Showing posts with label و من الشعر أحيانا. Show all posts
Showing posts with label و من الشعر أحيانا. Show all posts

Wednesday, August 07, 2024

I Come and Stand at Every Door -Hiroshima Child


 

Nâzım Hikmet

(1902-1963 / Turkey)

Hiroshima Child

I Come and Stand at Every Door · Pete Seeger
I come and stand at every door
But none can hear my silent tread
I knock and yet remain unseen
For I am dead for I am dead

I'm only seven though I died
In Hiroshima long ago
I'm seven now as I was then
When children die they do not grow

My hair was scorched by swirling flame
My eyes grew dim my eyes grew blind
Death came and turned my bones to dust
And that was scattered by the wind

I need no fruit I need no rice
I need no sweets nor even bread
I ask for nothing for myself
For I am dead for I am dead

All that I need is that for peace
You fight today you fight today
So that the children of this world
Can live and grow and laugh and play

--

القصف الذري على هيروشيما وناجازاكي : 6 و9 أغسطس، 1945: يمكنك زيارة متحف هيروشيما التذكاري للسلام افتراضيا , متحف ناغاساكي للقنبلة الذرية
NAGASAKI PEACE official website of Nagasaki City NAGASAKI PEACE official website of Nagasaki City 

Saturday, June 08, 2024

هذه صرخة وأتحداك أن تنشرها! صرخة من أجل غزة

 الكاتب/ نبيل العشيبي: أستاذ مشارك في الدراسات الإعلامية ومدير مركز الإعلام والدين والثقافة في جامعة كولورادو.

المترجمة/ إيمان الطحاوي: طبيبة و كاتبة من مصر.




 ترنو هذه الكلمات إلى الهبوط على أذنيك مثل أصوات خارقة لمرافقة الأهوال المؤلمة التي تزاحم شاشاتنا. لا تنخدع بصمت الكلمات المطبوعة. هذه الكتابة تصرخ. غزة ليست مكانا غريبا اكتشفناه في 7 أكتوبر. إنها ليست تيارا من المعاناة يهز عضلات التعاطف لدينا. لا يمكن أن تكون غزة مجرد لفافة أخرى في خلاصتنا العابرة على وسائل التواصل الاجتماعي.

كيف تكتب الغضب عندما يكون الرعب في الكلمات والصور مجرد وقود لخلافنا القاسي؟ ما هي الأصوات التي يجب أن تصدرها الحروف عندما تشعر أصابعك وكأنها حجارة على لوحة المفاتيح؟ أكتب اليوم والخوف من أن كلماتنا ومشاعرنا عن غزة، وعن حماقة الحرب، قد تكلست. والأسوأ من ذلك ، أنني أكتب وأصرخ لأننا جميعا نشاهد الإبادة الجماعية.

هل دموع طفل يتيم يرتجف لن تساوي شيئا بعد الآن؟ هل نحيب أم فقدت 50 فردا من عائلتها مجرد مشهد نتصفحه على تيكتوك - TikTok؟ أي عدد من القتلى والمشوهين المدنيين، من المنازل المدمرة، من الأحياء والمدن المحروقة، سيُشبِع هذا الانتقام الذي لا ينتهي؟

إيناس أبو معمر وهي تبكي وتحمل بين يديها جثمان الطفلة الشهيدة سالي- المصور محمد سالم- 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 في مستشفى ناصر بخانيونس جنوب غزة



يتحدثون عن النصر الكامل قبل وقف إطلاق النار، ولكن عندما يتحول النصر إلى شهوة للقتل، عندما يتسامح مع الرعب المؤلم بصوت هند رجب، وهي فتاة جميلة تبلغ من العمر ست سنوات في سيارة مع ستة من أقاربها القتلى تتوسل على الهاتف لثلاث ساعات لإنقاذ حياتها قبل أن تُقتَل، عندما يعني النصر الكامل انتصار رصاصة على طفل يتوسل للحياة، ثم الخلاص فضيلة سأبحث عنها في الخسارة الكاملة.

سمعنا جميعا صراخ الطفلة هند صراخ الطفلة هند وانتقلنا إلى المنشور التالي.

DrSonnet — This is what the mother of the child, Hind Rajab,... (tumblr.com)


كما يقول الشاعر دانيال بورزوتزكي - Daniel Borzutzky ساخرا في " أداء أن تصبح إنسانا" ، "لقد قطعوا عشرين جثة الليلة الماضية واليوم يجب أن أهرع إلى التنظيف الجاف". ما هو الهدف من اسماع المذبحة ورؤيتها؟ لقد حول التمرير (تمرير المنشورات) إبهامنا إلى عضلة وحشية. نحن نرتد من مأساة إلى مأساة ويشتت انتباهنا ذلك العبث "البهيج" بينهما. نحن جثة بلا روح (زومبي) نُختَبر (لأداء دور) من أجل الإنسانية.

إذا بكت الكلمات ، فإنها ستتسرب عبر تلك الشاشة.

للوحة ل ملك مطر

Malak Mattar, "No Words," oil on primed linen, 218 x 485 cm, 2024 (courtesy of the artist).



على محمل الجد ، أي نوع من المخلوقات نحن؟ في أي عالم مضطرب/قلِق نعيش حيث يفد قادة العالم ومشاهير هوليوود إلى إسرائيل للتوقيع بفرح على رسائل تضامن حول القنابل الموجهة لقتل الأطفال وتشويههم؟ في أي واقع يكون بكاء طفل جائع يحمل مقلاة فارغة يتوسل أن يأكل دمعة تمساح من عدو غاشم/وحشي؟

أخبرني، متى أصبحت هذه المشاهد الفظيعة طبيعية؟ متى يتوقف مصنع الألم هذا عن العمل؟ هل هذه هي الصور التي سنعلقها في متحف النسيان في المستقبل؟

هل حياة الفلسطينيين رخيصة لدرجة أن كلمة مثل "وقف إطلاق النار"، أي مجرد وقف الأعمال العدائية الوحشية ضد السكان المدنيين العاجزين والمحاصَرين، أصبحت كلمة محفزة، وحيلة لغوية معقدة..نستحدمها في ألعابنا الباحثة عن دلالية الألفاظ المنعزلة؟ هل وقف إطلاق النار هو الكلمة الصحيحة؟ هل هي إبادة جماعية؟ هل هناك أناس أبرياء حقا في غزة؟

هل نسمع أنفسنا؟ اللامبالاة العاطفية في هذه الأسئلة مخيفة.

