنيك قطعوا رؤوس خصومهم في كرواتيا ، بينما يظهر في الفيديو مشهد ذبح خنزير عوضا عن مشاهد قتل أو ذبح الجنود.  تحكي العمة برانسلافا ، التي اتُهمت عندما كانت طفلة بعمر خمس سنوات بأنها عاهرة بسبب ركوب الخيول مع الأصدقاء. عوقبت و لم تفهم عم يتحدثون.

 الأصدقاء:

أصدقاؤها يتحدثون بأريحية أكثر؛ لأنهم كانوا في بداية شبابهم، فكانت هذه الحرب مقتلا لمستقبلهم. أعادت سرد قصة الرحلة من بوخارست حيث تدرس التصوير مع صديقتها ميلينا و صديق لرؤية بقايا شقته في فوكوفار، شمال شرق كرواتيا في 1996، بعدما وضعت الحرب أوزارها في البوسنة و كرواتيا، قبل أن يشعلها ميلوسوفيتش من جديد في كوسوفو. مشهد متناقض لبعض الأصدقاء يقفون أمام الكاميرا في مدينة في حالة خراب، مشهد لعربة أطفال مهجورة على جدار من الطوب نصفها مغطى بالثلج. ترمز إلى حياة كانت هناك ذا يوم قبل الحرب. نسيت المخرجة ما حدث تقريبا، فذكرتها صديقتها. أصيبت إحدى صديقات ناتاشا بصدمة عصبية بسبب تورط والدها غير الطوعي في حصار فوكوفار، الأمر الذي حوّلها إلى التصوف الديني، ثم المخدرات. سفر معظم الأصدقاء خارج صربيا في حد ذاته محاولة متعمدة للنسيان. يبدو الأمر كما لو أن هذه اللحظة وكل ما حدث في الرحلة قد تم محوه. لقد ذهب تماما بالنسبة لها.  تقول المخرجة إنها غادرت صربيا منذ سنوات عديدة ولم تنظر إلى الوراء أبدا. لكنها اليوم تنظر و بعمق.

بعض البهجة، والفكاهة:

 تطلب أوربان من جدتها إيلينا أن تخبرنا عن الوقت الذي سرقت فيه الإوزة مع الغجرالجدة إيلينا سعيدة للغاية للقيام بذلك ، لكنها بعد ذلك تدخل في حكاية عن رجل أصيب برصاصة في ردهة المبنى الذي تقيم فيه.

الوالد:

لدى أوربان أيضًا إمكانية الوصول إلى "كتاب سجل الجبال" لوالدها، وهو يسرد تفصيلا لرحلاته الطويلة في براري يوغوسلافيا السابقة متزامنة مع توقيت الحروب. يعيد الوالد العجوز ذو اللحية البيضاء و الجسد النحيل تمثيل نفس المسارات التي سجلها في التسعينيات، أثناء سرده ليومياته. سجّل تفاصيل دقيقة عن الوقت الذي يقضيه في الطبيعة بالساعة، و حالة الطقس في هذا اليوم، و درجة الحرارة بدقة. ذات مرة، قرر أنه يريد أن يمس مياه جميع البحيرات الأربع في المنطقة، وعليه أن يتفاوض في طريقه للقيام بذلك. يحكي تفصيليا عن كل ورقة وجدها، و هجرات الحيوانات، و صحبته للثعالب والخنازير البرية لسنوات بدل البشر، و زيادة عدد الصيادين، وظهور الأسلحة النارية من مخلفات الحرب. 

الأسرة تتسلق جبل ماجليتش في حين تشتد الحرب في كرواتيا في 1991. الأسرة تتسلق جبال القوقاز في 1995، في حين سراييفو ما تزال تحت حصار استمر ل 3 سنوات.

كل هذه التفاصيل و الوله بجمال بلاده، يقابله عدم اكتراث بتفاصيل الحرب التي خاضتها نفس البلاد. على ابنته أن تذكره بلطف بحجم مذبحة سريبرينيتشا، التي قتل فيها أكثر من 8000 رجل وصبي من البوسنة على يد القوات الصربية.

  ترمز شجرة الزيزفون العتيقة إلى ماضٍ تليد ليوغسلافيا و هي تقف شامخة أمام الكنيسة بينما يخرج الأب الصربي بوريسلاف و يحكي أنه يمر بنوستالجيا لذكرياته مع والديه كلما زار الكنيسة منذ 1965.

 التاريخ الأول هو 24 تشرين الثاني / نوفمبر 1990.

