Pages

Friday, March 24, 2023

شاهدت فيلم (الكسوف)- الجزء الثاني Summary of the movie (The eclipse)

 الفيلم: الكسوف  Pomračenje 

English translation via icon far left of the blog

Movie (The Eclipse, 2022)

Part 1 (Another True story on 11-8-1999)

https://shayunbiqalbi.blogspot.com/2023/03/1.html

د/ إيمان الطحاوي 

European University Film 

عن المخرجة:

 ولدت ناتاشا أوربان في 1 مارس 1977 في زرينجانين من مقاطعة فويفودينا في شمال صربيا. هي مخرجة ومحررة أفلام وثائقية . حصلت على درجة الماجستير في التصوير الفوتوغرافي من جامعة الفنون في بلجراد، صربيا. ثم انتقلت إلى بوخارست، رومانيا. و أخيرا، تعيش وتعمل في أوسلو، النرويج. غيرت ناتاشا اسمها الأخير إلى اسم جدتها لأبيها (أوربان) قبل الزواج.

شاركت في إخراج الأفلام الثلاثة الأولى ، وهي "رحلة من الثلاجة الحمراء متوسطة الطول (2007) ، و "الأخت الكبرى بونام" (2009) ، و "مبامبو وجبال القمر" (2010) ، مع لوسيانو مونتيانو ، و تعاملت مع الحياة في نيبال وأوغندا، وهي أماكن بعيدة عن البلقان، و تختلف البيئة و الأبعاد الاجتماعية. أما فيلمها الرابع، و هو أول فيلم طويل لها منفردة، فهو الوثائقي (الكسوف) 2022.

Ismailia 24th International Film Festival for Documentaries, 2023

في مقابلة ، قالت المخرجة إنها تأثرت باضطراب ما بعد الصدمة فيما يتعلق بصنع الفيلم الذي استمر نحو عامين. و في مقابلة أخرى، قالت إنها كانت تشعر أنه سيحظى بهذا النجاح أثناء عملها عليه. 

حصد الفيلم عدة جوائز، و عرض في مهرجانات عدة. استحق العمل الذي استغرق نحو عامين بحثا و تصويرا و إعدادا جوائز عدة، و شارك في مهرجانات عديدة مثل: كوسوفو، سراييفو، الإسماعيلية، و ما يزال يحصل على إشادات هنا و هناك. في مهرجان كوبنهاجن الدولي للأفلام الوثائقية، أحد أكبر مهرجانات الأفلام الوثائقية في العالم، جاء في منحها الجائزة الرئيسية: " يجرؤ المخرج على النظر في مرآة الحاضر المضطرب وحساب أشباح الماضي الدموي ، مجادلًا أن فقدان الذاكرة التاريخي هو عبء تحمله الأجيال. يؤكد هذا الفيلم على المخاطر الجماعية التي لا يمكن إنكارها للفرد. صدمات الأمة ، تتساءل عما يعنيه الانتماء إلى أي منهما ، وما نوع المسؤولية التي ينطوي عليها هذا الشعور بالانتماء. وهذه الأسئلة لا تنحصر فقط في محتوى الفيلم: شكله الجريء والتجريبي يعطي نسيجًا مذهلاً لـ الجراح الوجودية للحرب، ويتعامل مع الشكل السينمائي كنوع من السياسة نفسها ، حيث كل قرار جمالي هو أيضًا لفتة أيديولوجية. يخبرنا هذا الفيلم بعبارات لا لبس فيها: لا تنظر بعيدًا ؛ لا تنسى. قرار لجنة التحكيم هذه بالإجماع ، تذهب الجائزة إلى ناتاشا أوربان عن فيلمها الكسوف. 

أنصحك بالإطلاع على الجزء الأول هنا 

أنصحك بالإطلاع على الجزء الثالث هنا 

 

القصة:

في 11 أغسطس، عام 1999، كان العالم ينتظر الحدث (الكسوف الكلي للشمس).