نعم ، أبدو أخلاقيا و مع ذلك، أوجه الاتهام لنا جميعا بالتخلي عن ملايين الأشخاص للاستقامة/السداد الملتوية للقنبلة أو التعاطف المسطح لتمرير وسائل التواصل الاجتماعي. لم أعد أهتم بالمنطق بعد الآن. ليس هناك معنى في ابتذال العالم الذي نعيش فيه.

أريد فقط أن أصرخ لأنني أكتب هذه الكلمات بقلب مثقل/حزين. لا أريد أن أصرخ كعربي أو أمريكي أو مسلم أو عالم أو معلم. أريد أن أصرخ بدون اسم ، بدون ألقاب ، بدون درجات ، بدون بروتوكولات/أصول الأداء المهذب. أود أن أصرخ كإنسان مع غصة في حلقي لأكرر بتواضع اليأس في تضرع أولئك الذين لم تتوقف القنابل عن المطر عليهم وأولئك الذين على الجانب الآخر من الحدود الذين لا يرون أي فضيلة في العداء المستمر /الذي لا يلين لقادتهم.

 

هذا تطهير عرقي أثناء إبادة شعب فلسطين في غزة

نور هندي Noor Hindi  ، "اللعنة على محاضرتك عن الحرفية/المهارات ، شعبي يُباد"

"أريد أن أكون مثل هؤلاء الشعراء المهووسين بالقمر.

الفلسطينيون لا يرون القمر من زنازين السجون.

لكنهم لن يتمكنوا من رؤيته من تحت الأنقاض في أي وقت قريب."

 وتختتم هندي قصيدتها بكلمات مؤلمة: 

"عندما أموت، أعِدُك بأن أطاردك إلى الأبد،

وفي يومٍ ما، سأكتب عن الزهور وكأنها لنا."

وكنتم تظنون أن الفلسطينيين يموتون فقط . . .

من فضلك أخبرني إذا كان هناك عتبة للرعب؛ لئلا أضيع أنفاسي سدى.

وهذا ليس كلاماً بليغاً. مثل فرانز فانون، شاعر المعذبين في الأرض، لا أريد أن تكون كلماتي جميلة. بل أريد أن تكون لغتي قاسية. وسط كل هذا الدمار والكراهية المهينة للإنسانية، تبدو البلاغة وكأنها وسيلة إلهاء قاسية في عالم حيث الاهتمام هو صنم من التواصل السرمدي دون تدبر.

إنها ليست الراحة التي أنشدها بصرختي. بل هي رعشة الألم تلك التي لم يحلها الهروب من التعاطف الذي آمل أن أبقيه باقياً بالنسبة لنا جميعاً عندما يتعلق الأمر بفلسطين وإسرائيل. جميعهم بلا استثناء. لاَ نسْتَثْنِي أَحَدًا.  تُذكرنا الشاعرة سولماز شريف بأن "التعاطف هو أن تضع نفسك في أثر/خطوط طباشير شخص آخر وتلتقط صورة".

متى نتوقف عن التقاط صور الفلسطينيين القتلى والمشوهين؟

لم تكن هند رجب بحاجة إلى تعاطفنا. الرقة/الضعف في ندائها المخيف يصرخ العدالة والعدالة الآن. وصفت صحافتنا "الأفضل" "الحادثة" بعناوين جبانة مثل: "العثور على طفلة في السادسة من عمرها ميتة في غزة". وكانت كلمة هند الأخيرة لمسعف الهلال الأحمر: "تعال خذني. هل ستأتي وتأخذني؟ جاء اثنان من أول المستجيبين. لقد قتلوا على الفور.

لكن العالم لم يأت لإنقاذ هند.

قالت والدتها وسام حمادة عن مقتل طفلتها: "سأسأل أمام الله يوم القيامة أولئك الذين سمعوا صرخات ابنتي طلبا للمساعدة ولم ينقذوها".

سوف يخبرونك أن الأمر معقد، ولم يتسن التحقق من المصادر. وسيقوم الجيش الإسرائيلي "بالتحقيق" في هذا الحادث. الصحافة الكسولة ، في الواقع ، لكننا لسنا بعيدين عن المأزق. كلنا نشاهد ونمرر دون جدوى ، شهودا أو مستهلكين لنظارات الألم المتألقة. في المجال الرقمي ، تُقدّم "العواصف القذرة" ، كما يقول الفيلسوف بيونج شول هان ، على أنها مجرد "تيارات من التأثير" ، ونوبات من العواطف الجارية ، وسيل من المعلومات المثيرة للاشمئزاز بلا حدود دون وعد بالمعرفة.

* بيونگ تشول هان (Byung-Chul Han) هو فيلسوف ومنظر ثقافي كوري سويسري ألماني. 

Palestine Red Crescent Society/Katsikoyiannis Portfolio
Palestine Red Crescent Society/Katsikoyiannis Portfolio


يجب أن نتوقف عن النظر إلى معاناة الفلسطينيين كشكل من أشكال (السياحة العاطفية). إن رؤية آلامهم بهذه الطريقة تنزع الطابع السياسي عن مظالمهم، وتحولهم إلى موضوعات دائمة لنظرة منافقة. المعاناة هي عمل سياسي يستصرخ  العدالة ، لا مشهد مدته 30 ثانية من التفريغ المتعاطف.

تخيل هذه الكلمات في أعلى درجة صوت يمكن أن يقدمها. أريد أن أكتب بصوت عال لأن الكتابة تحت سوط الإمبراطورية لا يمكن أن تكون بنبرات خافتة.

لا أطلبُ الإذن بالصراخ.

ما مقدار الحرية التي أمتلكها حقا لأقول ما أقوله الآن دون خوف من الرقابة، دون أن تجلدني عصا الترهيب فاستقيم لهم /فتعيدني إلى جادة الطريق؟ عندما أفرغ من الكتابة، سأضطر إلى الكفاح لأنشر هذه الكلمات لأن المحررين سيخشون صراخي بسبب ما يُنبّيء به اسمي العربي. سيجدون كل ظلال الأعذار لتجنب التعليق على لغتي المتوهجة. إذا تم نشرها، فسأضطر إلى التعايش مع رد فعل عنيف متوقع يتهمني بانتهاك التعليمات الإمبراطورية حول كيف أكون عربيا جيدا.

