Friday, July 16, 2010

بوريس تاديتش: عالم نفس و قائد دولة، قلب يشعر و عقل يفكر



بوريس تاديتش: عندما يبكي الرجال الكرام
بدءا، هذه المقالة ليست كرها لأحد، و لا تعظيما لأحد، لكنها تكريما لتصرف بسيط. فاختلافك مع شخص لا يمنعنك من أن تمدح عطره الذي يفوح، متعللا بالزكام!  الذي استحثني للكتابة هو موقف واحد لرجل واحد من الصرب، ألا و هو الرئيس بوريس تاديش. ربما نكون كسبنا من حيث لا نحتسب رجلا لديه قلب و مشاعر، و لديه عقل و موضوعية. أقول اكتسبنا - لا نحن المسلمين فحسب- بل اكتسبت الإنسانية رجلا لم يخجل أن يغالب دموعه وسط أوروبا اللاهثة العملية. و كيف له ألا يبكي و هو يشاهد مئات النعوش المحمولة نحو مثواها الأخير بعد 15 عاما من القتل بيد بني جلدته الصرب؟ و ها هو يضع إكليلا من الزهور للمرة الثانية، إذ حضر قبل ذلك الاحتفالية العاشرة لذكرى مذبحة سربرينتشيا.
لا يفوتنا أن نذكر حضور رؤساء البوسنة و الجبل الاسود وكرواتيا وسلوفينيا ومقدونيا و رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان و زوجه. و حضر أيضا وزير الخارجية الفرنسي و و زير خارجية ماليزيا و سفراء عدة دول في البوسنة لوداع الشهداء.
هل الصرب هم إسبرطة هذا العصر؟
سيهاجمني البعض: تمدحين رجل من صربيا! فأنعي لهم أمما كاملة تقتل لأجل إشباع غريزة القتل الحيوانية و تخلو قلوبها من مشاعر البشر مثل دولة إسبرطة قديما. تلك التي سقطت بعد زمن من البطش و الانتصارات فسيطرت على مدن اليونان و هزمت أثينا. يذكر لنا التاريخ أنها سقطت، و لم يبكها أحد من العالمين. ذاك  أنها كانت دولة عسكرية لا يعرف أهلها غير الحرب و القتل و لا يعرفون الإنسانية. الإنسان كان آلة عسكرية للقتل فقط. رحلت مثل الهكسوس و التتار حيث لم يعرف قادتهم غير القوة المفرطة و القسوة بلغة هذا الزمان، و ربما كان بين صغار جنودهم من غلب على أمره. لقد ولت هذه العصورالتي تحكم بالقوة فقط. لم أود أن أضيف الصرب لهذه الأمم حتى على الافتراض النظري. و ذلك بالرغم من فظاعتهم ضد الكروات و المسلمين، و بالرغم من تعنتهم لئلا يعترفوا بالإبادة الجماعية، و بالرغم من تكريمهم لقادتهم وتخبئتهم في صربيا لسنوات من محكمة العدل الدولية، و بالرغم من إطلاقهم الاحتفالات بمجازرهم، وتوزيعهم لأسماء مجرمي الحرب على النياشين و الأوسمة متحدين المجتمع الدولي و الإنسانية و ربما الاتحاد الأوروبي أيضا، و بالرغم من تكريمهم رادوفان كاراديتش قبيل إحياء ذكرى مذبحة سربرينتشا بيوم واحد قائلين أن الحزب لا يخجل من تاريخه!
و بالرغم من هذا كله لم أصدق! لم أصدق زيف نظرية أن يجتمع قوم على هذه القسوة و تلك العقلية المتعصبة على مر العصور... كنت أدعو ربي أن يهديهم لصالح البشرية إن لم يكن لصالحهم أيضا. و كنت اتساءل: أيها الصرب، أليس فيكم رجل رشيد؟ أليس فيكم قلب حي ينبض و يشعر؟ ثم وجدت أن مواقف الرئيس الصربي الحالي تنفي هذا الاتفاق على التعصب، و تدل على رجاحة عقله. ثم  جاءت دموعه التي التقطتها العدسات إجابة قاطعة تدل على يقظة قلبه. بالطبع الرجال مواقف، و لدى الرجل مواقف أخرى قد نتفق أو نختلف معه فيها. لكن دعوني اقرأ هذا الموقف خاصة. يبدو موقفا بسيطا، لكن تأثيره لو تعلمون كبير.
و في ذات المشهد، أدانت بعض السيدات الصربيات المذبحة في وقفات احتجاجية. و هناك أكثر من نصف البرلمان الصربي (127 من أصل 173) يفكر في اتجاه الاعتذار و المصالحة حتى لو كانت الدوافع منفعة البلد أكثر منها ضميرا داخليا. على كل، شكرا لهؤلاء. أما القلوب التي صدئت و أخذت تجادل في البرلمان الصربي لتعرقل كل تصرف يدعو إلى إعادة السلام و المصالحة و محاسبة المجرمين فلتذهب بعقولها و قلوبها إلى حيث ذهبت إسبرطة و أخواتها.
عندما بكى المستشار هيلموت كول من قبل:
هل تذكرت جنازة الرئيس الراحل فرانسو ميتران، حيث حضر المستشار الألماني هيلموت كول و تساقطت دموعه و عرضتها آلات التصوير هنا و هناك؟ حينها قال المعلق: إن الفرنسيين لن ينسوا له هذه الدموع الغالية أبدا. و لأننا المسلمين لا نبخس أحدا حقه، فنحن أولى بأن نشكره على هذه المشاعر و تللك اللفتة الكريمة بالحضور المشرف. نقول: لن ننسى لك هذه الدموع الغالية يا سيد بوريس تاديش. بالرغم من أن بعض أقارب الضحايا يرون في حضور السيد تاديتش الصربي سببا لتذكر ألامهم. بينما ممثلة أرامل سربرينيتشا تمنت الترحيب به، لكنهم سيستقبلونه بسلام و طمأنينة. تعالى هتاف بعض الجماهير: برافو (أحسنت) بوريس.


