Translate

Saturday, July 10, 2010

و أخيرا سربنيتشا زهرة لم تتفتح


في أحد المقالات القديمة بمجلة (العربي) شاهدت الفتاة صورة لمفتي البوسنة و زوجه فتساءلت: هل هناك إسلام في أوروبه؟  ثم شاهدت كغيرها من ملايين العرب ما كان يحدث في البوسنة و الهرسك في التسعينيات. و تتبدل خلفية كراساتها  من نصائح و صور ملونة إلى صور الحياة المريرة في البوسنة ( طفلة تبكي، زهرة تقول لك ساعد أخواتك من نساء البوسنة، نداء: انقذ مسلما). بينما تنتشر مطويات تحمل مشاريع إغاثية مثل البيت و الحطب الذي سيحميهم في الشتاء. هذا النداء خاصة يجعلها تلفظ الغطاء الوثير في الشتاء خجلا من أن تنعم في الدفء بينما يتألم أخوة لها على بعد. أقسمت في ليلة أن تفعل شيئا، و يبدو أنها لم تبر هذا القسم الطفولي. لهذا ستشاركهم بأضعف الإيمان على قدر استطاعتها.

تضجر جدتها من تكرار الأحداث في نشرة التليفزيون المصري التي لا تقدم إلا أخبار البلد التي اسمها ( تنطق أبجدية البوسنة و الهرسك بارتباك و صعوبة).  جدتها تتابع البرامج الدينية، فتتساءل الفتاة هل لا تشعر بهم جدتي حقا؟ أم لأنهم بعيدون عنا فلا تهتم بهم كثيرا؟ ما الذي يجعلها تتوحد مع أخبارهم لعام تلو الآخر. تمر السنوات فتتكشف لها الحقائق.  يسخر مدرس اللغة العربية و التربية الدينية من الرجال العرب الذين يعفون نساء البوسنة المغتصبات الشقراوات. ترد الطالبات: (لكنهن مظلومات يا أستاذ).. تتساءل لماذا يأخذ البعض ممن نتوسم فيهم المعرفة هذا المنحى السطحي في التعامل مع القضايا المهمة؟ إنهم يشكلون عقلية أجيال من الطلائع و المراهقين من مجرد كلمة أو حوار سلبي.

يعرض التليفزيون المصري إحدى الليالي المحمدية و يواكب الحدث. تظل في ذاكرتها كلمة ساخرة للفنانة أمينة رزق تقول: السيد رادوفان كرادجيتش الطيب. ربما شاركها سعد أردش. لقد سخر الفنانون من ازدواجية المعايير و المبررات التي تساق عالميا لتسويق المجازر على أنها صراع داخلي أو أي شيء آخر. لكن العالم وقف بعد خراب مالطه حيث خاف المارد العالمي من القزم الصربي أن يقف على كتفه فيكون أطول منه!. و هنا فقط تدخل الناتو و جاء اتفاق دايتون كالدواء المر. و مازالت تتعجب من حنكة بيل كلينتون و انقلاب أمريكا و توحد الناتو ضد مجرمي الحرب. ثم مرت السنوات و كان شرط دخول صربيا للاتحاد الأوروبي إنهاء قضايا التطهير العرقي و محاكمة المجرمين. هل هم طيبون حقا أم أن هناك مصالح و حسابات أخرى؟
يمر خبر استخفاف  كرادجتش بالمحكمة: (ذكرت صحيفة تايمز أن رادوفان كراديتش أظهر مجددا ازدراءه للمحكمة التي تنظر في تهم موجهة ضده بأن رفض المثول أمامها أمس. الجلسة الثانية والغياب الثاني لزعيم صرب البوسنة السابق رادوفان كرادجيتش أمام محكمة الجزاء الدولية في لاهاي. مقاطعة كرادجيتش للمحاكمة هذه المرة، لم تمنع القضاة من مواصلة المحاكمة التي بدأت بعرض لائحة الإتهامات الموجهة لزعيم صرب البوسنة السابق). فكتبت في شتاء 2009 هذه السخرية السوداء: السيد رادوفان  كرادجيتش الطيب...السيد الطيب جدا.. و قرارات مجلس الأمن الآمن جدا...الآن فى محكمة العدل...العادل جدا...و بعد سنوات طويلة طويلة جدا...الآن تبدأ المحاكمة...الآن حصحص الحق...و أخيرا سربنيتشيا...هل سيلطف سجنه نار المذبحة؟ إنه يفعل ما فعله مثيله ميلوسوفيتش! فعلى مدى عام و نصف يعد عدته من المماطلة و التكبر. فمن تخفي لسنوات كطبيب للطب البديل و  من أمن العقوبة من أي محكمة أو قرار لمجلس الأمن، له الحق أن يضيع الوقت لسنوات أخرى حتى يموت. فربما يموت أيضا مثل سابقيه في السجن أو قبل المحاكمة، وهذا أقصى ما يتمنى. إنه لأمر عجيب أن يقضي الإنسان حياته لغرض واحد قائلا: في خلال أيام ستختفي سراييفو و نقتل نصف مليون مسلم و نمحوهم من على وجه البوسنة. ثم يقضي حياته بين القتل في سراييفو ثم في الهروب و التخفي ثم في انتظار الموت! و الأعجب أن يعمل آلة القتل و المجازر و لا يفكر للحظة أنه سيأتي عليه يوم يلقى جزاءاه. أي غباء هذا؟ أم تراه غرورا؟ سيذكر التاريخ الجنرال بينوشيه (الديكتاتور التشيلي) و ميلوسوفيتش (المجرم الصربي) بالقتلة الذين ماتوا قبيل انتهاء المحاكمة. لكن محكمة الآخرة أصعب و لا مفر منها، كما أنها لا تؤجل أو تقدم لساعة. إن الساعة التي تمر على المظلوم أو الموتور طويلة جدا، فما بالك بالسنوات في انتظار الحق و القصاص؟ و ربما يحسبها السيد كراجيتش بطريقته المقززة وفق عقليته و قامته القميئة جدا. فليماطل و يتلاعب كما يريد. فلا الإعدام وارد، و لا الحياد موجود. عفوا، إنه خبر ممل و قديم، لكنه يتكرر كل حين. (قبضوا على السفاح و سوف يحاكم.)


