في ذكرى رحيل الناشطة زينب مهدي - رحمها لله-، نعيد نشر هذه القصة القصيرة عنها..بناءا على طلب الأصدقاء. و أدعوكم للدعاء لها بالمغفرة فهذا ما ينفعها الآن.
و قد أثنى على هذه القصة الأستاذ ياسر ثابت واصفا إياها كأن زينب تتحدث عن نفسها و تمنى لو لم تمت، لتجد من يكتب عنها بهذا الصدق. كذلك الأستاذ عبدالكريم صاحب مدونة شمس العصاري وجد القصة من أروع ما كتب عن زينب حيث كتبت بإحساس عالي و إنسانية استحقت النشر. و كان ممن عمل معها قبل وفاتها بفترة.
و قد أثنى على هذه القصة الأستاذ ياسر ثابت واصفا إياها كأن زينب تتحدث عن نفسها و تمنى لو لم تمت، لتجد من يكتب عنها بهذا الصدق. كذلك الأستاذ عبدالكريم صاحب مدونة شمس العصاري وجد القصة من أروع ما كتب عن زينب حيث كتبت بإحساس عالي و إنسانية استحقت النشر. و كان ممن عمل معها قبل وفاتها بفترة.
تحديث سبتمبر 2023
#WorldSuicidePreventionDay
#WorldSuicidePreventionDay2023
#SuicidePrevention
يسمح بالنشر مع ذكر المصدر
يسمح بالنشر مع ذكر المصدر
قصاصات من أوراق الآنسة (زينب)
(أوراق مصرية منتحرة)
كتبت د/إيمان الطحاوي
و كيف تقوى قلبك على فتح ملف فتاة منتحرة؟ هكذا تحدثت لنفسي و أنا أغوص في هذا الشجن، قبل أن يقولها غيري سيقرؤون هذه الأوراق. لكنهم سيسمحون لأنفسهم بقراءتها بدافع إنساني كما سمحت لنفسي بالكتابة عنها بدافع إنساني. هذه ليست قصة فردية عن شخص بعينه، إنما مزيج بين الألم و الأمل عن جيل بأكمله.
دعونا نبدأ مع كلام زينب مهدي: حتى أيامي الأخيرة لم أكن أدرك أني على صلة قريبة بهذا الهاجس الذي نفر منه جميعا..الحقيقة الوحيدة التي نعرفها و نتجاهلها (الموت)...تعرفت إلى الموت عدة مرات، فلم تكن هذه هي المرة الأولى التي أواجهه..عرفته كثيرا، و كان كل فراق بمرارة مختلفة...لكني بالنهاية تعودت عليه مثلكم جميعا..و من منا لا يعرف الموت؟ في البدء، تعرفت عليه في موت بعض أقاربي (قد لا يهم اسمهم الآن..فأنتم لن تتذكروهم كما ستنسونني) في عقدي الأول...لكنه –الموت- صار ملازما لي في سنواتي الأخيرة حتى صار رفيقا على غير إذن مني..بدأت هذه الصداقة العجيبة مذ انطلقت الرصاصة الأولى في جسد أول متظاهر مصري في السويس في مطلع العام 2011...و حينها، كنت على بعد عشرات الكيلومترات من هذا الموت ثم على بعد لحظات من عربة الأمن التي تقتلنا في ميدان آخر لأنجو من هذا الموت. كل مرة يرافقني و يذيقني مرارة ثم يخبو لشهور و يعود ثانية..في البدء، كنت اتفاجأ به، لكنني تعلمت كيف أتوقعه..و في النهاية قررت أنا أن أداهمه و انتحرت..هذه قصتي باختصار مع الحياة أو مع الموت..مع حياتكم و مع موتي المفاجيء لكم..أو هكذا تجملتم حين سمعتم خبر رحيلي (المفاجيء)!.
(زينب): كان وقع حياني يتبدل بوتيرة كالنار التي تشوي سمكة تتلظى..هكذا كنت أشعر في السنوات الأخيرة..تشبيه مضحك، أليس كذلك؟ هل تخيلتم انفسكم تتقلبون على نار و أنتم أحياء تتوقون إلى الحياة و أنتم تعرفون أن الموت يحيط بكم على بعد دقائق؟ هل ستفكرون في الاستسلام كالسمكة في لحظاتها الأخيرة؟ هكذا فعلت أنا...حتى في أقصى لحظات تفاؤلي بحياة وردية عادلة، كنتنت أتلقى الصدمات التي تقلب الموازين مرة بعد أخرى و انخدع بكل رمز للعدل و للنظام و للتضحية..حتى تيقنت أو هكذا اعتقدت أنه لا حياة فاضلة على هذه الدنيا و أنها أنسب لي هناك في حياة أخرى و لا سبيل لها إلا عبر الموت...فاستسلمت كسمكة على نار شواء..هذا كل ما حدث.