لكنني نفضْتُ يدِي مِن التأدب والكتابة بنبرة ناعمة. اللعنة على العقلانية المحسوبة. اللعنة على الكلمات المنمقة. اللعنة على برجوازية التعاطف البارد. اللعنة على زيف الليبرالية. اللعنة على أخلاق أولئك الذين نسوا بسهولة لماذا نحن هنا في المقام الأول. اللعنة على الحسابات القاتلة للقادة السياسيين. اللعنة على أي عمل من أعمال التنظير التي تسمح لنا بالخروج من المأزق. اللعنة على جميع حراس العار الذين يمحون الفلسطينيين. اللعنة على أولئك الذين يواصلون بناء مسارح المصارعين الوحشية ليختبروا إنسانية غيرهم.

واللعنة على أولئك الذين سيقولون لي أن هناك الكثير من الاستياء في لغتي.

اليوم، أرتدي الصورة النمطية بفخر. أنا العربي الغاضب، المسلم الساخط، الشرق أوسطي المجنون. غضبي، رغم ذلك، جميل بقدر ما هو شيطاني. إنه يرعد ويهمس. إنه يؤلم ويشفي، ويتصاعد لكنه لا يتلاشى. هدفه الرئيس هو تهذيب الصراخ بعيدا عن الضوضاء المبتذلة للقنبلة والأزيز المميت للطائرة بدون طيار: قطعتان لقتل الشرق الأوسط عرفتهما منذ فترة طويلة جدا.

على الأقل هذا الغضب ليس هبوطا قاتلا إلى كارثة. إنه، كما يقول الشاعر أميري بركة اليوم عن الفلسطينيين، "غضب الملائكة".

صراخي... يتوق للانضمام إلى الصراخ الرشيق للشعراء الذين يكتبون ضد الكلمات بطلاقة متدفقة، والذين يقتلعون الحروف من أعشاش مزيفة.

صراخي... هو لحن الرعاية ، الصوت غير المكتشف لفراشة عنيدة تعشش في مسلخ.

صراخي... يدق ولكنه لا يشوه أو يقتل أو ينكسر. إنه يُذكر في مملكة النسيان.

صراخي... يعانق الفلسطيني تحت الأنقاض وفوقها ويحتضن اليهودي الذي يبدو في رعب تام مثل أولئك الذين جردوا من إنسانيتهم وأُبيدوا مثل "جرذان" بالأمس لكنهم يقصفون ويبيدون الآخرين على أنهم "دون البشر" اليوم.

صراخي... يبذل قصارى جهده لتكرار الجرأة النبيلة لتال ميتنيك Tal Mitnick ، الجندي الإسرائيلي البالغ من العمر 18 عاما والذي يفضل السجن على الخدمة في جيش مخمور على انتقام غير مبرر.

صراخي... لديه أمنية واحدة فقط. انهض واصرخ.

أصرخ لتهدئة الكلمات التي تتوق إلى صفائها المسروق.

أصرخ لأنني أفكر في الأصدقاء اليهود الذين يهمسون بسلام. أصرخ لأنني أفكر في اليهود الذين يطاردهم القرب الكامن من تاريخهم المرعب.

أصرخ من أجل الفلسطينيين المحكوم عليهم بتحمل أثقل الأعباء: ادفعوا ثمن تاريخ دموي خلقه بالأمس أولئك الذين يهتفون للحرب اليوم. أصرخ حتى يفقد أولئك الذين يفقدون ذاكرتهم صوتهم بعد ذلك.

أصرخ لأن الصرخة في أوروبا هي تحفة ثقافية، بينما لدينا هي هدير مشوه من المشاعر.

لكن هذه الصرخة ... ليست أداءا ينتظر التصفيق.

لذا ، أحني رأسك للصراخ الصامت في الداخل وتذكر الآلاف الذين استشهدوا، والأطفال الذين ماتوا قبل أن تتمكن أمهاتهم من ضمهم مرة أخرى.

انحنوا للأطفال المرتجفين الذين يجوبون شوارع غزة بحثا عن أمهات وآباء لن يجدوهم أبدا.

انحنى للحشود الجائعة من الرجال والنساء الذين يبحثون عن قطعة خبز وسط أطراف وأشلاء متناثرة.

وانحنى لسماع صراخ والدة هند التي انتظرت أن ينقذ العالم ابنتها الجميلة فقط لتتلقى جثة مغطاة بالدم اليابس.

ربما يكون صراخي على هذه الصفحة هادئا، لكنه يزأر بصلاة مكللة بالعار.

يصرخ وينحني وينحني ويصرخ. هذه ليست صرختي و لا صراخنا. إنها صرخة الملائكة.

بعض المراجع:

من هي الطفلة هند رجب؟

 النص الأصلي: صرخة من أجل غزة 

A Scream for Gaza - Nabil Echchaibi, 2024 (sagepub.com) 

نشر أولا بعنوان: هذه صرخة وأتحداك أن تنشرها! 

This is a scream and I dare you to publish it! – Social Text (socialtextjournal.org)

Sunday, February 11, 2024

رب وامعتصماه

Published on
07/03/2009 
رب وامعتصماه انطلقت ... ملء أفواه البنات اليتم
لامست أسماعهم لكنها ... لم تلامس نخوة المعتصم



This Image Was On BBC few Years Ago. It is for Arab children lost their relatives. In Palestine, there is no difference between past and present. We hope not the same in the future.

