Tuesday, June 07, 2011

مجزرة البونسة و تخاذل الغرب 3

Screen capture From BBC documentary: A cry form the grave General Ratko Mladic says: "The time has come to take revenge on the Muslims"

مجزرة البونسة و تخاذل الغرب 1

مجزرة البونسة و تخاذل الغرب 2

مجزرة البونسة و تخاذل الغرب 3

 

الفصل الخامس:
كان التطهير العرقي في البوسنة بقصد إذلال شعب و تدمير ثقافتهم بمثل ما كان بقصد قتلهم. فلم يكن العدوان الصربي على التراث المعماري العثماني و الإسلامي في كل أنحاء البلد ناتجا عن القتال- و كما يقول الجنود دمارا مصاحبا- بل كان هدفا مهما للحرب. فبالنسبة لقيادة صرب البوسنة لم تكن صربنة مناطق في البوسنة، و التي كانت مختلطة قبل الحرب، لتتحقق بمجرد طرد كثير من غير الصرب الذين عاشوا في  القرى. فحتى بعد عامين من القتال، كان من المألوف أن تقابل أناسا في معسكرات اللاجئين يسألون متى ينتهي (كل هذا) و متى يعودون للعيش مثلما كانوا من قبل.
 
الفصل السادس:
و إلا فلماذا تكون المئذنة حطاما؟ لقد تم في آن معا تطهير عقول الصربيين و أجساد المسلمين في (البوسنة).
الغرب لم يساعد (البوسنة). و قد اتهم مواطن غاضب (ساداكو أوجاتا)، رئيستهم بالمفوضية العليا للاجئين في أحد هذه الاستطلاعات بأنها لم تكن راغبة في مساعدة البوسنة لأنها كانت ماسونية و مرتبطة بمكاتب للحركة الماسونية في (صربيا(. و ما كان أكثر شيوعا و خطورة أنه اصبح شيئا عاديا في (سراييفو)، كما قالت لي ذات مساء الناقدة الفنية (نرمينا أن كسوسباهيتش) أن: (أوروبا تكره المسلمين. و ما يفكرون فيه حقيقة هو أن الصرب يقومون بالعمل عنهم).

...عائلات أصحاب المناصب العليا في حكومة (البوسنة) خارج البلاد. و قد أخبرني مقاتل في شرق (موستار) أن (سلازديتش) أرسل عائلته إلى (باكستان)، و الآخرون على نفس المنوال. إن الامر سهل بالنسبة لهم. فهم لا يهتمون إذا استمرت هذه القذارة إلى الأبد).
سألتني سيدة كانت يوما قاضية، في حفل استقبال في صالة للفنون أقامها السفير الفرنسي الوافد حديثا على (سراييفو): ( هل تعرف أسلوب حياتنا قبل ذلك؟ و هل يمكنك تخيله و أنت تنظر إلى حطام ما كنا فيه؟ لقد كنا نعيش أفضل منكم فأنا أعرف الكثير عن (نيويورك) و جرائمها و سكانها الفقراء. لم يكن ذلك لدينا شيء من ذلك في (البوسنة). كنت تستطيع أن تمشي في الشوارع في (سراييفو) إلى أي وقت متأخر تشاء) و هنا امتلأت عيناها بالدموع (تلك الحياة الرائعة، إنني في شوق يائس إلى عودتها، لم أكن نفس الشخص الذي تراه الآن. فلم أكن المرأة التي تراها الآن، الرئة الفقيرة في تلك الملابس الرثة الكريهة التي لم تستطع أن تخفيها كل الروائح عندي. و كما ترى أن الانسانة التي كنتها) ثم ابتسمت و بعد صمت كررت: (بالنسبة لي سأكون دوما نفس الإنسانة التي كنتها قبل ذلك).
راقبت القاضية ذلك بعينها في ثبات ثم قالت: (جميل جدا. لكن كان أمرا في غاية السوء في الوقت ذاته ألا يرسل الفرنسيون جنودا هنا لحمايتنا. لقد كانوا يستطيعون ذلك، كما تعلم، لقد كانت لديهم القدرة طول الوقت. كان الأمر غاية في السهولة بالنسبة لهم. لكنهم بدلا من ذلك تركونا للموت).
 