 I wish to welcome you, we are receiving you in peace," Kada Hotic, a representative of the Srebrenica widows, told Serbia's president Boris Tadic while he held her hands. Some in the crowd yelled ...Bravo, Boris 

قرائي الأعزاء: إن الدموع ليست أحزان النساء فقط، لكنها أيضا امتحان الرجال الكرام. لا تقولوا: إن المشهد الجنائزي يدمي أي قلب، فحينما دفن الضحايا، كانت قلوب بعض الصرب تحتفل بلا خجل بالمجزرة في نفس اليوم، و ربما استاءوا من مشاركة رئيسهم مراسم الدفن و التأبين. هؤلاء رجل، و هذا رجل. قد تقولون إنما هي مشاركة رسمية لتسيرالمصالح للأفضل، اقول: و لم لا؟ فهذا التصرف من رجاحة عقله، أما الدموع فمن رقة قلبه. ستمر الأيام و يصدق حدسي أننا كسبنا رجلا يحسن التعامل مع المواقف. و ربما...، فمن يعرف المستقبل؟
برافو-أحسنت- بوريس ثانية!:
على موقعه بالفيسبوك يصفه المعجبون الصرب بالشجاع لمواقفه وخاصة الأخير. لكنهم يشفقون عليه من المهمة الشاقة بعد ميلوسوفيتش. و يحذرونه من المعارضة المتعصبة. و لا ينسوا أن يداعبوه (برافو-أحسنت- بوريس).
قصة نجاح تاديتش عالم النفس:( لماذا معظم رؤساء الصرب يدرسون علم النفس؟)
ولد بوريس تاديتش في سراييفو لأسرة عانت من الحرب العالمية الثانية، حيث توفى جده لأمه و ستة من أقاربه. رحل إلى بلجراد و عمره ثلاث أعوام في رعاية والده الفيلسوف، و أمه عالمة النفس. و العجيب أنه أيضا درس علم النفس و ارتقى في علومه الإكلينيكية. ألا يذكرك هذا بمجرم الحب كاراديتش الذي كان طبيبا نفسيا أيضا، لكن لم تتذهب أخلاقه، فعاث في الأرض فسادا؟!
أما تاديش فليس فقط الرئيس لكنه عالم النفس العملي الذي أراد أن يمحو أثار الحرب بالكلمات و الأفعال، فاعتذر للبوسنة و الكروات. و كلل ذلك بوعد بتقديم مجرمي الحرب و الهاربين للعدالة حتى لو وجد ملاديتش في صربيا . في عهده سلم المجرم كاراديتش للمحكمة الدولية مما ألب عليه أعضاء الحزب الصربي المعارض متهمينه بالخيانة.
ماذا يقول تاديتش؟: ونعتبر التعاون الكامل مع محكمة العدل الدولية في لاهاي في مصلحتنا القومية. وقد انقضى وقت كاف لكي يتحمل الأفراد المذنبون من جميع الأطراف المسؤولية عن الجرائم التي اقترفوها. وقد أدى فوزي الى تعزيز الإجماع السياسي لتقديم مجرم الحرب راتكو ملاديتش والهاربين الآخرين الى العدالة. واذا كان ملاديتش في صربيا فاننا سنلقي القبض عليه.