قالوا ضعيفة..و قالوا يائسة من الحياة. لا أعلم، لكن ما أعرفه فقط أنني كنت متفائلة و صادقة مع غيري..ثم فوجئت بالظلم، و بالكذب. لم أحب أن أرى نفسي ضحية لظالم فقاومت مرات و طرقت عدة أبواب، حتى فشلت (استنفذت). ألهذا قالوا ضعيفة؟ كنت أساعد غيري رغم أني الاكثر احتياجا لمساعدة من تخلوا عني، لم أتحمل، بحثت بمفردي عن عمل لأرضي ذاتي و أساعد في تنشئة جيل من النساء القادرات على صنع مجتمع قوي و فاضل. راسلت و بعثت سيرتي الذاتية قبل الرحيل بشهور..لم يستجب أحد، فكانت كورقة نعيي الأخيرة بيد كل من وصلت إليه و لم يفعل شيئا. ترى كم شخصا عرف أنني في ضائقة، و حاول مساعدتي بكرامة؟ ربما تعرفون عددهم الآن و تعرفون من يجلدون أنفسهم متمنيين ما لن يحدث، أن تعود عقارب الساعة للوراء! حملت الكثير وحدي و كان هذا فوق طاقتي، تخيلت انني بالمشاركة في نشاطات خيرية سأساعد في تغيير للأفضل، و سأمر بنجاح تلو نجاح. لكنني صدمت بفشل تلو آخر و كأنني ( دون كيشوت) جديد..لكنه جاء بعد الخامس و العشرين من يناير. كنت (دون كيشوت) الضعيف أحارب غولا اسمه القضاء حيث يتحكم في مصير الأبرياء قاض ظالم كأنه نصف إله. كنت –بما أملك- ضعيفة بالنسبة له طبعا..و كنا جميعا نحارب الطواحين، كل بطريقته، نحاول جميعا عبثا مرة تلو الأخرى..لكنني انفردت بأخذ نصيبي الأكبر من المحاولات و الفشل في وقت قصير.. لهذا استهلكت أسرع منكم؟ و كنت وحدي على أرض غير ثابتة، اتنقل مرغمة بين النقضاء..ديني و ليبرالي، باحثة عن المعرفة و عن الحقيقة، فما هداني أحد. قرأت كثيرا و تعرفت على منابع جديدة كنت أجهلها لسنوات..كانت كلماتي و صوري عبر وسائل التواصل تشي لهم بهذه التنقلات، فوصموني بالكفر و فروا مني إلا من رحم ربي. . تذكروني حين احتاجوا خدمة في حديث عابر بينهم و لولاه لما تذكروني..كثر خيرهم..هل كل هذه المحاولات و تقولون ضعيفة؟ إن سلمت بضعفي بعد كل هذا، فسأقول: "نعم ضعيفة، لكنكم لستم أقوياء".
لحظات قبل الانتحار....قد تكون هذه اللحظات هي أقوى ما مررت به في حياتي، حين قررت الرحيل، و حين قاومت الموت..هناك ما يدفعني لان أسرع في مغادرة الحياة بأقل من ساعة..هاجس الموت يناديني من أيام، آه لو كنت مت دون انتحار، هل كانوا سيتذكرونني؟ لم تكن هذه هي المرة الأولى التي أحاول فيها الانتحار و كنت جادة في عزمي هذه المرة...كنت أفكر في أمي حين تعود و ترتاع لهذا المشهد..سامحيني...و حين كنت أقاوم هذه الرغبة، شعرت بشيء يعتصرني كيد تلتف حول عنقي، كضربة في قلبي الذي يحمل كل ثقلي ثم صارت كل سنواتي أمام عيني و أنا اتألم و أحاول....لكنها الحياة التي نحن إليها أبحث في شريط حياتي عن شيء حلو يريحني، ثم تتسارع الصور فأرى مراراة السنة الماضية و لا أذكر إلا غايتي الأخيرة الآن وهي أن ألف هذا الحبل حول عنقي.....، ثم عادت أمي و رأتني ميتة.. أو هكذا جاء في تحقيق النيابة و قصاصات صفحات الأخبار.
بالنهاية، انتهت (زينب) كجثة تحت تصرف النيابة حتى يأذن الطبيب الشرعي، ليمهر قصاصة ورق بكلمة (انتحار) قبل أن ينتقل اسمها إلى آخر قصاصة (تصريح الدفن)..و لينتقل الجسد إلى مدافن العائلة، و الروح إلى خالقها..
الآن، يسير وراء كفني العشرات من الأوفياء، في نفس الوقت الذي يكتب الالاف عني عبر الانترنت..و يظل هناك مئات ممن عرفوني و لم يودعوني الوداع الأخير لا في جنازتي و لا عند قبري. شكرا لهم جميعا على أية حال.
(زينب): أنا ربيبة "الجماعة"، تبعتها في سن الزهور بحثا عن المدينة الفاضلة بإرادتي..و تركتها و أنا أتوسم في غيرها الفضل بإرادتي. لم أجد فيها طريقا لإرضاء طموحي كما يريد عقلي (أنا). أحببت الزهروات و أنا أحفظهن في المساجد، ثم أردت أن أكبر معهن بعقلنا، و هذا ليس من حق الصغار و لا من حق النساء في " الجماعة"... حاولت الوصول لهم بأفكاري لنتغير معا، لكنهم اعتبروني مقلقة و هذا القلق لا يتسق مع نهج الجماعة الثابت لعشرات السنين..اخترت أن أدعم من خرج عن هذا النهج قليلا ليترشح للرئاسة، فكان جزاؤنا الفصل لأننا استخدمنا حقنا في التفكير خارج صفهم،.. يعتبروني كائنا ينفذ ما يملى عليه و لا يهتمون بافكاري لأنني لن أؤثر في المجتمع و كأنني موطنة من الدرجة الثانية. يكيلون بمكيالين حين يتعامولن مع المراة و الرجل. و حين يتعامملون مع من يطيع دون تفكير و من يناقش قبل أن ينفذ الأوامر. إنني أحب أن أشير لها باختصار غير راغبة حتى في أي اسم أو ضمير مجهول يختصرعلاقتي بهم و التي استمرت لسنوات ثم انهارت في شهور.
تركوها و كأنهم موكولون بابنائهم الذي يوالونهم فقط. أما من يخرج عن طريقهمم، فهم منه براء يفرون منه؛ لأنه في نظرهم خبث فكيف يترحمون عليه أو يبكونه؟. بعض زملائها القدامى حذفوا ما استشهدوا به من كلماتها عن (رابعة) و عن ظلم العسكر بعد الانقلاب و عن حزنها على أحد شهداء الجماعة ممن تعرفه و شاركها فعل الخير حين توعدت بأخذ حقه ممن قام بتصفيته.. لكن القصاصات التي سجلها السيد "جوجل" كانت تشهد لها و ستشهد عليهم أمام الله يوم الحساب). فلنحرق هذه القصاصات عن العلاقة الشائكة مع "الجماعة" إذن، فالآنسة (زينب) لا تحب الإشارة إلى "الماضي".