الفصل السابع:
أيا  كان طول الفترة التي ظلت مسيرة الموت و التطهير العرقي فيها محتدمة و متواصلة في (البوسنة)، و أيا كان تكرار مسؤولي الأمم المتحدة سرا و علانية أن قوات الحماية التابعة للأمم المتحدة متواجدة في (البوسنة) للتدخل فقط (لحماية أنشطة المساعدات الإنسانية خلال الحرب)، كما قالها (ماراك جولدنج) و هو رئيس سابق لإدارة عمليات حفظ السلام التابع للامم المتحدة، فإن البوسنيين العاديين لم يستوعبوا مطلقا أن الأمم المتحدة تعني ذلك حقا.  فقد كان المفروض أن تكون الأمم المتحدة أكثر أخلاقية من أكثر الحكومات استنارة، و مع ذلك فما كان يحدث في (البوسنة) كان سقوطا أخلاقيا صريحا. كان المفروض أن تساند الأمم  المتحدة السلام....
فإذا كان كل ما تنوي أن تقوم به الأمم المتحدة هو إحضار الطعام و الدواء، أفلا يعني ذلك مجرد بقاء الناس أحياء لفترة أطول حتى يتوافر للصرب مزيدا من الفرص لقتلهم؟ ألا يبدو متناقضا أن يخاطر جنود الأمم المتحدة و سائقو قوافل الللجنة العليا للإغاثة بحياتهم و أحيانا يفقدون أرواحهم لجلب الطعام إلى المناطق المعزولة و لكنهم يرفضون بعناد إسكات البنادق التي كانت تسبب هذه الطواريء؟ إن من غير المتصور أن تقنع الأمم المتحد بالاستمرار في هذا الأسلوب بلا حدود.
كان من الصعب تجنب تلك التوقعات في (سراييفو). و بين حين و آخر كانت تصبغ بالنبرة العنصرية الواضحة للأوروبيين الذين يتوقعون معاملة خاصة من التاريخ. قال لي مرة رجل أعمال من (سراييفو) في نبرة أسى: ( لا استطيع أن أفهم لماذا لا تفعلون شيئا من أجلنا. إننا لسنا أفارقة، نحن أوروبيون متحضرون مثلكم تماما!)
لقد دأبوا على السؤال عن السبب، كما كان اليهود يسألون في أعقاب الهولوكوست و كما يسال الضحايا في كل مكان لماذا لم تكفهر السموات؟.
 
ما كان يسمى من قبل في (واشنطون) (بتأثير مقديشيو) وجد طريقه إلى جبال (البوسنة). و قد تفاخر مسؤول من صرب (البوسنة) و قال مرة (إنكم تظنون أن الرأي العام الأمريكي عندما انزعج قتل ثمانية عشر من جنودكم في أفريقيا. انتظروا حتى تبدأ الأكفان في العودة من (البوسنة). إنكم لم تعودوا أمة قوية. إنكم لا تستطيعون أن تواجههوا فكرة موت أطفالكم. أما نحن الصرب فنستطيع مواجهة الموت. فنحن لا نخاف و هذا هو السبب في أننا سنهزمكم إذا حضرتم لمساعدة أولئك الأتراك الذي تهيمون بحبهم).

و لكن في حين أن (عزت بيجوفيتش) أثبت أنه تمادى في تفاؤله عما سيفعله أولا يفعله الغرب، فقد كان يعرف تماما أن الطريق الذي اختاره شديد الخطورة. و هذا هو السبب في أن (عزت بيجوفيتش) ناقش انتشار قوات حفظ السلام في (البوسنة) مع (فانس) و عدد من مسؤولي قسم عمليات حفظ السلام أثناء زيارتهم ل (سراييفو) قبل بدء القتال بقليل. و كان المسؤولون الدوليون مدركين تماما لما يمكن أن يتلو من أحداث.
 