Sunday, January 07, 2024

لماذا استمع للزجل من فلسطين؟

Published on
02/08/2009 20:00


تحديث: الخريطة من اطلس العالم الإسلامى للأستاذ شوقى أبوخليل، دار الفكر بدمشق، 2003

الزجل من أجمل الفنون الشعبية التى نسمعها فى مناسبات كالأعراس و سهرات السمر و الموالد و الكثير. و كل دولة لها ما يميزها، و يصبغ
الزجل الفلسطينى بألوان وطنه الذى مر عليه الكثير من الأحداث على مدى قرن. وفى كلمات هذا الزجل من المفارقات ما يشهد على أسباب الهزائم و أحوال العرب. يعرضها ببساطة ورشاقة و أحيانا بدون إعداد مسبق أى ارتجالا على أربعة أشطر. ستضحك عندما تجد فيها أيضا الفرزدق و سوبر ستار. ستجد أيضا وديع الصافى و الجليل و الضفة و الاستيطان و الجرافات.
ستتوقف كثيرا لتجيب على سؤال :
جاوبنى أين يافا و ين راحت حيفتنا؟
ستتذكر يافا فى قولهم: أنا يافا أم البرتقال كنفانى عنها قال نسبة إلى برتقالها الشهير و إلى قصص غسان كنفانى (أرض البرتقال الحزين).

سعدت لما قرأت خبرا عن صاحب الفرح الذى طلب من الزجالين ادخال اسماء القرى و المدن الفلسطينية فيها. كان هذا ردا على حملة منعت الاحتفال بالقدس عاصمة للثقافة الإسلامية. ستظل هويتنا ضد محاولات التهويد لأننا لا ننسى أبدا أن فلسطين و عاصتها القدس هى أرضنا العربية. كيف ننسى و نحن نخلدها فى أشعارنا و زجلنا وجميع فنونا و آدابنا؟

هل تذكرون الزعيم سعد زغلول و طقطوقة يا بلح زغلول؟يا بلح زغلول... يا حليوة يا بلح ... يا بخت سعدي.. زغلول يا بلح

الفن الشعبى ليس أقل من الفصيح فى القدرة على التعبير و التشبيه إذا ما التزم بهدف و خرج طبيعيا من حياة الشعب بدون تكلف أو بذاءات. بل إن الزجل الارتجالى فيه جمال الشعر العربى القديم المرتجل فى سجال الشعراء أمام بعضهم. إلا أنك لا تحتمل إلا الضحك من هذا الذم أو الهجاء الجميل.
و أول ما سمعت الزجل العربى كان فى
أغنية دور الدورية فى فيلم الذى أبدع فيه فريقين من العسكر. و الذى أعد الموسيقى لها د سمير حلمى و كان الزجل من إعداد د مختار طنطاوى.
و انتقيت لكم بعضا من الحداء الوطنى
إن كـان بـلفـور يـجهـل قـيمــة الأوطـان نـحـن بـأرواحـنــا نـفــدي أراضـينــــا
يا مسجد الأقصـى أفـرح لا تكن حـزنان لـبيـك لـبيـك هـذا لـزمـن نـادينـــــــا
كـنيسـة المهـد مـن كـان بيـك طمعـان حولـك تلاقـي النصـارى والمسلمينا
يـا صـخـرة القــدس كـونـي فـي رضـى إن هـجـرنــاكِ فـللـرحمــن إشكـينــا

و هذه الأشكال الفنية في الأغنية الشعبية الفلسطينية كما ورد فى مقال الأغنية الشعبية النسوية في المناسبات الفلسطينية، بقلم: جورج أبو الدنين

1 - الموال بقِسْمَيه: العتابا، والميجانا.
2 - القصائد الشعبية أو الشروقيات.
3 - أغاني الدَّبكة.
4 – الحداء.
5 - أغاني الزفة ومنها ما هو خاص بالرجال، ومنها ما هو خاص بالنساء.
6 - الزَّجل بأنواعه.
ملحوظة: هذه الأزجال - ربما لاختلاف اللهجة و لعدم التعود عليها- تحتاج لسماعها مرات حتى يسهل الاستيعاب.
تحديثات ومصادر 1:

Friday, March 03, 2023

سجين شيلون للشاعر الإنجليزي لورد بيرون The Prisoner of Chillon BY LORD BYRON

سجين شيلون، للشاعر الإنجليزي لورد بيرون.
تعريب الأستاذ محمود الخفيف
إلى الذين لا يلويهم شيء عما يعشقون من حرية



تمهيد

كتب بيرون هذه القصيدة الجميلة في فندق صغير في قرية بالقرب من لوزان، حيث عاقته رداءة الجو عن متابعة سيره، وقد أثار مرأى ذلك الحصن العتيق (شيلون) في قلبه ذكرى فرنسوا دي بونفارد الذي سجنه فيه دوق سافوي من أجل مبادئه الجمهورية عام 1570م وقد جعله بيرون بطل هذه الأقصوصة الخيالية الرائعة.

- 1 -

لقد علق الشيب بشعري ولكن لم تلده السنون، كذلك لم تبيض رأسي في ليلة كما تبيض رؤوس الرجال بغتهم الرعب.

وتقوست ساقاي. وإن لم يك ذلك عن جهد، بل لقد صدئتا في سكون موبق مهلك، إذ كانتا نهب الدمار في سجن مظلم تحت الأرض.

وكان حظي في هذه الدنيا حظ أولئك الذين لا يجدون في أرضها مضطربا، ولا في سمائها مسرحاً، إذ كان ذلك عليهم محرما.

على أن ما ألاقيه، إنما هو من أجل عقيدة أبي! أجل، من أجل تلك العقيدة أقاسي الأصفاد وأغازل الموت طالبا يده!

ولقد قضى ذلك الأب نحبه مستشهدا على خشبة الصلب، في سبيل مبادئه، التي لم يكن لينثني عنها، وفي سبيل هاتيك المبادئ عينها، يجد أبناؤه مأواهم في ظلمات السجن.

كنا سبعة، نحن الذين تراهم الآن واحداً فحسب، ستة في الشباب وواحداً في المشيب، انتهوا جميعاً كما بدأوا فخورين بما صبه الاضطهاد على رؤوسهم من نقمة.

ألقي بواحد في النار، وهلك اثنان في الميدان، حيث طبع الدم عقيدتيهما بخاتمه، وذهبا كما ذهب أبوهما في سبيل الله الذي أنكره أعدائهم، وألقي بالثلاثة الباقين في غيابة السجن حيث لم يعش منهم سواي أنا. . . حطامهم الباقي.

- 2 -

هنالك في سجن (شيلون) ذلك السجن العتيق العميق، توجد سبعة أعمدة أقيمت على النمط القوطي، سبعة أعمدة ضخمة شهباء، تتراءى كالحة على بصيص منبعث من شعاع كئيب سجين، شعاع من أشعة الشمس ضل طريقه، فسقط من خلال الشقوق في الجدار الضخم على أرض السجن، واخذ يزحف فوق تلك الأرض الرطبة المبللة كأنه خيال المذنب انعكس في مستنقع.