و تمر السنوات لتقذف خبرا كل فترة: (لقد اكتشفوا قبرا جماعيا جديدا كما ترى في الصورة جثة لرجل غميت عيناه و قيدت يداه من خلاف ثم قتل!). ثم تشاهد مع والدتها جلسات التحقيق العلنية على إحدى الفضائيات. تتألم الأم و تنفر من هذا القاتل. تتساءل أليسوا روحا مثلنا؟ ألم يوجد من يقف بجانبهم؟ تتذكر الابنة أنه حينها سادت قصة وا معتصماه التي تتردد كلما ارتكبت مجازر ضد الأقليات المسلمة في الغرب و خاصة النساء. و كالعادة يتم الاتهام الضمني لشيوخ و ملوك العرب المسلمين: أين هم من المعتصم؟ تتذكر الزعيم الصامد علي عزت بيجوفيتش المخلص و تترحم عليه. تتألم إذ كيف كان كارازيتش طبيبا نفسيا، و لم يتهذب خلقه!
تزداد معرفة و تعود و تفكر إن ما حدث سيحدث في أي وقت فالمشكلة ليست مشكلة يوغسلافيا الحليف الشيوعي القديم الذي تفكك في بداية التسعينات. المشكلة في حقد الناس على الإسلام. ربما هنا كانت نظرية المؤامرة في أصدق صورها. لماذا إذن لم تدافع القوات الهولندية عن سربرنيتشيا  و لو بطلقة رصاص واحدة؟ لماذا تركت 8000 مسلم يقتلون في عدة أيام من يوليه 1995و في منطقة آمنة حسبما صنفتها الأمم المتحدة؟ خرج بعض المسلمين على مستوى العالم لنجدة الملهوف المسلم في البوسنة، لكن بعض الدول الإسلامية و المسؤلين الكبار سكتوا، حتى تحرك الناتو.


تأتي قصة مسلمي البوسنة المستضعفين حيث تعلم الأم ابنتها فقط أن تقول لا إله إلا الله قبل النوم حتى تبعث مسلمة. هكذا جاء في إسهاب مفيد للدكتور سليم العوا عن قصة واقعية لسيدات مسلمات من يوغسلافيا قابلهن في حياته. ألهذا الحد يكاد الإسلام يفرق منهم في أوروبه؟

من الذي أخفق في إرسال البعثات الدينية ليتعلموا دينهم؟
لا... لقد تذكرت أن صورة الإسلام في المجلة القديمة و التاريخ يقران أنه كان هناك إسلام.
فهل الاضهاد لعقود أضعفهم  و جعلهم كالشاة الضعيفة أمام الوحوش الكاسرة في أوروبه؟
تضيف تساؤلا آخر: هل الصرب لم يحاربوا فقط المسلمين بل حاولوا أن يبيدوا الكروات أيضا لضغائن عرقية قديمة؟ يبدو أن هناك حلقة مفقودة.
ثم يطرح البروفيسور طارق رمضان في برنامج (الإسلام  و الحياة) مثل هذه الأسئلة السابقة على الشيخ و الباحث البوسني ( حازم فاضل ) في ضوء حالة الإسلام في البوسنة. الموضوع اتضح لديها أكثر. يتساءل الضيف الكريم: إن قتل 8000 خروفا سيأخذ وقتا للتمكن منهم، فكيف تم هذا مع البشر في هذا الوقت القصير؟.