أمرت دولة صربيا شعبها بأن يختبئ من (الكسوف) الذي سيضر عيونهم، فأطاع الشعب. رأت المخرجة في هذا الحدث، وذلك التصرف استعارة استخدمتها في فكرة هذا الفيلم. تقول المخرجة إن فكرة الفيلم جاءتها بعد وقت من وفاة شخص عزيز. و أنها اطلعت على مذكرات أبيها المذهلة و الدقيقة فاستعادت مع الأسرة تلك الذكريات. تمزج  بين يوميات والدها و إعادة تمثيل الأحداث بنفس الأماكن الطبعية تقريبا مع لوحات تشمل تواريخ دقيقة لبعض أحداث الحرب. و هذان عالمان متناقضان. لا يعرض الفيلم أي فيديوهات أو صور مباشرة لجرائم الحرب رغم حضورها بالفعل. تتوالى الأحداث في التسعينيات: (أول الاحتجاجات الديمقراطية في صربيا، بداية الحرب في كرواتيا والحصار الدموي لفوكوفار، وحصار سراييفو، ومجزرة سريبرينيتشا، وقصف الناتو لصربيا)، و تتداخل زمنيا مع يوميات والدها التي يبدو أنها في عالم آخر.

تقول إنها أطرت الفيلم بمشهدين من الكسوف الكلي للشمس، أحدهما من عام 1961 والآخر من عام 1999.

 تروي جداتها و عمتها و والدتها و صديقة لها نصيبهم من الذكريات.  كل شخص يحكي جانبه من القصة ليشكلوا معا لوحة بانورامية لمجتمع صغير يمثل جزء من شعب صربيا الذي ربما لم يشارك في الحرب. لكنه لا يعمم على كل أهل صربيا. يبدو الفيلم مثل إنذار ضد القومية المتطرفة في أوروبا و أي مكان  في العالم. 

الافتتاح:

افتتحت ناتاشا أوربان فيلمها بلقطة محببة باللونين الأسود والأبيض لكسوف ، ورواية من رسالة ربما تطمح بها معرفة أسرار انهيار يوغسلافيا، و حروب التسعينيات. أسرتنا الافتتاحية بالمناظر الخلابة حول نهر الدانوب في الغسق والفجر، يمتعك الفيلم بصور الأراضي المنبسطة و التلال ثم الجبال و الأنهار و البط (أو البجع) الذي يسبح فيها. إنها طبيعة هادئة حُبيت بها مدينة نوفي ساد، حيث تستقر أسرة المخرجة في صربيا، فصورت لنا المناظر الطبيعية الحضرية للمباني الاشتراكية في نوفي ساد ، صربيا.   يدخلنا الفيلم في منزل الأسرة و منتزهها، في مشاهد الجرات في المطبخ و سجلات الورق...و يصحبنا في المنتزه و النافورة و التلال و يصور لنا الحياة كأننا نحيا معهم.

www.imdb.com

الجدات و العمات و الوالدة:

تروي كل من جداتها قصص الفقر والفظائع التي شهدتها خلال الحرب العالمية الثانية عندما كانا طفلين.

تسأل نتاشا جدتها ذات الأصول الرومانية وهي تتزين. تسألها عن الحرب. فترد عن أي حرب؟ حقا، أي حرب تذكرها تلك العجوز و قد مرت بلادها بحروب كثيرة؟ احكي لنا عن الحرب التي تذكرينها إذن. تحكي لنا الجدة: كنت صغيرة أثناء الحرب في يوغسلافيا القديمة. أتذكر كيف بدأت الحرب العالمية الثانية، و تحكي عن الفقر المقذع التي لا تستطيع منه فكاكا.

www.imdb.com

 بينما صور المنزل بمشغولاته المطرزة تأسر النظر و تملؤك دفئا، و تتنقل الكاميرا إلى حدائق جميلة.  تتذكر جدة ناتاشا أوربان كيف قطعت رؤوس الجنود الألمان بعد نهاية الحرب العالمية الثانية. و استُخدمت رؤوسهم المقطوعة ككرات قدم في الشارع.