لست وحيدة، فأصدقائي من الإسلاميين و الليبراليين و من نشطاء فعل الخير كثر...كانوا كثيرا، فما نفعني أحد..ألم يكن أفضل لي و يكفيني صديقة أو اثنتين؟ لم يصدقوني القول حين ترددت و تساءلت، هذا في وقت الضيق..هربوا مني واحدا بعد الآخر إلا القليل..لهذا قررت أن أهرب أنا من عالمهم و من إعلامهم الإلكتروني الزائف..ثم تمر الأيام، فأعود لأدخل عالم (فيسبوك) الكبير. أراه مليئا بالصراعات و التخوينات بينما القتلى يتساقطون و المعتقلون يتزايدون كل يوم..كلهم يتصارعون فلِمَ علي أن أنحاز لأحدهم؟ أنا أخص ذاتي التي لم أجدها في أي منهم. الأصدقاء الجدد الليبراليون اجتذبوني و سعدت بصحبتهم و حياتهم، ثم تركوني حين قلت لا للظلم ضد الأخوان...يستوون في نظري مع الأخوانيات اللائي تركوني و اعتبروني كافرة لما خلعت الحجاب و كتبت عن عدم اقتناعي بما عرفته و درسته لسنوات. الصداقة او الأخوة بالنسبة لكليهما شكل ظاهري كالحلوى، تعجبهم و تجذبهم كالذباب ثم يتركونها ليبحثوا عن غيرها. أنا قطعة حلوى اسمي (زينب) و في بعض الساعات (زعببة) ولا أحد يملكني. ثم صرت قطعة حلوى ضاعت ويبكون عليها. حتى الأخوة الأشقاء صاروا يتعاملون مع بعضهم في هذا الزمن بهذه النفعية المتبادلة. كل شاب أو شابة له حياته المنفصلة ماديا و اجتماعيا غير مكترث ببقية أخوتهم و والديهم حتى لو جمعهم سقف بيت واحد. و يتذكرون أخوتهم حين يفقدون أحدهم ثم لا يلبثون أن يعودوا إلى عالمهم و هكذا هي الحياة.
أما عن أسرتي، فأنا لا أملك الحق في الحديث عنها الآن..يكفيهم حزنهم على رحيلي بهذه الطريقة، تركت لهم رسالة مفادها (سامحوني، هتوحشوني).
الآن، يسير وراء كفني العشرات من الأوفياء، في نفس الوقت الذي يكتب الالاف عني عبر الانترنت..و يظل هناك مئات ممن عرفوني و لم يودعوني الوداع الأخير لا في جنازتي و لا عند قبري. شكرا لهم جميعا على أية حال.
(زينب): أنا ربيبة "الجماعة"، تبعتها في سن الزهور بحثا عن المدينة الفاضلة بإرادتي..و تركتها و أنا أتوسم في غيرها الفضل بإرادتي. لم أجد فيها طريقا لإرضاء طموحي كما يريد عقلي (أنا). أحببت الزهروات و أنا أحفظهن في المساجد، ثم أردت أن أكبر معهن بعقلنا، و هذا ليس من حق الصغار و لا من حق النساء في " الجماعة"... حاولت الوصول لهم بأفكاري لنتغير معا، لكنهم اعتبروني مقلقة و هذا القلق لا يتسق مع نهج الجماعة الثابت لعشرات السنين..اخترت أن أدعم من خرج عن هذا النهج قليلا ليترشح للرئاسة، فكان جزاؤنا الفصل لأننا استخدمنا حقنا في التفكير خارج صفهم،.. يعتبروني كائنا ينفذ ما يملى عليه و لا يهتمون بافكاري لأنني لن أؤثر في المجتمع و كأنني موطنة من الدرجة الثانية. يكيلون بمكيالين حين يتعامولن مع المراة و الرجل. و حين يتعامملون مع من يطيع دون تفكير و من يناقش قبل أن ينفذ الأوامر. إنني أحب أن أشير لها باختصار غير راغبة حتى في أي اسم أو ضمير مجهول يختصرعلاقتي بهم و التي استمرت لسنوات ثم انهارت في شهور.
تركوها و كأنهم موكولون بابنائهم الذي يوالونهم فقط. أما من يخرج عن طريقهمم، فهم منه براء يفرون منه؛ لأنه في نظرهم خبث فكيف يترحمون عليه أو يبكونه؟. بعض زملائها القدامى حذفوا ما استشهدوا به من كلماتها عن (رابعة) و عن ظلم العسكر بعد الانقلاب و عن حزنها على أحد شهداء الجماعة ممن تعرفه و شاركها فعل الخير حين توعدت بأخذ حقه ممن قام بتصفيته.. لكن القصاصات التي سجلها السيد "جوجل" كانت تشهد لها و ستشهد عليهم أمام الله يوم الحساب). فلنحرق هذه القصاصات عن العلاقة الشائكة مع "الجماعة" إذن، فالآنسة (زينب) لا تحب الإشارة إلى "الماضي".
لست وحيدة، فأصدقائي من الإسلاميين و الليبراليين و من نشطاء فعل الخير كثر...كانوا كثيرا، فما نفعني أحد..ألم يكن أفضل لي و يكفيني صديقة أو اثنتين؟ لم يصدقوني القول حين ترددت و تساءلت، هذا في وقت الضيق..هربوا مني واحدا بعد الآخر إلا القليل..لهذا قررت أن أهرب أنا من عالمهم و من إعلامهم الإلكتروني الزائف..ثم تمر الأيام، فأعود لأدخل عالم (فيسبوك) الكبير. أراه مليئا بالصراعات و التخوينات بينما القتلى يتساقطون و المعتقلون يتزايدون كل يوم..كلهم يتصارعون فلِمَ علي أن أنحاز لأحدهم؟ أنا أخص ذاتي التي لم أجدها في أي منهم. الأصدقاء الجدد الليبراليون اجتذبوني و سعدت بصحبتهم و حياتهم، ثم تركوني حين قلت لا للظلم ضد الأخوان...يستوون في نظري مع الأخوانيات اللائي تركوني و اعتبروني كافرة لما خلعت الحجاب و كتبت عن عدم اقتناعي بما عرفته و درسته لسنوات. الصداقة او الأخوة بالنسبة لكليهما شكل ظاهري كالحلوى، تعجبهم و تجذبهم كالذباب ثم يتركونها ليبحثوا عن غيرها. أنا قطعة حلوى اسمي (زينب) و في بعض الساعات (زعببة) ولا أحد يملكني. ثم صرت قطعة حلوى ضاعت ويبكون عليها. حتى الأخوة الأشقاء صاروا يتعاملون مع بعضهم في هذا الزمن بهذه النفعية المتبادلة. كل شاب أو شابة له حياته المنفصلة ماديا و اجتماعيا غير مكترث ببقية أخوتهم و والديهم حتى لو جمعهم سقف بيت واحد. و يتذكرون أخوتهم حين يفقدون أحدهم ثم لا يلبثون أن يعودوا إلى عالمهم و هكذا هي الحياة.