تتساءل كيف يمكن لإنسان أن يتحمل توهج كل هذه الصور في عقله كالوميض المتدفق من عقله أمام عينيه؟ . تتذكر، و تتألم، لكنها تفكر، و تكتب لكم هذه الصور في عجالة. فاليوم تمر الذكرى الخامسة عشر لمذبحة سربينتشيا.
سيسير 5000 شخص لثلاثة أيام على أقدامهم حتى يكملوا مسيرة على شرف 8000 ضحية قتلوا و لم يستطيعوا استكمال الطريق هاربين من آلة القتل الصربي عام 1995. سيودعوا بأطول مسيرة في أوروبه ذويهم قبل أن يدفنوهم. لا يكاد عقلها يستوعب أن هناك أكثر من 8000  شخص قتلوا لأنهم مسلمون. نعم...ماذا يتبادر في ذهنك عندما تجيب عن هذا السؤال. بأي ذنب قتل كل هؤلاء و بهذه الوحشية. الإسلام؟ الأمر جلل.  كانت قد نوهت في مدونتها عما قبل عن أهل البوسنة المسلمين الذين أنقذوا بعض اليهود. و جمعت مقالة عن جدوى استقلال كوسوفو.

صودف أنني هذه الفتاة و كانت تلك الصور تلاحقني كالكوابيس. لم أرها تحديدا في نومي، فلا تقلق عزيزي القاريء. لكنني أراها كلما تابعت أحداث البوسنة و ملاحقة مجرمي مذبحة سربرنيتشيا.  أرى هذه الكوابيس في يقظتي و لو رأيتها في نومي لهدأت من روعي و عزيتها بأنه كابوس سينتهي فور أن افتح عيني. لكن سربرنيتشيا كانت كابوسا في وضح النهار لا ينتهي. لقد صارت قراءتي و كتابتي بمثابة حفلة تعذيب تبدأ بمتابعة الأخبار ثم اتخلص من هذه الأفكارالمخيفة على الورق أو على المدونة كل يوم. لا أعلم لماذا تأسرني هذه الصور لأيام و تعود لتأخذني معها قسرا قائلة: انظري  و اعرفي. ها هو وجه الأرض يستحيل مذبحة أمام عينيك. هل تتذكرين صورة قديمة نشرت للأم المسلمة المهجرة بعد المجزرة تحنو على ابن ليس لها، لتسأله: هل رأيت ابني؟ و ربما كانت تعلم أن ابنها غالبا قد مات لكنها تتعلق بالسؤال آملة بإجابة.  و تدرك أنها لن تجد له قبرا أو جثة أبدا. بل ستضطر للانتظار لخمسة عشر عاما لكي تجد له قبرا بعد أن يعمل أطباء الطب الشرعي لعام كامل للتعرف على 775 جثة بطريقة الحمض النووي د ن ا . تتنتظر سنوات لتصلي عليه و تدفنه جماعة كما قتل جماعة! عندها ارتعد: كفى، ما بوسعي أن أفعل؟ ما ذنبي؟ لكنني عرفت، هل سيقيمون علي الحجة يوما ما؟ فقد انتهى الأمر منذ سنوات و بالتحديد 15 عاما. انتهى على أي شيء. خيرا كان أم  شرا... لا يفيد الآن. بل يفيد، فمن المحن نتعلم. اعرفي و تعلمي. إنه إحساس بالخلاص من الغرق أشعر به بعد كل مشهد و كأنني أعيش لحظة الرعب ثم أنجو كل مرة...
و أنت أيها القاريء: عفوا إن كانت الصورة سوداء، بماذا تشعر الآن؟ ماذ ستفعل الآن؟

و أخيرا، خبرنا عن ذكرياتك أيام حرب البوسنة و مذبحة سربنيتشيا في تعليقك. 