بينما كان أبي يزور قرية سيريفيتش ، يخبرنا عنوان سردي أنه تم فتح حفرة غولوبينكا في كرواتيا ، وكشف عن رفات 600 ضحية صربية قتلوا على يد أوستاشا في الحرب العالمية الثانية.  يظهر في اللقطات التلفزيونية قساوسة أرثوذكس يؤدون الصلاة على الجماجم والعظام ، والتي استخدمت مليا في الدعاية الصربية في التسعينيات.

Memorial signs with claims of victim counts, situated on the Bosnian side
 of the Sava river at Gradina. Photo: Petar Milošević CC BY-SA 4.0


أوستاشا: منظمة فاشية كرواتية نشِطت ما بين عامي 1929 و1945. قتل أعضاؤها الآلاف من الصرب واليهود والغجر والمعارضين السياسيين في المسرح اليوغوسلافي في الحرب العالمية الثانية. عُرفت المنظمة، بوجه خاص، بأساليب الإعدام الوحشية والسادية التي غالبًا ما كانت تشمل التعذيب وتقطيع الأعضاء.

العمة العجوز، عازفة البيانو، تقود دراجتها بتأمل، و تخبرنا كم تكره هذه الحثالة (مجرم الحرب رادتكو ملاديتش) و أشباهه الكثر.  تسأل لماذا يفعلون هذا باسمنا جميعا نحن الصرب؟ كانت صربيا هي المعتدي الرئيس الذي خلّف دمارا كبيرا لكل جيرانها. صربيا  تسببت في التقسيم العرقي بدلا من الانصياع لنتائج الاستفتاء السلمي في مطلع التسعينيات.

 الجيران، و النازحون:

تحكي عن القادمين الجدد هربا من الحرب، للعمل و السكن في مدينة نوفي ساد البعيدة عن الحرب.  تحكي عن جارة جديدة وحيدة مع ابنتيها تحاول حمايتهما. عملت في مدرسة، تعرفت عليها و علمت ان زوجها في الحرب و لا تعلم عن مصيره شيئا إن كان حيا او ميتا. غميت السيدة لما عاد زوجها فجأة. ضرب و سلب سيارته و كل ما يملك في فوكوفار. 14 قذيفة أصابت منزله و هو مختبئ في قبوه، لا يجرؤ على الخروج إلا ليلا يعس على تفاحة في حديقة تقيم أوده. ثم اعتقل من فوكوفار إلى معسكر بيجيجي المقام حديثا في المدينة ذات الأغلبية  الرومانية لنحو شهرين. حين خرج، استدل بطريقة ما على مكان زوجته في نوفي ساد. لقد أوذي مرتين من طرفي الصراع (صربيا و كرواتيا)؛ لأنه كرواتي و لأنه تزوج من صربية.

كل شيء في الفيلم له دلالتان.  مثل مدينة بيججي Begejci.

هذه هي المدينة التي غالبا ما ذهبت إليها عائلة أوربان للحصول على الطعام عندما كانوا فقراء. إنها المدينة التي ارتبطت بها ناتاشا بعض أجمل ذكريات طفولتها ، عندما زارت إحدى جداتها. وهي المدينة التي تم إرسال شقيقها الصغير إيغور إليها عندما قصفت طائرات الناتو نوفي ساد في نهاية الحرب.  في الوقت نفسه، هي المدينة التي أقامت فيها القوات الصربية معسكرا لأسرى الحرب في وقت مبكر من الحرب ، والمكان الذي تعرض فيه الكثيرون لانتهاكات جسيمة. مخيم سوي بالأرض في وقت لاحق لإخفاء كل آثار الانتهاكات. جاء الناس من الأماكن المحيطة بالمدينة للحصول على الطوب من المباني التي تم فيها الاحتفاظ بأسرى الحرب. ومعظم الطوب من المبنى تم استخدامه لاحقا لبناء كنيسة.

 1991:

تعطي اولوية لمشاهد المظاهرات ضد حكم ميلوسوفيتش، المغلفة برفض مبكر لما اعتبر حكما فاشيا جديدا. تتحدث (مع الفيديو الذي يظهر عنف الشرطة و تفريقها بالمياه و الضرب و غيرهما) عن القلق لثلاثة أيام دون خبر عن الأهل و عن الإصابات و من شارك و لو بحجر ضد الشرطة.

Protest in Belgrade, Serbia. September 1991

25 أغسطس 1991:

تذكر بوضوح دور (الميليشيات الصربية) مع القوات العسكرية في العنف في مدينة فوكوفار الكرواتية. المدينة المشهورة بالتزاوج بين المسيحيين الصرب و الكروات (أرثوذوكس و كاثوليك).