أما عن أسرتي، فأنا لا أملك الحق في الحديث عنها الآن..يكفيهم حزنهم على رحيلي بهذه الطريقة، تركت لهم رسالة مفادها (سامحوني، هتوحشوني).
تعرف زينب نفسها: (( مصريه .. انتمى للتيار الاسلامي الوسطي .. عضو مؤسس بحزب التيار المصري .. بدعم بشده دكتور عبد المنعم أبو الفتوح مرشح لرئاسة الجمهوريه .. فكر د/ أبو الفتوح يشغل جزء كبير من فكري .. أميل إلي اليسار ..أؤمن بحرية الفكر والعقيدة .. الفكر يناطح بالفكر .. ضد المجلس العسكري .. يسقط يسقط حكم العسكر .. احنا الشعب الخط الاحمر ))
ملف المعتقلات: لم انسحب كما قالوا، بل كانت أنات المظلومين و المعتقلين تناديني، و كنت أحاول أن أفعل لهم شيئا، فاخترت أضعفهم، الفتيات المعتقلات المنسيات، عملت على ملفهن. فتحت لزملاء جدد و قدامى طريقا إلى العمل الجاد لنساعدهم..ثم تركتهم بعد فترة، لماذا انسحبت؟ لأنني وجدت أن ما نفعله كأنه (تحصيل حاصل)، شعرت و كأنه محاولة لإرضاء الضمير، و أحيانا لإرضاء الأنا.. كنا نعرف جيدا أن التوثيق و النشر مآله إلى لا شيء في هذا العالم المنافق.. كل هذا كالنقش على الماء، كحملان ضئيلة يأكلها غول القضاء الظالم.. معلومة هنا و صورة من هنا و ملف (إكسيل)...، و هكذا اكتمل ملف المعتقلات..ثم ماذا؟ أهذا كل ما استطعت تقديمه؟ كان مجهدا و متعبا و مع هذا تتساءل ذاتي قبل أن تجلدني كل يوم: أي نتيجة أو تغيير حدث بعد أن جمعتوا هذه الأوراق؟ لا شيء..هل أنت راض يا ضميري الآن؟ لا... ثم بعدُ، أتسمون هذا انسحابا؟ لقد اخترتها بإرادتي و أنا أعلم الكثيرعن هذا العمل المليء بالأسى، و لم أكن أعلم أن الإحباط سيقودني إلى كل هذا الحزن و تلك النهاية. لم تكن مجرد أسماء و معلومات و أرقام تتراص أفقيا و رأسيا لتكون ملفا، لكنها كانت صورا انفخ فيها فأشاهدها تتحرك أمام عيني و أنا اكتب عنها جملة أو اعرف عنها معلومة جديدة. تقول المعلومة إن هناك فتاة عمرها 18 عاما احتجزت..ابدأ في رؤيتها و محادثتها من وراء عقلي الباطن فأجدها بين أربعة جدران وسط نساء اقترفن آثاما ربما لا تعرف عنها شيئا، لا يضايقها احتجازها بقدر ما يؤلمها مساواتها بمذنبة تتندر عليها و قاتلة تضايقها لتتخذها سخريا تتسلى بها مع بقية نساء العنبر أو الحجز كل ليلة..أشعر بقوتها و ضعفها و هي تحاول أن تدفعهم عن جسدها حين يعتدين عليها بسبب مشاحنة نسوية عادية. و مرات اخرى، أشعر برغبتها في إصلاح سلوكهن بالحسنى حينا و بالزجر حينا. أدرك كيف منعوا عنهن الملابس الثقيلة والأغطية في برد الشتاء لإذلالهن بينما أتدثر في حجرتي بالأغطية. أزيحها عني، فلا أتحمل هذا البرد و أعود لها معتذرة لصديقتي في ملف المعتقلات لأنني لم أتحمل كل هذا البرد في حجرتي و أنا حرة. اتأمل في ملف معتقلة أخرى، فأجدها تمثلت أمامي روحا معذبة تعاني فراق ابنائها و قلقها عليهم كل ساعة من ساعات احتجازها لشهور. كانت تحلم بالخروج لأجلهم فقط، كل ساعة..و الساعات تتكاثر و لم يعد لها حسبان و ليس هناك مخرج لإخلاء سبيلها حتى يأتي يوم تظنه الفرج، فتأخذ حكمها القضائي بسنوات طوال، و حينها يتحول ملفها من معتقلة إلى سجينة لتقضي حكمها ساعة بساعة و لا تزال تنتظر حلا لا أعلمه و لا أملك أن أساعدها بشيء آخر، إلا أن انكمش أكثر في حجرتي و أنا أراها تتعذب مع بقية المعتقلات في الملف..تخيلت حيوات الشهيدات منذ الثالث من يوليو و كيف انتهت بطلقة غدر من قالت لا يبالي كروح أزهقها برصاصه...حينها شعرت بالانكسار و كأن خنجرا يقتلني معهن..قصاصات هنا و هناك كانت عذابا لي و أدعوكم لتشاركوهم حزنهم و عذابهم بعد مماتي. هذا أقل ما نستطيع نحن العاجزون عن المساعدة..أيقنت أن كل كل هذا الجهد يتساقط أمام كلمة قاض قرر حبس فتيات لسنوات و نائب تغافل عن انتهاكات بحقهن...