في كل عمود من تلك الأعمدة علقت حلقة، وفي كل حلقة ربطت سلسلة. آه. يا لهذا الحديد من آكل، فهاهي ذي أسنانه لا يزال أثرها في ساقي ولن يزول ذلك الأثر إلا بزوال هذا النهار الجديد، الذي تتأذى به الآن عيناي وتتألمان، لأنهما لم تريا الشمس هكذا تشرق منذ سنوات لا يسعني حصرها، فقد نسيت عددها وغاب عن وعيي تعاقبها الثقيل، منذ أحنى آخر اخوتي رأسه وفارق دنياه، وأنا بجانبه لا تزال تدب في جسمي الحياة!

- 3 -

أوثقونا كلا في عمود من تلك الأعمدة الحجرية وكنا ثلاثة معا، ولكن كل في معزل عن أخويه، ولم نك نستطيع أن نتحرك خطوة واحدة، ولم يك يتسنى لأحدنا أن يرى وجهي الآخرين لولا ذلك الضوء الشاحب الأغبش الذي جعل كلاً منا غريباً في عين أخيه: وهكذا كنا معا وإن كنا في الوقت نفسه منفردين، كانت أيدينا مغلولة مربوطة، ولكن قلوبنا كانت تذوي من الحزن.

على أننا مع ما كنا نقاسيه من حرمان أنفسنا من عناصر الحياة الصافية وجدنا بعض العزاء أن كنا نستطيع أن نتحادث ويسمع كل منا كلام أخويه فيسري كل عن الآخرين بما ينشد من أمل جديد أو بما يذكر من أسطورة قديمة أو بما يتغنى به من نشيد حماسي من أناشيد البطولة ولكن هاتيك التعلات وا أسفاه تسربت إليها في النهاية برودة المكان، وصار لأصواتنا رجع كئيب موحش هو الصدى المرتد من أحجار ذلك السجن، صارت أصواتنا حبيسة ضعيفة ولم تعد كما كانت بالأمس طليقة مليئة. ربما كان ذلك وهما ولكني لم اعد أتبين في تلك الأصوات أصواتنا السوالف.

- 4 -

كنت أكبر هؤلاء الثلاثة، وكان علي أن أشد أزر أخوي وأسري عن قلبيهما، ولقد قمت من ذلك بأحسن ما استطعت، وكذلك قام كل منهما بما وسعه.

وتالله لقد حرك الحزن نفسي من أعماقها، وبلغ الأسى منها كل مبلغ من أجل أخي الأصغر، ذلك الفتى الذي أحبه أبي لأنه كان يرى في جبهته جبهة أمه، وكان يرى في عينه لازورد السماء.

وفي الحق أنه مما يذكي القلوب أسى أن يرى مثل هذا الطائر في مثل ذلك القفص. ذلك لأنه كان جميلاً كالنهار حين كان يبدو لعيني من جمال النهار بقدر ما يبدوا منه لأعين النسور الفتية المحلقة في جو السماء؛ كان جميلاً كنهار القطب، لا يرى الغروب حتى يتصرم صيفه، ذلك الصيف الصاحي الطويل زمن ضوئه ابن الشمس المتشح بياض الثلج.

كان أخي شبه ذلك النهار في نقائه وبريقه وكان عذب الروح يفيض بالمرح، ولا تعرف عيناه الدموع في شيء، اللهم إلا فيما ينال الآخرين من شقاء، وهنالك تفيضان كما يفيض الغدير المنحدر من الجبل، ولن يرقأ دمعه حتى يدفع ذلك الشقاء الذي أزعجه مرآه وأمضه.

- 5 -

وكان الآخر مثله في صفاء الروح، ولكنه خلق محارباً مقداما، فكان قوي البنية، متين الأعضاء، له من قوة الإرادة ما يتحدى به العالم في ساحة الحرب، وكان أشد ما يبهج نفسه أن يتاح له الموت في طليعة الصفوف، لا أن يذوي هكذا في الأغلال.

ولقد أوهن روحه صليل تلك الأغلال حتى ذبلت كما تذبل الزهرة، ورأيتها تتساقط شيئاً فشيئاً، وفي الحق لقد نالني مثل ما ناله، ولكني تجلدت لأبقي على حشاشة هذا البيت العزيز الغالي، وكان أخي هذا صائداً يطارد الغزلان والذئاب على متون التلال، ولذلك كان يرى في هذا السجن أقبح هوة وفي تصفيد قدميه أسوأ عذاب.

- 6 -

كان تقع بحيرة ليمان تحت أقدام ذلك الحصن على عمق ألف قدم. وكانت لججها تتلاطم وتعج حتى لتصل إلى رأسه وتجعل قياس عمقه يبدأ من تلك الرأس البيضاء التي كانت تكتنفها الأمواج من جميع النواحي، وتجعل مع الحائط من الحصن سجنين؛ وتدعه كالقبر الحي!

وكان يقع القبو الذي ألقي بنا فيه تحت سطح البحيرة، وكثيراً ما سمعنا موجها فوق رؤوسنا يلطم الجدران بالنهار والليل ولقد أحسست ثبج الشتاء يضرب القضبان في الريح العاصفة ورأيته ينبعث صعداً نحو السماء الهانئة.

وعند ذلك أرتج الصخر وهو الصخر، وأحسسته يهتز وما هو بالمهتز، ذلك أني كنت حينئذ أستطيع أن ابتسم، أن أرى الموت الذي يطلقني من هذا الأسر!

- 7 -

ذكرت أن أقرب الأخوين إلى مكاني تساقطت نفسه وذوى عوده، وكذلك ذكرت أن قلبه القوي انصدع وانسرقت قوته.

عزفت نفسه عن الأكل وعافته، ولم يك ذلك لما كان عليه من قبح ووحشية، فقد ألفنا طعام الصيد ورضنا أنفسنا عليه.

أبدل ما كنا نشربه من لبن تجود به غنمات الجبل، بماء أتوا به من الخندق، وكان الخبز الذي يلقى إلينا على حال أحسسنا معها كأن دموع الموثقين البائسين قد سقته فألانته آلاف السنين، منذ ألقى الإنسان ببني جنسه أول مرة في الأصفاد كما يفعل بضواري الوحوش!