دعوا تاديتش يتكلم عن نفسه ليقول: أنا رئيس صربيا .. ولكني لست ميلوسيفيتش (نشر هذا الحوار عام 2004 بجريدة الشرق الأوسط، بعيد تسلمه منصب رئيس صربيا).
اختار مواطنو صربيا التصويت لمصالحهم وليس لاستيائهم. و أنا كمنشق كافحت الشيوعية ، وكسياسي معارض كافحت الطغيان ، وكرئيس لصربيا سأكافح من أجل المساواة في الفرص لجميع مواطني صربيا بغض النظر عن انتماءاتهم الإثنية والدينية. وهذا الأمر يواجه صعوبة بسبب إرث ميلوسيفيتش في الفساد متعللا باسم القومية.
دع القراء يعلقون قائلين:
مادمت يارئيس صربيا على هذه الدرجة العالية من التحلي بالقيم والعدالة , فهل عملت شيئا لإعادة آلاف المهجرين المسلمين لديارهم؟ وهل قمت برد الحقوق والممتلكات والتعويضات للمسلمين الذين ذبحوا وروعوا وشردوا في أكبر حملة تطهير عرقي وديني شهدتها أوروبا في الزمن الحاضر؟ أم أن العدالة عند بوريس تعني إنصاف الصربي المسيحي فقط , ظالما أو مظلوما؟
مواقفه من استقلال كوسوفا: (المعلومات مأخوذة من مواقع إخبارية)
أشار رئيس جمهوريَّة صربيا بوريس تاديش إلى توقعات بلاده في أن تقر المحكمة بعدم مشروعية اعلان استقلال كوسوفو من جانب واحد. وأكد الرئيس تاديتش أن نتيجة مغايرة لذلك ستعني أنه لن تكون هناك حدود آمنة في أي مكان من العالم أمام موجات الانفصاليين، مما سيتسبب في عدم الاستقرار في كافة أرجاء العالم، مع تضاعف الصراعات العرقية.
ورثنا مشكلة كوسوفو من خلال الحزب  ونبذل كل ما في وسعنا للدفاع عن مصالحنا وسط أجواء دولية صعبة ونشارك في عملية التفاوض لتحديد وضع كوسوفو التي بدأت في وقت غير مناسب.
 وأنا كرئيس لصربيا يجب عليا لزيارة كوسوفو أن أحصل على تصريح من قائد قوات (K4) هذا نتيجة حكم النظام السابق في صربيا نتيجة حكم ميلوسوفيتش. أنا الرئيس الوحيد في أوروبا والعالم الذي يجب أن يحصل على تصريح من قائد أجنبي أو قائد (K4) لزيارة جزء من بلده.
نحن بكل تأكيد لا نرغب في إعلان الحرب ولن نريد استخدام العنف من جديد في البلقان لأنه بلا شك أن الحرب والعنف لم يكونا ضمانا لحماية المصلحة الصربية في التسعينات واكتسبنا خبرة من حكم ميلوسوفيتش مثل هذا الخطأ السياسي لا نريد تكراره فهو لا يجلب السعادة ولا يفيدنا في الدفاع عن مصلحتنا القومية نحن نريد دفاعا بالطريقة التي تناسب المعايير الأوروبية والعالم المتحضر.
مواقفه الأخيرة في التعاون مع الدول (المعلومات مأخوذة و مترجمة من وكالة الأنباء الوطنية):