ملف المعتقلات: لم انسحب كما قالوا، بل كانت أنات المظلومين و المعتقلين تناديني، و كنت أحاول أن أفعل لهم شيئا، فاخترت أضعفهم، الفتيات المعتقلات المنسيات، عملت على ملفهن. فتحت لزملاء جدد و قدامى طريقا إلى العمل الجاد لنساعدهم..ثم تركتهم بعد فترة، لماذا انسحبت؟ لأنني وجدت أن ما نفعله كأنه (تحصيل حاصل)، شعرت و كأنه محاولة لإرضاء الضمير، و أحيانا لإرضاء الأنا.. كنا نعرف جيدا أن التوثيق و النشر مآله إلى لا شيء في هذا العالم المنافق.. كل هذا كالنقش على الماء، كحملان ضئيلة يأكلها غول القضاء الظالم.. معلومة هنا و صورة من هنا و ملف (إكسيل)...، و هكذا اكتمل ملف المعتقلات..ثم ماذا؟ أهذا كل ما استطعت تقديمه؟ كان مجهدا و متعبا و مع هذا تتساءل ذاتي قبل أن تجلدني كل يوم: أي نتيجة أو تغيير حدث بعد أن جمعتوا هذه الأوراق؟ لا شيء..هل أنت راض يا ضميري الآن؟ لا... ثم بعدُ، أتسمون هذا انسحابا؟ لقد اخترتها بإرادتي و أنا أعلم الكثيرعن هذا العمل المليء بالأسى، و لم أكن أعلم أن الإحباط سيقودني إلى كل هذا الحزن و تلك النهاية. لم تكن مجرد أسماء و معلومات و أرقام تتراص أفقيا و رأسيا لتكون ملفا، لكنها كانت صورا انفخ فيها فأشاهدها تتحرك أمام عيني و أنا اكتب عنها جملة أو اعرف عنها معلومة جديدة. تقول المعلومة إن هناك فتاة عمرها 18 عاما احتجزت..ابدأ في رؤيتها و محادثتها من وراء عقلي الباطن فأجدها بين أربعة جدران وسط نساء اقترفن آثاما ربما لا تعرف عنها شيئا، لا يضايقها احتجازها بقدر ما يؤلمها مساواتها بمذنبة تتندر عليها و قاتلة تضايقها لتتخذها سخريا تتسلى بها مع بقية نساء العنبر أو الحجز كل ليلة..أشعر بقوتها و ضعفها و هي تحاول أن تدفعهم عن جسدها حين يعتدين عليها بسبب مشاحنة نسوية عادية. و مرات اخرى، أشعر برغبتها في إصلاح سلوكهن بالحسنى حينا و بالزجر حينا. أدرك كيف منعوا عنهن الملابس الثقيلة والأغطية في برد الشتاء لإذلالهن بينما أتدثر في حجرتي بالأغطية. أزيحها عني، فلا أتحمل هذا البرد و أعود لها معتذرة لصديقتي في ملف المعتقلات لأنني لم أتحمل كل هذا البرد في حجرتي و أنا حرة. اتأمل في ملف معتقلة أخرى، فأجدها تمثلت أمامي روحا معذبة تعاني فراق ابنائها و قلقها عليهم كل ساعة من ساعات احتجازها لشهور. كانت تحلم بالخروج لأجلهم فقط، كل ساعة..و الساعات تتكاثر و لم يعد لها حسبان و ليس هناك مخرج لإخلاء سبيلها حتى يأتي يوم تظنه الفرج، فتأخذ حكمها القضائي بسنوات طوال، و حينها يتحول ملفها من معتقلة إلى سجينة لتقضي حكمها ساعة بساعة و لا تزال تنتظر حلا لا أعلمه و لا أملك أن أساعدها بشيء آخر، إلا أن انكمش أكثر في حجرتي و أنا أراها تتعذب مع بقية المعتقلات في الملف..تخيلت حيوات الشهيدات منذ الثالث من يوليو و كيف انتهت بطلقة غدر من قالت لا يبالي كروح أزهقها برصاصه...حينها شعرت بالانكسار و كأن خنجرا يقتلني معهن..قصاصات هنا و هناك كانت عذابا لي و أدعوكم لتشاركوهم حزنهم و عذابهم بعد مماتي. هذا أقل ما نستطيع نحن العاجزون عن المساعدة..أيقنت أن كل كل هذا الجهد يتساقط أمام كلمة قاض قرر حبس فتيات لسنوات و نائب تغافل عن انتهاكات بحقهن...
لكن سقوطها من علٍ لم يأت إلا بعد وعود بتحقيق العدالة للمعتقلات و غيرهن عبر محاكمات دولية و حلول غير عادية..حيث لا أحد في هذا العالم الكبير يهتم بنسوة محتجزات في حجرة باردة مظلمة في دولة اسمها مصر. وما أسقط (زينب) أنها رأت بعضهم يرى حبسهن وقودا يجب ألا ينطفيء لشد انتباه المجتمع المصري و الدولي لما يحدث في مصر..نفعت مرة مع بعض المعتقلات، و آفة حارتنا النسيان مع بقية المعتقلات..لا أحد سيبكي عليهن مثلما بكت و لا أحد سيتقدم بخطوة جادة لأخذ حقوقهن من هذا العالم أو المجتمع الدولي. اعتقدت أن هذه الأبواب التي تطرقها مع رفاقها لن تفتح لهم لينقذوا الفتيات أو أي معتقل في سجون مصر ظلما، و إن استمروا في الطرق لسنوات و إن ارتفع صوتهم لأعلى الدرجات..إنهم يرضون ضميرهم الداخلي..لهذا قررتْ التوقف عن هذا الصراخ و الطرقبدون فائدة. اكتفت بما قدمت في هذا الطريق، و سلكت طريقا آخر ظنته الأوقع. و تركت هذه القصاصات جانبا.لم تفكر (زينب) في ردة فعل أحد تجاه انتحارها..فالكثير أنكرعليها و لو صمتا هذا الإثم..و معظم بنات الإخوان لم يرثينها بكلمة رغم أنها عملت ما بوسعها في متابعة ملفهن. هل كنّ يستحققن جهدها أو رحيلها؟ إنها لم تكن تعمل لهن، بل عملت لأجل ضميرها و هذا مكسب لا يقدره بشر. لم تدرك أن للإنسان الحق في مساعدة غيره لكن ليس للحد الذي يقتل نفسه كمدا و غيره لا يبالي به. و إلا لتحولنا إلى سيزيف جديد.