في تناقض رهيب: حيث تصل أول أفواج اللاجئين إلى صربيا فارين من الحرب، حين يبارك القساوسة الأورثوذوكس الميليشيات و الحرب التي تسببت في ذلك معلنين (أينما وجدت قبور صربية، فهذه أراض صربيا الكبرى).

و في تناقض آخر لما يحدث، يحكي الأب عن رحلته عبر الغابة محاولا الوصول لمحجر ما أعلى الجبل. يصف البيوت الفارغة و يقابل صديقا لم يره منذ اكثر من عشر سنوات و فجأة، يسمعون صوت الانفجارات.  يتأكد أنها من فوكوفار. يودعان بعضهما بعضا. يكمل رحلته.

موقع المحكمة الجنائية الدولية  ICTY on KOSOVO 

تسأل ناتاشا: أبي، هل كنت تعلم أن هناك 83 جثة لألبان كوسوفو اكتشفوا في شاحنة تبريد من مصنع لحوم متجمدة بدون لوحات ترخيص، مغمورة في نهر الدانوب؟ يجيب بوريسلاف والد ناتاشا: حسنا، أعتقد أني أعرف ذلك، لكني نسيت بصراحة!

لوحة توضح أن بين 1 أغسطس 1995 حتى نوفمبر 1995، قامت القوات الصربية بمحو آثار مجزرة سربرينتسا بتمزيق الجثث و نقلها لعدة قبور مرة بعد الأخرى.

Srebrenica memorial, coffins before burial 

تسأله عن الحرب حين قال إنه علم بسقوط كرايينا، بعدما نزل من تسلقه للجبل. فيرد : لا أدري لِمَ اضطرت قواتنا للتدخل في سربرينتسا؟ ترد ابنته بتلقائية و توضيح: تدخل؟ لقد قتلوا عددا مهولا. أتعلم كم يا أبي؟ خمّن. يجيبها: ألف! ترد: بل أكثر من 8000 رجلا في نحو يومين!

جمهورية كرايينا الصربية: منطقة غير معترف بها، مثلت الحكم الذاتي للصرب في كرواتيا من 1991-1995.  

 لم ينم (إيجو)، شقيق ناتاشا أثناء القصف إلا عندما عادت الطائرات فارغة. كانت أخبار التلفاز وحدها ما يربطه بالعالم الخارجي. كان حبيسا.  لكن طائرات الناتو دمرت برج التلفزيون القريب. فانتقل إلى قرية آمنة نسبيا(بيجيجي)، و غادر نوفو ساد. توسل إلى والديه للسماح له بالذهاب إلى فوكوفار ، لكنهم رفضوا. يتذكر، أنه كان واحداً من شخصين في الشارع بعد انطلاق صفارات الإنذار من الغارات الجوية للإشارة إلى بداية الخسوف عام 1999.

5 أبريل 1992: بداية حصار سراييفو. توضح المخرجة أن هناك قوات موالية (ميليشيات التشتنيك) و هناك (قوات أبطال نهاية الأسبوع) التي جاءت لقتل /لقنص المحاصرين في سراييفو.

في نهاية الفيلم، تمتزج الصور العائلية لتسلق جبل ماجليتش في البوسنة في حين علم يوغسلافيا عاليا على قمة الجبل خلف أفراد الأسرة و الحرب مستعرة في كرواتيا في 1991.

ينتقل الحديث لكيف كان يعيش أحدهم أثناء القصف لدرجة النوم في الحمام ليبتعد عن مصدر القصف. بينما تنتقل الصور لصور بديعة من الرمادي و الأبيض و الأسود لكرة أرضية و في ظلها دراجة في مشهد تصوير بديع نعتاده مع كل كسوف شمس.

ثم تنطلق اللوحات التوضيحية في 24 مارس 1999، لتحكي لنا كيف بدء ميلوسوفيتش حربا جديدة على ألبان كوسوفو تبعها صدام مع جيش تحرير كوسوفو مع حملة من التطهير العرقي. حتى تدخل الناتو. و فيديوهات لا تمحى للتفجيرات التي شنها الناتو على بلجراد. بينما يستمر في إخفاء آثار مجازره في الغابات و البحيرات مصنفا سرها ب (سر دولة).