مدونات أجنبية واكبت الحدث لحظة بلحظة:

Srebrenica Genocide Blog

Srebrenica story

Americans For Bosnia

مدونات عربية تابعت الحدث:

ربما لم تسمع عني يوما
http://srebrenicastory.blogspot.com/

مدونات طبية تابعت الحدث:

صور من المذبحة
http://www.gendercide.org/photo2.html
قائمة بمن سيدفنون يوم 11 يوليه 2010 أي بعد 15 عام من القتل
http://www.scribd.com/doc/34031555/List-of-Srebrenica-Genocide-Victims-Scheduled-for-Burial-on-11-July-2010-15-Anniversary-of-Genocide 

أخبار عن كارازيتش على يورونيوز
http://arabic.euronews.net/2009/10/27/prosecution-opens-case-against-karadzic/ 

 
أخبار على بي بي سي العربية      
http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/world_news/newsid_4608000/4608735.stm
www.GenocideRap.com        
 

( عفوا إن كان هناك خطأ في ترجمة بعض الأسماء أو الأماكن. و من لديه تصويب، فأسأله التعليق مع خالص الشكر)

3 comments:

كلمات من نور said...

سبحان الله يا سونيتي.أنا أيضا فوجئت أن هناك إسلام في هذه البلاد .مع الأسف احنا بعيد عن الإسلام و بعيد عن مناصرة المسلمين في كل مكان ......والله المستعان

Anonymous said...

كنت أبلغ وقتها 12 سنوات وبدأت أقرأ عنها فى جريدة الشعب وأسمع بكاء امى كلما فتحت الجريده ووجدت اسأل والدى عن معنى جريمه أرتكبها الصرب ضد فتيات ونساء المسلمين ووجدت نفسى وقد غرقت فى الخزى عندما شرح لى والدى معناها
وتخيلت نفسى هناك وقد تعرضت محارمى لهذا وانا عاجز عن الدفاع عنهم ... أحساس شديد الوطئه مازلت اتذكر طعم المراره وهو يتكون فى ذهنى مع متابعتى لأخبار الحرب من الجرائد ومن أذاعة مونت كارلو
وبعد ذلك حتى الاخوه الذين توجهوا للدفاع عن المسلمين بعد أن أنتهت الحرب لم ينس لهم الصرب صلابتهم فى الدفاع عن المسلمين وضغطوا من خلال وجودهم فى الرئاسه المشتركه للبوسنه والهرسك لتشتيت هذه العائلات وقد كان أستقر هناك العديد من الاخوه وتزوجوا البوسنيات ممن مروا بظروف صعبه ووفقهم الله فى حياتهم وغالبهم عاش فى قريه لا اتذكر أسمها خصصها لهم رئيس البوسنه الأسبق عزت بجوفيتش اعترافا بفضلهم ولكن فى السنين السابقه وتحت راية " مكافحة الأرهاب" رحل الكثير منهم لبلادهم ليدخلوا المعتقلات ويذوقوا أصناف العذاب
وفى البوسنه والهرسك يضغط الصرب والكروات بكل طاقاتهم لكى لا يأخذ البسنييون حقوقهم مثل ما رأيت سيده فى قناة الجزيره ذبحوا عائلتها وسرقوا أرضها وبنوا عليها كنيسه ولا يتردد على هذه الكنيسه أحد لبعدها عن تجمعات الصرب وليس فيها ألا الكاهن وترفض السلطات أرضاع الأرض للسيده لتزرعها
معذره على الأطاله ولكن مأساه رهيبه وعجزنا فيها ستتذكره الاجيال
احمد مجدى

شمس العصارى said...

لا اذكر تحديدا
قبل الحرب ام مع بدايتها قرأت فى كتاب " المسلمون فى اسيا الصغرى والبلقان " الكتاب كان يعرف بالتواجد الاسلامى وكيف نشأ و اعداد المسلمين
اما عن الذكريات ... فهذا حديث الاسى
واذكر ابرز العناوين وقتها " قتل على الهوية " وبدون سبب
لم اصدق حينما شاهدت تقرير يتحدث ان اهل ابوسنة استطاعوا تنظيم انفسهم عسكريا
وحصلوا على زى عسكرى واسلحة حينها سمعت باسم " على عزت بيجوفيتش " الرجل الاكاديمى على ما اعتقد
كان هذا نواة الجيش البوسنى الذى استطاع لاحقا تحرير بعض المدن و الوقوف فى وجه الصرب
ـــــــــــــــــــ
وانا اقرأ المقال احدث نفسى هل هى تلك الفتاة
الى ان وجدت اجابتك

رحم الله اول رئيس للبوسنة .. رجل اقل ما يوصف به انه كان يقف على ارض اسلامية صلبة

To shoot an Elephant!