الفصل الثامن:
قال لي مرة مسؤول من الأمم المتحدة في (زغرب): ( إنا لن نفقد عملياتنا شرعيتها في العالم كله من أجل المحافظة على الدولة البوسنية).
و بعد اشتباكات قليلة توقفت تماما محالات الصرب لوقف القوافل، و في وسط (البوسنة) في أواخر 1993، تولى قيادة الكتيبة النوردية المختلطة قائد جديد و هو سويدي شديد البأس و اسمه (هندريكسون) و الذي قال لي ذات مرة : ( أخبرهم أن يدعوني أمر أو أفجر رؤوسهم الفارغة جميعا. صحيح، أحيانا لا يقبلون و عندئذ علي أن أعود. و لكن لا ضير إذا حاولت. فعليك أن تفعل ذلك في البلقان: أن تتصرف كالرجل الصلب أو يبولون فوق رأسك).
أما عن موضوع نجاح قوة الحماية التابعة للامم المتحدة فهو قول يشبه في الحقيقة قول إحدى الشخصيات في مسرحية هزلية قديمة: ( لقد نجحت العملية. فقط مات المريض). و لو أن مسؤولي الأمم المتحدة تكلموا لكان ذلك قابلا للفهم على أقل تقدير. أما الأمر الشاذ فهو أن تسمع أفضل الناس في قوة الحماية و في قسم عمليات حفظ السلام يقولون بإخلاص و في نفس واحد أنهم قاموا بعمل جيد بينما يعترفون في النفس التالي أن الوضع في (البوسنة) تحول إلى كارثة محققة.
هنا يأتي دور التشويه الاحترافي لمسؤولي حفظ السلام، فكما قال لي مسؤول في قسم الشؤون المدنية التابع للامم المتحدة في (سراييفو): ( عليك أن تتعلم كيف توزع نفسك في هذه المهنة. فانا أعرف ما فعله الصرب في (البوسنة). لقد رأيت الجثث و سمعت بكاء النساء. و لكن لا يهم أين يذهب تعاطفي أو ما أقوله أو ما كنت أريد أن يتم عمله لو أنني صحفيا مثلك. فعملي ليس محاربة الصرب و لا شجبهم. أنا هنا لمساعدة (البوسنة) بقدر ما استطيع، و لكي أفعل ذلك فليس على فقط أن أبدو محايدا أعامل الصرب و المسلمين على قدم المساواة، و لكن حيث أن الصرب هم المنتصرون في هذه الحرب، و حيث يلزمك تصريحهم بأن تقوم بمعظم الأمور هنا، فقد كان علي أن أكون على وفاق معهم).
فبوضع العقبات أمام الضربات الجوية تمكنت الأمم المتحدة من الحفاظ على مهمتها و تمكن الصرب من المحافظة على مكاسبهم على أرض المعركة. فلا عجب أن تكون العلاقة بين الصرب و قادة قوة الحماية التابعة للأمم المتحدة سمنا على عسل. 
و الواقع أنه كان من رأي كثير من مسؤولي الأمم المتحدة أن المجرمين الحقيقيين في حادثة تفكك (يوغسلافيا) لم يكونوا (كاردزيتش) أو (ميلوسيفيتش) و بل (فرانكو تودمان) و (هانز ديتريش غنشر) و (علي عزت بيجوفيتش) مع الترتيب التنازلي في إلقاء اللوم. و لقد اعترفوا أن (عزت بيجوفيتش) حاول قدر المستطاع الإبقاء على وحدة (يوغسلافيا). لكن مع اعتبار (ميلوسيفيتش) فوق أي طعن، فقد توصلوا إلى أن (عزت بيجوفيتش) يتحمل مسؤولية القبول بأي شيء يرغب القائد الصربي في تقديمه له. ذلك ما اعتقدوا أنه الموقف الصحيح في 1991 ، و قابل للتطبيق بنفس الدرجة عام 1994.

الفصل التاسع:
 استرد العالم شرفه في (البوسنة) من خلال أولئك الذين يعملون في (منظمات الإغاثة غير الحكومية)  و اللجنة الدولية للصليب الأحمر و مكتب المفوضية العليا للاجئين بالأمم المتحدة. لقد عملوا هناك بدون أي جدول أعمال سري و رفضوا بشدة القبول بفكرة أن مصالح الدول الكبرى التي تمولهم تجبرهم على تنفيذ جداول الأعمال السياسية لتلك القوى.
و قد كتب (جون سويني) مراسل الأوبزيرفر اللندية حول ذلك بقول: ( بالنسبة لكثير من الصحفيين كانت اللحظة الحاسمة عندما أخبر متحدث للأمم المتحدة مؤتمرا صحفيا أنه قد تم الاتفاق على وقف النار و أراد أن يشكر الصرب على تعاونهم و في اللحظة التالية انبطح الجميع على الأرض بفعل ضربات المدفعية الصربية).
إن مثل تلك القصص أسوء من أن تعرف فقد كانت شيئا مألوفا. كانت تمر أوقات يبدو فيها و كان شعار قوة الحماية التابعة للأمم المتحدة ينبغي أن يقرأ على النحو التالي: (العمل من أجل استسلام البوسنيين). فبعد كل شيء، ألم يكن الاستسلام من جانب حكومة (البوسنة) هو أضمن طريق إلى السلام؟ هكذا اعتقدت الأمم المتحدة مهما لبست مسوح الإنسانية.
كان (منديلوس) قد قال: أحيانا تذكرني الحياة في هذا البلد ب(ماكوندو) في كتاب (جارسيا ماركيز) (مائة عام من العزلة). لم يكن الوضع سهلا في (كردستان) أو أمريكا الوسطى، و لم يكن بأي حال سائغا. و لكن هناك أوقات يكون كل ما أحلم به أن يرسلوا بي إلى مكان استوائي حيث الأمور واضحة، مكان يكون فيه لاجئون و بلاد ترسل و تستقبل، دون تعقيدات أخرى. إن هذه الازمات من الصعوبة بحيث لا يوجد لها حل. و لكن أن تحاول خلق مناطق آمنة و مناطق محمية وسط أتون الحرب، عندما تكون الجبهة في تغيير مستمر و لا يكون اللاجئون نتاج الحرب، كما كان في (السلفادور)، بل هم هدف شنها في المقام الأول- فكيف يمكن للجنة العليا للإغاثة أن تقوم بذلك؟ إنهم يقدمون لنا المزيد من الجنود. و أنا لم أطلب مطلقا جنديا واحدا. و في الوقت نفسه، لدي خمسين شاحنة لإعادة إمدادا مئات الآلاف من البشر. حتى لو تم تشغيل الشاحنات على مدار الساعة، فكيف يفترض أن أفعل ذلك؟ لقد قمنا بعمل المعجزات من قبل و لكننا بدأنا نفتقدها الآن و الشتاء على الأبواب حيث تصبح كل مشكلة لدينا بدءا من مشكلة إبقاء الشحانات على الطريق إلى إطعام و كسوة اللاجئين أصعب على الحل بكثير).
....المسلمين لا يستطيعون الفرار من تلقاء أنفسهم. ففي محطة حافلات (بانيالوكا) علقت لافتة في خريف 1993 تعلن عن منع المسلمين من ركوب الحافلات، و في الخارج كررت الكتابة على الجدران تلك المزاوجة المميزة لللافتات العنصرية في العالم أجمع: ( ممنوع الكلاب أو المسلمين).
 