ولكن ما كان ليضيره ذلك أو يضيرنا، لم يكن ذلك ما أذاب قلبه وفت في عضده، فقد كانت روح أخي من ذلك الطراز الذي تتسرب إليه برودة الموت حتى ولو كان في قصر، إذا حيل بينه وبين شعاب الجبال وجوانبه الحادرة. وليت شعري لم أخفي الحقيقة وأؤجل النطق بها. . . لقد لفظ أخي أنفاسه.

رأيته يموت ولكن وا حسرتاه لم أستطع أن اسند رأسه، لا ولم استطع أن أمسك بيده وهي تموت ولا بعد أن همدت فيها الحياة، لم أستطع شيئاً من ذلك ولو أني تنزيت في الحديد وحاولت عبثاً أن أفك السلاسل واجعل أصفادي شطرين. لفظ أخي أنفاسه، ففكوا سلاسله وحفروا له لحدا قليل العمق، وقد جعلوه هكذا قريب القرار في مثل تلك الأرض الباردة أرض ذلك القبو.

ولقد توسلت إليهم أن يمنوا علي بسلوة لنفسي فيدفنوا جثمانه في بقعة يقع عليها ضوء النهار وهي فكرة سخيفة، ولكنها أوحت إلى نفسي أن قلبه الذي فطر على الحرية لن يجد حتى في ضجعة الموت راحة في مثل ذلك ا وكان أولى بي أن أكفي نفسي عناء هذا التوسل، فما أغنى عني منهم شيئاً، إذ ضحكوا في برود ثم وسدوه وسدوا عليه حيث سجنوه، وهناك رقد ذلك المخلوق الذي أجزلنا له الحب تحت أرض منبسطة لا ينبت فوقها عشب، ترتكز فوقها السلاسل المفرغة والأغلال نصبا ملائما لذلك الاغتيال!

- 8 -

ولكن الآخر، ذلك الفتى الحبيب الذي كان يشبه الزهرة، ذلك الذي أعززناه منذ أن رأت الوجوه عيناه، ذلك الذي كان يحمل صورة أمه في وجه صبوح. ذلك الطفل الذي تحب فيه الطفولة جميعاً، ذلك الذي كان أحب وأعز خيال إلى أبيه الشهير، والذي اصبح في السجن آخر ما بقي لأعنى به، والذي كنت من أجله أجهد أن أبقي على حشاشة نفسي، عسى أن يقلل ذلك من شقاءه وعسى أن تتاح له الحرية يوماً ما؛ أقول حتى ذلك الأخ أيضاً، ذلك الأخ الذي ظل إلى ذلك الوقت محتفظاً بروح ذاتية أو موحاة، غلب على نفسه في النهاية ورأيته يذبل كما تذبل الزهرة على غصنها يوما بعد يوم.

يا إلهي! إنه لمما يبعث الرعب في القلوب، أن نرى الروح البشرية تنطلق مولية في أية صورة وفي أي موقف، ولقد رأيتها من قبل تنطلق في دم مسفوح، ورأيتها في البحر الثائر تجاهد الموج المنتفخ القاذف، ورأيت المضاجع المحتضرة مضاجع الذين أسرفوا على أنفسهم يشيع فيها الهذيان من شدة الهول، رأيت ذلك كله وما حوى من صور مرعبة، ولكن رزئي في أخي كان فاجعة.

لم يصحب موته هول مما أسلفت، وإنما أسلم روحه مستيقنا غير معجل، وتساقطت نفسه ومضى هادئا وادعا، أكثر نعومه في نحوله، وابرز جمالا في ضعفه؛ ذهب غير دامع المقلتين ولكنه عطوف رؤوف، حزين على من خلفهم وراءه؛ سار للموت وفي وجنتيه نضرة بدت كأنها تهزأ بالقبر! ولقد ذهبت صبغتها في رقة وهدوء كما يتلاشى في السماء قوس الغمام؛ سار وفي عينيه بريق يكاد ومضه يضيء ذلك القبو.

مات لم أسمع له غمغمة ولا أنة تحسر على هذا الذي انتابه قبل أوانه. لم أسمع سوى كلمات قليلة عن حياة هي خير وأبقى، وإشارة طفيفة إلى الأمل أراد بها أن يثيره في نفسي إذ قد غرقت في السكون، وأحسست بفقدان روحي في ذلك القفر الذي عظم عندي عن كل قفر.

وأخيرا توانت وتضاءلت تلك التنهدات التي كان يحاول كتمانها، تلك التنهدات المنبعثة من هزال نفسه المتلاشية.

أصخت بسمعي، ولكني لم اسمع شيئاً، فصرخت إذ ذهب الهلع بلبي، فعدت في وحشية المذعور ثم أدركت أني صرخت عبثاً؛ ولكن هلعي ما كان لينهنه بزجر، لذلك عاودت الصراخ واحسبني سمعت صوتا، وإذ ذاك فصمت سلسلتي في وثبة قوية وأسرعت إليه ولكنني لم أجده!

وما فعلت سوى أن رحت أحدق في تلك البقعة القاتمة، وما أحسست سوى أني مازلت حيا وأن رئتي تتنفسان ذلك الهواء الرطب اللعين هواء القبو.

وهكذا انكسرت تلك الحلقة التي كانت تصلني باللانهاية، والتي كانت تربطني بتلك السلالة المضمحلة التي انحدرت منها؛ انكسرت في ذلك المكان المهلك تلك الحلقة الوحيدة آخر الحلقات واعزها جميعا لدي. وبات أخواي أحدهما تحت الأرض والآخر فوقها وكلاهما لا ينبض فيه عرق.

أخذت بيدي تلك اليد التي تدلت هامدة، ولكن يدي وا حسرتاه كانت مثلها في برودتها. ولم أعد أجد في نفسي القوة لأن أتحرك أو أناضل، ولكني على الرغم من ذلك أحسست أني ما زلت حيا، وتملكني ذلك الشعور المضطرم الذي لا يقر، ذلك الشعور الذي يكون مبعثه إدراكنا أن الشيء الذي أوليناه محبتنا لن يعود أبداً إلى ما كان عليه. وليت شعري لم عجزت عن أن أضع حدا لتلك الحياة؟ لم يعد يربطني بالأرض أمل. ولكن ظلت لي فيها عقيدتي وهي التي حالت دون أن أقتل نفسي.