(زينب): أي درجات من الألم النفسي شعرت به، و أي بارقة أمل لاحت لك في فكرة الموت؛ لتتخلصي من كل هذه الآلام؟ أي ذنب يستحق هذا الانتحار؟ هل أردت أن تكملي حلقة الظلم حول نفسك، فنحرت روحك المعذبة؟ أهكذا تتخلصين من الظلم بظلم آخر (الانتحار)؟ هل روحك (الأمانة التي استودعها إياها ربك) تستحق هذا؟ أنت تعلمين أنك لا تملكين روحك التي وهبها ربك لك...ها أنذا اقترب من المحظور الذي حددته لنفسي في هذه الكتابة.. ربما تجيبني (زينب) و تقول: أعلم، لكنني رغبت في أن أشعرهم بألمي.. لهذا جلعت روحي رسالة لهم؛ ليفيقوا من نفاقهم.. و هل أفاقوا الآن بعد انتحارك؟ أمن أجل رسالة (قد لا تصل) لآذان أغلقت و قلوب قست تقتلين نفسك و تغضبين ربك؟ هل سأضايقك لو قلت لك: إن الرسالة وصلت لكن القليل تغير؟ لقد ركزوا في ماهية حساب الله لك على انتحارك من حيث أنت كافرة أم مسلمة؟ و على أفضل حال ركزوا في أنك مسلمة لكنك مخلدة في جهنم و لهذا لن يحضروا جنازتك..ربما يكون رأيهم صحيحا..لكنهم لم يتطرقوا أبدا لدورهم في هذه المنظومة الظالمة..و لم يتغير محرض أو صامت على الظلم بموتك..مسكينة...
كانوا جميعا و كنت واحدا..و لهذا لم يعد لي جدوى من البقاء في هذا العالم، فليكملوه جميعا بطريقتهم و نفاقهم. لم يعد لحياتي أي هدف لأحيا.
كانوا جميعا و كنت واحدا..و لهذا لم يعد لي جدوى من البقاء في هذا العالم، فليكملوه جميعا بطريقتهم و نفاقهم. لم يعد لحياتي أي هدف لأحيا.
(زينب): إن وحدتك كانت بداية الطريق لوفاتك..قتل الله كل من قادك، و أرغمك عليها.
عزيزتي...لن أضعك في صف القديسين، لمجرد أنهم ظلموك و قادوك إلى الموت البطيء و العزلة ثم الانتحار. لن أمجد فعلتك (الانتحار)..لن أقول أنك شجاعة بهذا اليأس.. لن اتمادى في الدفاع عنك لكنني قلت أن خطأك لن اذكره كثيرا أو على الأقل لن أبرره..خطأك هو ضعفك و يأسك..و هذا أمر يحاسبك عليه الله. إنك كغيرك من الفتيات في عمر الزهور تبحثين عن حياة كريمة بكل عزة نفس..تساعدين غيرك و تأثيرن على نفسك رغم أحوالك المتعثرة. أتكون لحظة الضعف و التفكير بالانتحار هي لحظة مارقة في عمرك جاءت بلا مقدمات؟ فالكثير يمر بما تمرين به...لكنهم لم ينتحروا (فعليا)..بعضهم انتحر بأن انطوى و نسى طموحاته، و بعضهم جارى الواقع الزائف مبدلا قناعاته...و كثير منهم ينتظر مآله غير راغب في الموت و خائف منه و من الإقدام عليه..لا يملك القدرة على الاقتراب من الانتحار و في اللحظة نفسها لا يملك القدرة على أي تغيير في حياته البائسة.. أكل هؤلاء أقوى منك أيتها اليائسة الضعيفة؟ ألم يكن الأفضل لك أن تستمري في هذا الحياة المريرة حتى يحين الوقت لتتغير بعد عام أو عشر أولا تتغير على الإطلاق؟ هل فقدت إيمانك بالبعث و الحياة الأخرى عوضا عن أحزان الحياة الدنيا؟ أكان يجب عليك أن تحاولي مرة بعد أخرى وسط هذا العفن السياسي و الظلم السياسي بدون أية أسلحة تمتلكينها؟ ألم يكن هناك أمل في تغيير قادم؟ أليست هذه سنة الحياة المتبدلة؟ أليست هذه ابتلاءات و امتحانات يمر بها جميعنا؟ أعلم أنك تساءلت هكذا لشهور و لم تجدي الإجابات، بل وجدتي الإنكار و التكفير أحيانا لمجرد أنك أخذت في التفكير..
(زينب): هل تذكرين الأطفال الافتراضيين الذين كنت تلعبين لهم بعرائسك البسيطة الجميلة لتحكي لهم قصتك مع السمنة؟ هل كنت تمرحين مع (زينب) الطفلة أياما قبل الممات؟ أريد أن أقول: إنهم يشتاقون إليك الآن يا (زينب).