 تمر الكاميرا بمشهد تنويم الابنة لأمها تداعب شعرها كأنها تنومها مغناطيسيا لتحكي لكنها لا تريد أن تتذكر. تسألها الوالدة بارتياب و صراحة: لم تسألين اليوم؟ فجميعنا يحاول نسيانها. يسأل الأقارب المخرجة، ابنتهم ناتاشا "لم لا تقولين شيئًا جيدًا عن صربيا، مثل مستنقعات Obedska  الجميلة أو متجر Laguna للكتب؟"

ذكّرني ذلك بنصح العائلة المالكة للأميرة ديانا التي كانت تصر على زيارة مرضى الإيدز: لم لا تصنعين عملا أكثر بهجة، لم لا تزورين الأطفال السعداء؟

تروي والدتها قصة صعود القومية التي شهدتها في مكان عملها والطريقة الخاصة للغاية للحفاظ على إنسانيتها بعد الحملة الجوية من خلال العناية بنبات الكركديه الذي تركته في مبنى شبه مدمر قصفه الناتو. 

و هناك قصة عن أول رد فعل سريع من زملاء عمتها الموظفين في مصلحة السكك الحديدية حين باركت بحياد "حظًا سعيدًا لهم ، إذا كانوا يريدون ذلك كثيرًااختيار الكروات الانفصال عن الاتحاد اليوغسلافي في الاستفتاء. صاح زملاؤها غاضبين: "اللعنة عليك أيتها...، إنك لست صربية، إن لم تعجبك قرارت صربيا، عودي إلى رومانيا، فهذه صربيا! يدخل المكتب مديرها حين يلعنها زملاؤها دون أي تدخل. تتنقل الكاميرا وسط صور المكاتب المغلقة فتشعر بالضيق من المكان و العنصرية المقيتة.

تتتبع عمتها (برانيسلافا) ذات العيون الواضحة دوائر العنف التي شهدتها بنفسها عندما كانت في أواخر الثمانينيات تعمل نادلة في نزل مظلل يتردد عليه "محاربو عطلة نهاية الأسبوع" التشتنيك (ميليشيات صربية) و كيف استمتعوا بتقل الحيوانات. تحكي عن سادية عيون والدها تجاه الحيوانات الأليفة والصفعة التي تلقتها منه في طفولتها. تقول العمة إن الشيتنيك قطعوا رؤوس خصومهم في كرواتيا ، بينما يظهر في الفيديو مشهد ذبح خنزير عوضا عن مشاهد قتل أو ذبح الجنود.  تحكي العمة برانسلافا ، التي اتُهمت عندما كانت طفلة بعمر خمس سنوات بأنها عاهرة بسبب ركوب الخيول مع الأصدقاء. عوقبت و لم تفهم عم يتحدثون.

 الأصدقاء:

أصدقاؤها يتحدثون بأريحية أكثر؛ لأنهم كانوا في بداية شبابهم، فكانت هذه الحرب مقتلا لمستقبلهم. أعادت سرد قصة الرحلة من بوخارست حيث تدرس التصوير مع صديقتها ميلينا و صديق لرؤية بقايا شقته في فوكوفار، شمال شرق كرواتيا في 1996، بعدما وضعت الحرب أوزارها في البوسنة و كرواتيا، قبل أن يشعلها ميلوسوفيتش من جديد في كوسوفو. مشهد متناقض لبعض الأصدقاء يقفون أمام الكاميرا في مدينة في حالة خراب، مشهد لعربة أطفال مهجورة على جدار من الطوب نصفها مغطى بالثلج. ترمز إلى حياة كانت هناك ذا يوم قبل الحرب. نسيت المخرجة ما حدث تقريبا، فذكرتها صديقتها. أصيبت إحدى صديقات ناتاشا بصدمة عصبية بسبب تورط والدها غير الطوعي في حصار فوكوفار، الأمر الذي حوّلها إلى التصوف الديني، ثم المخدرات. سفر معظم الأصدقاء خارج صربيا في حد ذاته محاولة متعمدة للنسيان. يبدو الأمر كما لو أن هذه اللحظة وكل ما حدث في الرحلة قد تم محوه. لقد ذهب تماما بالنسبة لها.  تقول المخرجة إنها غادرت صربيا منذ سنوات عديدة ولم تنظر إلى الوراء أبدا. لكنها اليوم تنظر و بعمق.