- 9 -

أما ما كان من أمري بعد ذلك، فلست أتبينه تماماً. لا أذكر سوى أنني فقدت شعوري أولا بالضوء ثم بالهواء، وأخيراً بالظلمة نفسها. لم أعد أفكر في شئ أو أحس شيئاً، ووقفت حجراً بين الأحجار. كنت كالصخرة الجرداء يغشاها الضباب، إذ لم يكن حولي سوى الفراغ والكآبة والظلام. لم يعد ثمة ليل ولا نهار؛ حتى ولا ذلك النور البغيض نور القبو الذي كان ينفر منه بصري الكليل، لم يبقى إلا الفراغ الذي فني فيه الكون كله فلا أحس سواه، والوجود الذي لا يرتبط بمكان في معناه!

لم يعد ثمة سماء ولا أرض، ولم يعد ثمة ثبوت ولا تحول ولا زمن ولا خير ولا شر، لم يكن هناك سوى السكون، والتنفس الذي لا يبعث حركة فلا هو إلى الحياة ولا هو إلى الموت.

كنت في بحر من الخمود الراكد تغشاه الظلمة، لا تدرك له نهاية، ولا يسمع فيه صوت، ولا تحس فيه حركة!

- 10 -

طافت بعقلي بغتة بارقة من النور؛ كانت غناء حلوا تغنى به طائر، غناء انقطع ولكنه ما لبث أن عاد؛ ولقد كان أجمل سجع سمعته الآذان! طربت له أذناي حتى دارت عيناي تتبعان هذه المباغتة السارة، في تلك اللحظة لم تستطيعا أن تريا إني حليف الشقاء، ولكن حواسي عادت في خطا كئيبة إلى طريقها التي الفتها، ورأيت جدران القبو وأرضه تدور فتلتف حولي في بطئ كما كانت من قبل، ورأيت ذلك البصيص المنبعث من الشمس يزحف كما كان يزحف من قبل؛ بيد أني رأيت ذلك الطائر في تلك الكوة التي دخل منها الشعاع يقف مشغوفاً أليفاً كما لو كان فوق شجرة، بل اكثر ألفة مما لو كان هنالك. كان طائراً جميلاً ذا جناحين أزرقين وغناء جم المعاني؛ ولقد خيل إلي إنه تغنى بتلك المعاني جميعاً من أجلي! وما وقعت عيناي من قبل على طائر مثله ولن تريا بعد شبيهاً له أبداً. وبدا لي كأنما كان يعوزه إلف كما كان يعوزني إلف، ولكنه لم يصل إلى نصف ما كنت فيه من وجد ووحشة. وكذلك بدا لي إنما قد جاء ليهبني حبه، على حين لم يبق لي من يهبني ثانية مثل ذلك الحب. ولقد جعلتني هذه البشرية المنبعثة من حافة القبو أشعر ثانية وأفكر ولست أدري أكان أطلق سراحه حديثاً أم أنه كسر قفصه وجاء ليطل عليّ قفصي! ولكني أيها الطائر الجميل وقد عرفت معنى الأسر لن أستطيع أن أريده لك!

وليت شعري لعله زائر من الفردوس تنكر في جناحين! ذلك إني كنت أفكر أحياناً أنه ربما كان روح أخي هبطت إلي. ولتغفر لي السماء تلك الفكرة، تلك اللحظة التي جعلتني أذرف الدمع وجعلتني ابتسم ولكنه في النهاية ولى بعيداً عني، وإذن فقد كان من بني الفناء؛ عرفت ذلك حق المعرفة. وإلا فما كان ليذرني هكذا في وحدة أحسستها ضعفين: وحدة كنت فيها كما يكون الجسد في أكفانه، أو كما يكون السحاب المنعزل: ذلك السحاب الفريد الذي يتراءى في اليوم الضاحي حينما تكون نواحي القبة صافية كلها فيبدو في الجو كعبوس لا موجب لظهوره والسموات طلقة والأرض في بهجة.

- 11 -

طرأ على حالي نوعاً من التغير إذ أصبح آسري ذوي رحمة؛ ولست أدري ماذا جعلهم كذلك وقد ألفوا مناظر الشقاء، ولكن ذلك ما حدث. بقيت سلسلتي المكسورة منفصمة الحلقات. وكانت الحرية عندي أن أتجول في صومعتي من جانب إلى جانب، وأن أقطعها طولاً وعرضاً، وأن أطأ أرجاءها جميعاً، وأدور حول كل عمود، ثم أعود إلى حيث بدأت، لا أتجنب وأنا أطأ الأرض بقدمي إلا ذينك القبرين العاريين: قبري أخوي. ذلك أني كنت إذا ظننت أن وطأة على غير قصد مني قد أهانت مضجعهما الخافض، ينبعث نفسي لاهثاً كثيفاً، وينقلب فؤادي المتحطم ضريراً عليلاً.

- 12 -

تسلقت الحائط ولكني ما أردت الهروب. فقد غال الردى كل من كانوا يحبونني من البشر، ومن ثم صارت الأرض كلها عندي سجناً أكثر سعة مما أنا فيه، لم يكن لي ولد ولا والد ولا ذو قربى، ولا شريك فيما ألاقي من شقاء.

ذكرت ذلك فاغتبطت به لأن فكري في هؤلاء قد أورثني الجنون، ولكني كنت أتطلع إلى تسلق الجدار حتى النوافذ التي تعترضها القضبان. كما كنت أتطلع إلى أن أصوب بصري مرة أخرى في هيام إلى تلك الجبال الشاهقة.