قرب نهاية الفيلم، تسأل المخرجة والدها عن سبب توقفه عن المشي في الغابات العديدة في عام 1999. يقول إن الأمر كان خطيرا للغاية"، لكن ابنته تريد منه المزيد، يضطرب الأب و يصمت. يفضل عدم التحدث كثيرا عن الماضي. إنه يفضل أن ينسى. اختار بإرادته ألا يتذكر. أصر الوالد على ممارسة رياضته و تسجيل يومياته بينما تدور الحرب حتى توقف في 1999.  يقرأ السجلات من ذلك الوقت، ويعيد تتبع المسارات التي كان يسلكها في الماضي، ويحاول أن يظل هادئا و يتتبع خطواته إلى منازل العائلة السابقة حيث يقوم ، في النهاية ، بتحميل كل شيء، حتى (حوض المطبخ) أعلى سيارته ويغادر منطقة الميليشيات.

يصل للحكم بعض من يحاول رأب الصدع و التعاون مع الجنائية الدولية مثل (زوران جينجيتش) حيث اكتشفت بعض المقابر الجماعية، و قدم ميلوسوفيتش للمحاكمة. تبدد هذا الأمل، حين اغتيل زوران في 2003! ثم مات ميلوسوفيتش في محبسه.

زوران جينجيتش: أول رئيس وزراء غير-شيوعي لصربيا من بعد الحرب العالمية الثانية، في 12 مارس 2003 برصاصة قناص اخترقت قلبه وذلك أمام مبنى الحكومة.

موقع المحكمة الجنائية الدولية  ICTY

لكن في 2012، عاد لسدة الحكم أشباه و حلفاء ميلوسوفيتش من العنصريين و القوميين المتطرفين من ذات الحزب. و منهم ألكساندر فوفيتش. عرقل هذا النظام مفاوضات مع كوسفو و الاتحاد الأوروبي. وما يزال الوضع متأزما. بالطبع، لن يساعد هذا أهل صربيا في معالجة أزمتهم مع ذكرى الحرب، و ربما يؤجج النزعة العنصرية مرة أخرى. فهل من مجيب؟

عن صناعة الفيلم:

قطع فريق العمل رحلة مميزة للحصول على الصور و الفيديوهات عن الكسوف و أشارت في بحثها الأولي أنها تريد بعض الصور و فيديوهات لعمل فيلم خيال علمي.  أجاد فريق العمل في توليف و إنتاج الصور و الفيديوهات. بينما كانت الموسيقى المناسبة نتاج فريق اختارته بنفسها و أعطتهم الفكرة العامة و عملوا لإنتاج الموسيقى. و حاليا، يعلمون على إنتاج ألبوم موسيقى من موسيقى الفيلم. تنقل اللقطات لم يكن مربكا أو مشتتا رغم وضوحه لكنه سلس. و لأنها درست التصوير في بودابست؛ فتقول: "المواد الكيميائية الفوتوغرافية لا تزال تشم مثل الحرية بالنسبة لي".

رموز الفيلم:

الكسوف: و هو منشأ مغزى الفيلم.

النبات: هناك أمل، فالسيدة ماتزال تروي نبات الكركدية في مكتبها المهجور رغم احتمال تهديد القصف. إنها تتحدى الموت بالحياة.

الطبيعة الخلابة: استمرار الحياة. 

الحيوان: مشهد الخنزير الوليد على قش أرضية الفناء تشي بولادة حياة جديدة.  نقيض القسوة التي كانت تراها في عين الجد العجوز و هو يذبح الخنازير.

 نقد سريع للمهرجان:

 شاهدت الفيلم في مهرجان دولي. عاب المهرجان سوء طريقة العرض و الإضاءة، فعانينا في قراءة الترجمة الإنجليزية.

النوع: وثائقي. المدة: 110 دقيقة. اللغات الصربية ، الرومانية. الترجمة: الإنجليزية. إنتاج: النرويج. سنة الإنتاج: 2022. سيناريو و إخراج: ناتاشا أوربان (أول فيلم وثائقي طويل منفردة). مساعد مخرج : ألكسندر ريليجيتش. التصوير السينمائي: إيفان ماركوفيتش. تصوير سينمائي إضافي : ناتاشا أوربان.  التحرير: ييلينا ماكسيموفيتش. الموسيقى: جاريد بلوم، وبيلي جولد. المنتج: شركة إنجفيل جيسكي للإنتاج. الدعم: : Norwegian Film Institute، The Fritt Ord Foundation، Fund for Sound and Image، The Norwegian Artists 'Scholarship


"قلب مفتوح"

تعرف على صانعي الأفلام المرشحين في 2013 لجائزة الأوسكار: كيف ديفيدسون - "قلب مفتوح"   ملاحظة المحرر في IDA:   ترشيح Open Heart  لج...