كذلك، الجثث التي بكتها (زينب) في (رابعة) شاهدة على نقائها. شاهدة على نقاء ضميرها الذي ينتمي للانسانية دون أية إملاءات أو تحزبات. و هذا هو التناقض الذي شكل حياة (زينب) بين فتاة تريد أن تفعل شيئا دون قيود أو أطماع و بين ساسة يريدون كل شيء أيا كانت الوسيلة. كنت تشاهدين الدبابات تسير نحو الاف من البشر في الميادين لتقتلهم فصرخت..لا لم نخرج لأجل القتل..لم نخرج لأجل الظلم...صدمك ساعتها أن الكثير من أصدقائك الجدد خرجوا لأجل هذا و كانوا يعرفون جيدا ما سيحدث..أصدقاؤك الجدد، كثير منهم، صمتوا على المذبحة..و لم تعودي صديقة لهم لأنك كنت أنقى من هذه الفعلة الدنيئة. كنت حينها قوية، كنت أقوى من الموت فخرجتي تواجهينه في ميدان (رابعة) حين اقترب موعد الفض..تنتظرينه يوما و يوما و يوما، ثم تجلسين و سط الجثث التي سبقتك إلى الحياة الأخرى تبكين وحدك يوم المجزرة. (رابعة) كانت صدمة جديدة لك، أيتها الصغيرة و لغيرك من الملايين، في مصر، وفي كل مكان...(رابعة) كانت مظلمة جديدة لك... (رابعة) فوقتك يا (زينب) و رجعتي تكتبي عن ظلم العسكر ثاني..زي ما كتبتي أيام (محمد محمود)..مش مهم عندك مين المظلوم المهم عندك تقفي معاه و تقولي للظالم كفاية انت مش هترتاح الا لما تخربها و تموتنا كلنا. قلتيها يا (زينب) و غيرك قالها فكانت نهايته قبلك (برصاصة) و لسه هتكون نهايات كثير بعدك (برصاصات) الغدر. طول ما الاصدقاء القدامى و الجدد ضد بعض و ساكتين على الظلم لمجرد انه مش طايلهم. و هيموت كثير غيرك بالانتحار كل يوم من اللي شافوه في الدنيا.
إن انتحار(زينب) لهو مثال من انتحارات أخرى لم نكتب عنها: هناك مليون حالة انتحار سنويا...لكني اكتب عن عوامل انتحار كان يجب أن تتغير قبل انتحار (زينب) و غيرها من المصريين و أمثالهم من المعذبين المظلومين الظالمين لأنفسهم لأمنع هذا الانتحار. لم تكن (زينب) وحدها هي المقصودة في كل هذه القصاصات..هناك المنتحرون في صمت، و المنتحرون في تكتم..هؤلاء رغبوا في الموت بدون ضجة و ربما لم يكن يشغلهم ما سيحدث موتهم من تغييرات أو تأثيرات على المحيطين..هؤلاء أرادوا الموت دون رسائل، فجأة دون ضجيج....لكن هناك من ينتحر تاركا رسالة مكتوبة أو جاعلا وفاته رسالة للمحيطين..وعلى الرغم من هذا لم يلق أية احترام أو ذكر لسبب وفاته و قيدت حادثة انتحاره (وفاة طبيعية) لأسباب اجتماعية..إن فعلة المنتحر البائس الذي لم يعد إلا ذكرا، صارت سبة في جبين العائلة يجب التخلص من ذكرها و من سيرته، رغم أنه أراد فقط أن يتخلص من حياته بسبب ضائقة أو ظلم تعرض له..إنه إجهاز على رغبة المنتحر الأخيرة في ذكر سبب انتحاره و نشر رسالته بالتكتم عليها بجملة (وفاة طبيعية). للمنتحر حق علينا فلا تضيعوه مرتين، كما ضاع مرة في حياته...
للمنتحر حقوق علينا، فهو ميتنا الضعيف الذي رحل..من الجانب الديني ربما يستحق ذكر محاسنه و الدعاء له و التصدق عليه..و من الجانب العقلي الأخلاقي، يجب أن يعترف كل من أذنب في حقه و قاده إلى طريق الموت بذنبه..لا تجلدوا أنفسكم، لكن اعترفوا فيما بينكم بالخطأ و صوبوه في العلن..لا تكابروا. ولا تجعلوا ميتكم نسيا منسيا. فقط تغيروا للأفضل.
هناك من ينتحر لأنه غير محصن عقليا لتحمل المصائب. و هناك من ينتحر لأنه عقليا تحمل الكثير من المصائب. (زينب) كانت من النوع الثاني للأسف. و التعامل معه أصعب. النوع الأول يحتاج إلى التوعية و بناء العقول جيدا حيث ينتشر بين المراهقين و ضيقي الأفق. النوع الثاني يحتاج إلى القوة الذاتية والصحبة القوية المساندة له.. سأقول له باختصار: كن قويا..كن واقعيا..كن صبورا و مثابرا..غير أحلامك أو طوعها..كن مؤمنا..إن الصبر له ثواب حتى لو تأخر أو لم يتحقق الحلم..لكن الانتحار إثم و بالانتحار لن يتحقق الحلم.
لماذا لا يقوم المنتحر بنحر من ظلمه و فضحه بدلا من الانطواء و البكاء ثم الانتحار؟ لماذا؟ فليكن رد فعلك مغايرا لما يتكرر، فالانتحار ليس (موضة) نقلدها..إنه غباء، ضعف، فشل، إثم...هذه هي الحقيقة، فكن قويا.المظلومون الفقراء لا يملكون إلا نحر أنفسهم؟ كانت هذه الآفة تنتشر في مطلع العام 2011 بعد حرق بوعزيزي المسكين نفسه. لا تكرروها. ألهذا الحد استطاع بعض صغار الظالمين التحكم في الفقراء العاملين و في قوتهم للحد الذي يجعلهم ينتحرون؟ إنهم ليسوا بأحسن منهم حالا و ربما يقاسون نفس الظلم الاجتماعي و الاقتصادي.. فلماذا يطغى الناس بعضهم على بعض على الرغم أنهم أنفسهم يعانون نفس الظلم؟ لماذا يوجهون ظلمهم لغيرهم؟ و لماذا يلجأ المطحونون ممن هم في أقل درجات السلم الاقتصادي و الاجتماعي (المهمشون) إلى الانتحار بعد فشل كل محاولات حياة الكفاف؟ لماذا لا يثورون؟ لماذا لا ينحرون الظالم الأكبر؟
رسالة إلى كل منتحر: لماذا تكتب للظالم الأكبر رسالة تحمله مسؤولية ظلمكه بظلمه ثم تنتحر؟ هل تشكره على الظلم أيها الأحمق؟!