الفصل العاشر:
سألني عجوز في مقبرة (لايسون) في سراييفو في أبريل 1993: ( لم لا يلقي الأمريكان القنبلة الذرية على الصرب؟ و بعد لحظات انفجرت قنبلة (مورتار) على بعد ثلاثمائة متر. و قام المشيعون – و كانوا قد حضروا لدفن طفل عمره أربع سنوات قتله قناص قبل يومين- بالزحف أو بالأحرى بدأوا في حركات زحف صامتة بحثا عن ساتر حيث لم يكن هناك، باستثناء تمثال الأسد الذي شوهه القصف و الحافة التي يقف عليها وسط المقبرة، أي ساتر على الإطلاق. فحتى الشواهد في (سراييفو) أصبحت تصنع من الخشب بعد عام من الحصار. و يقول الحفارون إن الشواهد أصبحت بنصف سماكتها قبل ستة شهور. و حملقت في انفعال في قبرين تم حفرهما حديثا في نهاية أحد صفوف الدفن. و من خبرتي السابقة عرفت أنهما أكثر الأماكن أمنا للقرفصة إذا بدأ القصف جديا، و هو احتمال واضح حيث تخصصت القوات الصربية الرابضة على التلال المحيطة بالمدينة في إطلاق النار على المشيعين و هم يدفنون موتاهم. 

يقول القناص الصربي:
و يقول لنفسه (اعتقد أنني سأقتل الفتاة ذات السترة الحمراء)، أو يقول (اعتقد أنني سأدع الرجل الطويل يعبر الطريق و أحاول إسقاط صديقه، الشاب القصير غير الحليق في المعطف الصوفي، عندما يحاول أن يتبعه).

كان أمل الصحافة الغربية هو أن العارفين بالأوضاع في الوطن سيطلبون من حكوماتهم ألا تسمح بأن تقتل و يغتصب و يشرد مسلمو (البوسنة). و بدلا من ذلك فإن اللدغات الصوتية و (اللدغات المرئية) التي تم اختيارها من ميدان القتال نمت روح السفطة و اللامبالاة بشكل منظم أكثر مما نحجحت في تعبئة الناس للتصرف أو حتى لازدراء الوضع.
كان هناك نوع من (تأثير CNN ) بالمعنى الواسع و المتمثل في أنه لولا إظهار  BBC و  CNN  وغيرهما للمأساة البوسنية طول الوقت لخمدت في أذهان الناس بعد الشهور القليلة الأولى من القتال برغم أنها كانت تحدث على مائتي ميل من (إيطاليا). و بمفهوم أضيق، كانت كاميرات التليفزيون و ليس حلف الناتو في الواقع، ناهيك عن الأمم المتحدة، هي التي أنقذت (سراييفو) بعد المذبحة في السوق المركزي في أوائل فبراير 1994.
 
اقتباس من نهايات الكتاب:
 
(ما فهمته الصحافة و عجزت الأمم المتحدة عن فهمه هو: أن تكون عادلا و أن تكون محايدا ليسا الشيء نفسه...).
 
(و من المؤكد أن كثيرا من الأحلام قد تلاشت في (البوسنة) خلال السنتين و النصف السنة الماضية: الحلم بأن للعالم ضميرا، و الحلم بأن أوروبا مكان متحضر، و الحلم بأن هناك عدل للضعيف كما للقوي. و لن يكون غريبا أن يموت هناك الحلم القديم بأن الحقيقة سوف ترفع الأغلال عنا...إن الهزيمة ساحقة، و الخزي شامل).

No comments:

سوريا حرة Free Syria

 سوريا حرة Free Syria