و بدأ تاديتش  مع أردوغان  حقبة جديدة من التعاون في التعاون العسكري والاقتصادي والثقافي. وقد أعلن الرئيس تاديتش بناء مركز كبير للثقافة الإلإسلامية و التي ستظهر صربيا متعدد الأعراق حيث سيتم دراسة الثقافة الإسلامية والتركية  علاقاتهم التاريخية. وقال رئيس الوزراء أردوغان أن الصورة الدولية لصربيا تغيرت للأفضل بسبب اعتمادها إعلان إدانة جريمة سريبرينيتسا بفضل مبادأة الرئيس تاديتش. مشيرا لاستماع تاديتش إلى صوت الضمير والشجاعة لتحمل المخاطر عندما قم باعتماد إعلان سريبرينيتسا ، و حضرالاحتفال بذكراها في بوتوكاري. تاديتش وأردوغان افتتحا بيت الثقافة التركية "كمال أتاتورك" ، الذي سيكون جزءا من شبكة عالمية من المراكز الثقافية التركية. و كان رئيس الوزراء التركي في زيارة رسمية تستغرق يوما واحدا إلى صربيا.

Serbia's President Boris Tadic wipes tears during a joint burial in the Srebrenica Genocide Memorial on July 11, 2010.
"I wish to welcome you, we are receiving you in peace," Kada Hotic, a representative of the Srebrenica widows, told Serbia's president Boris Tadic while he held her hands. Some in the crowd yelled "Bravo, Boris!"
On December 6, 2004, Boris Tadić made an apology in Bosnia-Herzegovina to all those who suffered crimes committed in the name of the Serb people. In 2007, Tadić issued an apology to Croatia for any crimes committed in Serbia's name during the war in Croatia.

Sources:
Wikipedia: Boris Tadic

7 comments:

Anonymous said...

Comment on face book: We are all proud of Tadic

أنا - الريس said...

ربنا يهديه هو وأمثاله للإسلام فالإسلام أولي بهم وبنا من أمثال الفسدة في المجتمعات العربية .. ولكن يارب يهدي الجميع وانا من العاصين أكون منهم .
رغم صعوبة إسمه إلا أشكره لأنه فكر بعلقه لمصلحة بلده وبقلبه الإنساني الذي ربما تخلي عنه كثير من الحكام في العالم الحالي .
تكرمي علي مقالتك الرائعة واعتذر عن عدم الدخول الثلاث أيام اللي في فاتو للاستجمام .

Anonymous said...

@ MR.PRESIDENT
اهلا بك
لا عليك من التأخير

بالفعل قمت بتلخيص ما لمحته في المقالة
تحت عنوان قلب يشعر و عقل يفكر
و لو دخلت على صفحته على الفيسبوك ستجد الكثير من الترحيب بطريقته في حل الأزمات و الحياة العادية و صور عديدة له

شمس العصارى said...

انها مقدرة الله
لقد خذلناهم نحن سنين
فاتى اله باعدائهم يتوددون اليهم
ده التفسير الاكبر عندى
وطبعا الرجل يستحق الاشادة ولو كنت اتمنى ان يكون لنا ثقل نستطيع به ان ندفع مثل هؤلاء الرجال الى الامام قدما فى افعال مثل هذه
و على ما يبدوا ان الاتراك يقومون بهذه المهمة نيابة عنا
رحم الله الشهداء
ويسر الله لمثل هذا الرجل ان يسود فى قومه
ـــــــــــــــــــــ
اطلالة رائعة ليس بغريبة عليكى يا دكتورة

كلمات من نور said...

جزاكي الله خيرا يا فتاتي على ما تبذلينه من أجل قضية أصيبت بالنسيان منذ زمن

العلم نور said...

مبادرة جيدة .. ولكن ماذا سيقولون لمن ذهبت دمائهم هدر .. فنحن نقول حسبي الله ونعم الوكيل ..

جزاك الله خير الجزاء

ذكرى رحيل قلم said...

السلام عليكم

كل سنة وانت طيبة ربنا يجعل ايامك كلها بخير وسلام دمتي بحب وود

اسمها فلسطين " المذكرات الممنوعة لرحالة إنجليزية في الأرض المقدسة" للرحالة آدا جودريتش فريير

اسمها فلسطين " المذكرات الممنوعة لرحالة إنجليزية في الأرض المقدسة" اسمها فلسطين by A. Goodrich-Freer | Goodreads اسمها فلسطين &qu...