بعض البهجة، والفكاهة:

 تطلب أوربان من جدتها إيلينا أن تخبرنا عن الوقت الذي سرقت فيه الإوزة مع الغجرالجدة إيلينا سعيدة للغاية للقيام بذلك ، لكنها بعد ذلك تدخل في حكاية عن رجل أصيب برصاصة في ردهة المبنى الذي تقيم فيه.

الوالد:

لدى أوربان أيضًا إمكانية الوصول إلى "كتاب سجل الجبال" لوالدها، وهو يسرد تفصيلا لرحلاته الطويلة في براري يوغوسلافيا السابقة متزامنة مع توقيت الحروب. يعيد الوالد العجوز ذو اللحية البيضاء و الجسد النحيل تمثيل نفس المسارات التي سجلها في التسعينيات، أثناء سرده ليومياته. سجّل تفاصيل دقيقة عن الوقت الذي يقضيه في الطبيعة بالساعة، و حالة الطقس في هذا اليوم، و درجة الحرارة بدقة. ذات مرة، قرر أنه يريد أن يمس مياه جميع البحيرات الأربع في المنطقة، وعليه أن يتفاوض في طريقه للقيام بذلك. يحكي تفصيليا عن كل ورقة وجدها، و هجرات الحيوانات، و صحبته للثعالب والخنازير البرية لسنوات بدل البشر، و زيادة عدد الصيادين، وظهور الأسلحة النارية من مخلفات الحرب. 

الأسرة تتسلق جبل ماجليتش في حين تشتد الحرب في كرواتيا في 1991. الأسرة تتسلق جبال القوقاز في 1995، في حين سراييفو ما تزال تحت حصار استمر ل 3 سنوات.

كل هذه التفاصيل و الوله بجمال بلاده، يقابله عدم اكتراث بتفاصيل الحرب التي خاضتها نفس البلاد. على ابنته أن تذكره بلطف بحجم مذبحة سريبرينيتشا، التي قتل فيها أكثر من 8000 رجل وصبي من البوسنة على يد القوات الصربية.

  ترمز شجرة الزيزفون العتيقة إلى ماضٍ تليد ليوغسلافيا و هي تقف شامخة أمام الكنيسة بينما يخرج الأب الصربي بوريسلاف و يحكي أنه يمر بنوستالجيا لذكرياته مع والديه كلما زار الكنيسة منذ 1965.

 التاريخ الأول هو 24 تشرين الثاني / نوفمبر 1990.

بينما كان أبي يزور قرية سيريفيتش ، يخبرنا عنوان سردي أنه تم فتح حفرة غولوبينكا في كرواتيا ، وكشف عن رفات 600 ضحية صربية قتلوا على يد أوستاشا في الحرب العالمية الثانية.  يظهر في اللقطات التلفزيونية قساوسة أرثوذكس يؤدون الصلاة على الجماجم والعظام ، والتي استخدمت مليا في الدعاية الصربية في التسعينيات.

Memorial signs with claims of victim counts, situated on the Bosnian side
 of the Sava river at Gradina. Photo: Petar Milošević CC BY-SA 4.0


أوستاشا: منظمة فاشية كرواتية نشِطت ما بين عامي 1929 و1945. قتل أعضاؤها الآلاف من الصرب واليهود والغجر والمعارضين السياسيين في المسرح اليوغوسلافي في الحرب العالمية الثانية. عُرفت المنظمة، بوجه خاص، بأساليب الإعدام الوحشية والسادية التي غالبًا ما كانت تشمل التعذيب وتقطيع الأعضاء.