- 13 -

رأيتها لما تزل على ما كنت عليه فلم تنل منها يد التغيير كما نالت مني في الأغلال؛ ورأيت الثلج الذي يكلل هاماتها منذ آلاف السنين كما رأيت البحيرة الواسعة الطويلة اسفل منها، ونهر الرون الأزرق في أشد فيضه وسمعت جارف السيل يتلاطم ويندفق فوق الصخر المتشقق والجذوع المتحطمة؛ وأخذت عيناي المدينة النائية البيضاء المنازل، كما لمحت القلاع التي تفوقها ابيضاضاً تجري مسرعة؛ ثم وقع بصري على جزيرة صغيرة تراءت حتى لي أنا باسمة، ولم يلح سواها أمام نظري؛ جزيرة صغيرة خضراء ظهرت كأنما لا يزيد عرضها على ذلك إلا قليلا، قامت فيها ثلاث شجرات باسقات، وكانت تهب عليها نسمات الجبل وتجري بجوارها المياه، كما كانت تنمو فوقها زهرات جميلة اللون عاطرة الأنفاس.

ورأيت فيما رأيت السمك يسبح إلى جدران السجن؛ ولقد بدا للعين مرحا: وحداته وجماعاته؛ وأبصرت النسر يركب متن الريح الهائجة، ويخيل إلي إني لم أره من قبل في مثل تلك السرعة. وعندئذ اخضلّت عيناي بدمع جديد وتبلبل خاطري، وودت لو أني لم انطلق من تلك السلاسل، ولما نزلت أحسست كأن الظلمة في مأواي الكدر تقع عليّ كأنها حمل ثقيل: كانت كأنها القبر ينطبق عليّ من جهدنا في خلاصه، وأحس بصري وقد انقلب إلى هكذا محزوناً كأنه يطلب راحة كراحة القبر.

- 14 -

ولست ادري كم لبثت بعدها في ذلك القبو، ربما كانت شهوراً أو أعواماً أو أياماً. لم أحص لها عدداً ولم ألق إليها بالاً ولم يك ثمة من أمل يرفع عيني ويمسح عنهما القذى المحزن. وأخيراً اقبل الرجال ليطلقوني من الأسر، فلم أعن أن أعرف ما سبب هذا ولا حفلت أين اذهب، فلقد تساوى في النهاية عندي الفكاك والقيد. وتعلمت أن أصالح على اليأس نفسي. ولذلك حين أقبلوا يطلقونني وحين ألقيت جميع السلاسل جانباً، أحسست أن تلك الجدران السميكة قد صارت لي معتكفاً وأصبحت علي وقفاً؛ وكأني شعرت نصف شعور ساعتئذ إنهم أتوا ينتزعونني من وطنٍ ثان. لقد اتصلت بيني وبين العناكب أسباب الصداقة، وكنت أراقب عملها الدائب، كما كنت أرى الجرذان في نور القمر. وليت شعري ماذا يدعوني أن أحس أنني دون هؤلاء جميعاً؟ لقد صرنا آلاّفا جمعتهم وحدة المكان.

وكنت أنا فيهم ملك الجميع، ولي الحول أن اقتل أنى شئت! ولكنا تعلمنا أن نعيش معاً هادئين، وذلك لعمري من عجيب الأمور! في ذلك السجن توثقت الألفة بيني وبين الأغلال ذاتها. وهكذا ينتهي بنا طول الاعتياد إلى ما نصير إليه فهأنذا الذي لاقيت ما لاقيت قد تنهدت حينما عادت حريتي إلي!

 نشر أولا في مجلة الرسالة 1937
الجزء الأول بتاريخ: 01 - 02 - 1937
و التتمة بتاريخ: 08 - 02 - 1937


و هنا ترجمة أخرى:



و تجدون الأصل بالإنجليزية هنا

The Prisoner of Chillon BY LORD BYRON



Thursday, February 23, 2023

عندي لأجل فراقكم آلام

 

عندي لأجل فراقكم آلام


عندي لأجل فراقكم آلام
فإلام أعذل فيكم وأُلام

من كان مثلي للحبيب مفارقًا
لا تعذلوه فللكلام كلام

نعم المساعد دمعي الجاري على
خدي إلا أنه نمام

ويذيب روحي نوح كل حمامة
فكأنما نوح الحمام حمام

إن كنت مثلي للأحبة فاقدًا
أو في فؤادك لوعة وغرام

قف في ديار الظاعنين ونادها
يا دار ما فعلت بك الأيام؟

أعرضت عنك لأنهم قد أعرضوا
لم يبق فيك بشاشة تستام

يا دار أين الساكنون وأين
ذياك البهاء وذلك الإعظام

يا دار أين زمان ربعك مونقًا
وشعارك الإجلال والإكرام

يا دار مذ أفلت نجومك عنا
والله من بعد الضياء ظلام

فلبعدهم قرب الردى ولفقدهم
فقد الهدى وتزلزل الإسلام

فمتى قبلت من الأعادي ساكنًا
بعد الأحبة لا سقاك غمام

يا سادتي أما الفؤاد فشيق
قلق وأما أدمعي فسجام

والدار مذ عدمت جمال وجوهكم
لم يبق في ذاك المقام مقام

لا حظ فيها للعيون وليس
للأقدام في عرصاتها إقدام

والله إني على عهد الهوى
باقٍ ولم يخفر لدي ذمام

فدمي حلال إن أردت سواكم
والعيش بعدكم علي حرام

يا غائبين وفي الفؤاد لبعدهم
نار لها بين الضلوع ضرام

لا كتبكم تأتي ولا أخباركم
تروى ولا تدنيكم الأحلام

نغصتم الدنيا علي وكلما
جد النوى لعبت بي الأسقام

ولقيت من صرف الزمان وجوره
ما لم تخيله لي الأوهام

يا ليت شعري كيف حال أحبتي
وبأي أرض خيموا وأقاموا

مالي أنيس غير بيت قاله
صب رمته من الفراق سهام

والله ما اخترت الفراق وإنما
حكمت علي بذلك الأيام

شمس الدين الكوفي
623 - 675 هـ / 1226 - 1276 م
محمد بن أحمد بن أبي علي عبيد الله بن داود الزاهد بن محمد بن علي الأبزاري.
شمس الدين الكوفي. الواعظ الهاشمي خطيب جامع السلطان ببغداد. له شعر وموشحات.

اسمها فلسطين " المذكرات الممنوعة لرحالة إنجليزية في الأرض المقدسة" للرحالة آدا جودريتش فريير

اسمها فلسطين " المذكرات الممنوعة لرحالة إنجليزية في الأرض المقدسة" اسمها فلسطين by A. Goodrich-Freer | Goodreads اسمها فلسطين &qu...