و كلمة إلى كل ظالم: (إن العدل واجب لكل أحد على كل أحد في كل حال. و الظلم محرم مطلقا لا يباح بحال. ابن تيميه).
رسالة إلى كل منتحر: لماذا تكتب للظالم الأكبر رسالة تحمله مسؤولية ظلمكه بظلمه ثم تنتحر؟ هل تشكره على الظلم أيها الأحمق؟!
و كلمة إلى كل ظالم: (إن العدل واجب لكل أحد على كل أحد في كل حال. و الظلم محرم مطلقا لا يباح بحال. ابن تيميه).
لو كتبت لك حياة أخرى جديدة: ماذا كنت ستفعلين و ماذا كان علينا أن نفعل؟ لقد تقطعت بك السبل لأي عمل إلا ما قدمت من عمل بين يديك يسبقك في آخرتك، خيرا كان أم شرا..أما نحن فما زال أمامنا الطريق؛ لنمحو الشر الذي اقترفته أيدينا و لنكتسب خيرات جديدة استعدادا لهذا اليوم. فمن يتعظ؟
ما لم تكتبه (زينب)..رسالة لنا: كان هناك أمل تجسد لي في (جماعة)، ثم تجسد لي في (شخص)، و في( ثورة)..و مع كل صدمة عرفت أنه لا أمل بانخداعي في كل هؤلاء.. ربما أنا التي وضعتهم في درجات أعلى مما يستحقون، أنا المخطئة إذن؟ حتى ثورتنا كانت انتفاضة على الورق، بلون أحمر كدم الشهداء. نهتف و نشارك في كل فاعلية بدون تغيير..بينما أرض الواقع تتغير بأيادي أقوى منا و من دم الشهداء. تتغير بلعبة قوية اسمها (السياسة)لا نحسنها...حاولنا أن نحمي أصواتنا الانتخابية فداسوها و داسوا أصدقائي معها بالدبابات..نحن جيل لا يقوى إلا على التضحية و الموت في سبيل أوطاننا. و هذا كل ما نملك..لا نملك أي قدرة على جيش يقتل و لا ساسة يتبادلون الأدوار و لا على قضاء يلهو بأعمار البشر.
(زينب): لو كتب لي حياة أخرى، لم أكن لأسير وراء أي خديعة أو أمل كاذب يحطمني، على أفضل الأحوال، ربما كنت سانزوي حتى أموت فتكون هذه وسيلة أسهل للانسحاب. لا أعلم، اكتبوا أنتم لي حياة جديدة في ذاتكم..عيشوا ما تبقى لي من العمر و افعلوا ما لم استطع فعله. اصنعوا عالما من العمل التطوعي الجاد دون مطمع من ورائه، عالم من العمل النبيل دون حسابات أو تحزبات. اصنعوا تغييرا لأجل المهمشين من الشباب دون أن تمسوا كرامتهم بعيدا عن عالم السياسة. افعلوا ما شئتم مما لم أحققه في حياتي، لكن اذكروني بخير.
علموا أنفسكم و اقرءوا و إن شططتم في التساءولات فكونوا أقوياء في الرد على كل متشكك و كل متسائل و لا تتهربوا و تنعتوه بالكفر. فليس كل من سأل مُنْكِر، و ليس كل من سكت مُصَدِّق. و الأقوى هو صاحب الحجة بالعقل التي تقنع غيره. لا تتعجلوا رجم غيركم فلا تعلمون ماذا يخبإ لكم القدر غدا.
ما لم تكتبه (زينب)..رسالة لنا: كان هناك أمل تجسد لي في (جماعة)، ثم تجسد لي في (شخص)، و في( ثورة)..و مع كل صدمة عرفت أنه لا أمل بانخداعي في كل هؤلاء.. ربما أنا التي وضعتهم في درجات أعلى مما يستحقون، أنا المخطئة إذن؟ حتى ثورتنا كانت انتفاضة على الورق، بلون أحمر كدم الشهداء. نهتف و نشارك في كل فاعلية بدون تغيير..بينما أرض الواقع تتغير بأيادي أقوى منا و من دم الشهداء. تتغير بلعبة قوية اسمها (السياسة)لا نحسنها...حاولنا أن نحمي أصواتنا الانتخابية فداسوها و داسوا أصدقائي معها بالدبابات..نحن جيل لا يقوى إلا على التضحية و الموت في سبيل أوطاننا. و هذا كل ما نملك..لا نملك أي قدرة على جيش يقتل و لا ساسة يتبادلون الأدوار و لا على قضاء يلهو بأعمار البشر.
(زينب): لو كتب لي حياة أخرى، لم أكن لأسير وراء أي خديعة أو أمل كاذب يحطمني، على أفضل الأحوال، ربما كنت سانزوي حتى أموت فتكون هذه وسيلة أسهل للانسحاب. لا أعلم، اكتبوا أنتم لي حياة جديدة في ذاتكم..عيشوا ما تبقى لي من العمر و افعلوا ما لم استطع فعله. اصنعوا عالما من العمل التطوعي الجاد دون مطمع من ورائه، عالم من العمل النبيل دون حسابات أو تحزبات. اصنعوا تغييرا لأجل المهمشين من الشباب دون أن تمسوا كرامتهم بعيدا عن عالم السياسة. افعلوا ما شئتم مما لم أحققه في حياتي، لكن اذكروني بخير.
علموا أنفسكم و اقرءوا و إن شططتم في التساءولات فكونوا أقوياء في الرد على كل متشكك و كل متسائل و لا تتهربوا و تنعتوه بالكفر. فليس كل من سأل مُنْكِر، و ليس كل من سكت مُصَدِّق. و الأقوى هو صاحب الحجة بالعقل التي تقنع غيره. لا تتعجلوا رجم غيركم فلا تعلمون ماذا يخبإ لكم القدر غدا.
تمت.
مصر- 27 ديسمبر 2014