العمة العجوز، عازفة البيانو، تقود دراجتها بتأمل، و تخبرنا كم تكره هذه الحثالة (مجرم الحرب رادتكو ملاديتش) و أشباهه الكثر.  تسأل لماذا يفعلون هذا باسمنا جميعا نحن الصرب؟ كانت صربيا هي المعتدي الرئيس الذي خلّف دمارا كبيرا لكل جيرانها. صربيا  تسببت في التقسيم العرقي بدلا من الانصياع لنتائج الاستفتاء السلمي في مطلع التسعينيات.

 الجيران، و النازحون:

تحكي عن القادمين الجدد هربا من الحرب، للعمل و السكن في مدينة نوفي ساد البعيدة عن الحرب.  تحكي عن جارة جديدة وحيدة مع ابنتيها تحاول حمايتهما. عملت في مدرسة، تعرفت عليها و علمت ان زوجها في الحرب و لا تعلم عن مصيره شيئا إن كان حيا او ميتا. غميت السيدة لما عاد زوجها فجأة. ضرب و سلب سيارته و كل ما يملك في فوكوفار. 14 قذيفة أصابت منزله و هو مختبئ في قبوه، لا يجرؤ على الخروج إلا ليلا يعس على تفاحة في حديقة تقيم أوده. ثم اعتقل من فوكوفار إلى معسكر بيجيجي المقام حديثا في المدينة ذات الأغلبية  الرومانية لنحو شهرين. حين خرج، استدل بطريقة ما على مكان زوجته في نوفي ساد. لقد أوذي مرتين من طرفي الصراع (صربيا و كرواتيا)؛ لأنه كرواتي و لأنه تزوج من صربية.

كل شيء في الفيلم له دلالتان.  مثل مدينة بيججي Begejci.

هذه هي المدينة التي غالبا ما ذهبت إليها عائلة أوربان للحصول على الطعام عندما كانوا فقراء. إنها المدينة التي ارتبطت بها ناتاشا بعض أجمل ذكريات طفولتها ، عندما زارت إحدى جداتها. وهي المدينة التي تم إرسال شقيقها الصغير إيغور إليها عندما قصفت طائرات الناتو نوفي ساد في نهاية الحرب.  في الوقت نفسه، هي المدينة التي أقامت فيها القوات الصربية معسكرا لأسرى الحرب في وقت مبكر من الحرب ، والمكان الذي تعرض فيه الكثيرون لانتهاكات جسيمة. مخيم سوي بالأرض في وقت لاحق لإخفاء كل آثار الانتهاكات. جاء الناس من الأماكن المحيطة بالمدينة للحصول على الطوب من المباني التي تم فيها الاحتفاظ بأسرى الحرب. ومعظم الطوب من المبنى تم استخدامه لاحقا لبناء كنيسة.

 1991:

تعطي اولوية لمشاهد المظاهرات ضد حكم ميلوسوفيتش، المغلفة برفض مبكر لما اعتبر حكما فاشيا جديدا. تتحدث (مع الفيديو الذي يظهر عنف الشرطة و تفريقها بالمياه و الضرب و غيرهما) عن القلق لثلاثة أيام دون خبر عن الأهل و عن الإصابات و من شارك و لو بحجر ضد الشرطة.

Protest in Belgrade, Serbia. September 1991

25 أغسطس 1991:

تذكر بوضوح دور (الميليشيات الصربية) مع القوات العسكرية في العنف في مدينة فوكوفار الكرواتية. المدينة المشهورة بالتزاوج بين المسيحيين الصرب و الكروات (أرثوذوكس و كاثوليك).

في تناقض رهيب: حيث تصل أول أفواج اللاجئين إلى صربيا فارين من الحرب، حين يبارك القساوسة الأورثوذوكس الميليشيات و الحرب التي تسببت في ذلك معلنين (أينما وجدت قبور صربية، فهذه أراض صربيا الكبرى).

و في تناقض آخر لما يحدث، يحكي الأب عن رحلته عبر الغابة محاولا الوصول لمحجر ما أعلى الجبل. يصف البيوت الفارغة و يقابل صديقا لم يره منذ اكثر من عشر سنوات و فجأة، يسمعون صوت الانفجارات.  يتأكد أنها من فوكوفار. يودعان بعضهما بعضا. يكمل رحلته.

موقع المحكمة الجنائية الدولية  ICTY on KOSOVO 

تسأل ناتاشا: أبي، هل كنت تعلم أن هناك 83 جثة لألبان كوسوفو اكتشفوا في شاحنة تبريد من مصنع لحوم متجمدة بدون لوحات ترخيص، مغمورة في نهر الدانوب؟ يجيب بوريسلاف والد ناتاشا: حسنا، أعتقد أني أعرف ذلك، لكني نسيت بصراحة!

لوحة توضح أن بين 1 أغسطس 1995 حتى نوفمبر 1995، قامت القوات الصربية بمحو آثار مجزرة سربرينتسا بتمزيق الجثث و نقلها لعدة قبور مرة بعد الأخرى.

Srebrenica memorial, coffins before burial 

تسأله عن الحرب حين قال إنه علم بسقوط كرايينا، بعدما نزل من تسلقه للجبل. فيرد : لا أدري لِمَ اضطرت قواتنا للتدخل في سربرينتسا؟ ترد ابنته بتلقائية و توضيح: تدخل؟ لقد قتلوا عددا مهولا. أتعلم كم يا أبي؟ خمّن. يجيبها: ألف! ترد: بل أكثر من 8000 رجلا في نحو يومين!

جمهورية كرايينا الصربية: منطقة غير معترف بها، مثلت الحكم الذاتي للصرب في كرواتيا من 1991-1995.  

 لم ينم (إيجو)، شقيق ناتاشا أثناء القصف إلا عندما عادت الطائرات فارغة. كانت أخبار التلفاز وحدها ما يربطه بالعالم الخارجي. كان حبيسا.  لكن طائرات الناتو دمرت برج التلفزيون القريب. فانتقل إلى قرية آمنة نسبيا(بيجيجي)، و غادر نوفو ساد. توسل إلى والديه للسماح له بالذهاب إلى فوكوفار ، لكنهم رفضوا. يتذكر، أنه كان واحداً من شخصين في الشارع بعد انطلاق صفارات الإنذار من الغارات الجوية للإشارة إلى بداية الخسوف عام 1999.

5 أبريل 1992: بداية حصار سراييفو. توضح المخرجة أن هناك قوات موالية (ميليشيات التشتنيك) و هناك (قوات أبطال نهاية الأسبوع) التي جاءت لقتل /لقنص المحاصرين في سراييفو.

في نهاية الفيلم، تمتزج الصور العائلية لتسلق جبل ماجليتش في البوسنة في حين علم يوغسلافيا عاليا على قمة الجبل خلف أفراد الأسرة و الحرب مستعرة في كرواتيا في 1991.

ينتقل الحديث لكيف كان يعيش أحدهم أثناء القصف لدرجة النوم في الحمام ليبتعد عن مصدر القصف. بينما تنتقل الصور لصور بديعة من الرمادي و الأبيض و الأسود لكرة أرضية و في ظلها دراجة في مشهد تصوير بديع نعتاده مع كل كسوف شمس.

ثم تنطلق اللوحات التوضيحية في 24 مارس 1999، لتحكي لنا كيف بدء ميلوسوفيتش حربا جديدة على ألبان كوسوفو تبعها صدام مع جيش تحرير كوسوفو مع حملة من التطهير العرقي. حتى تدخل الناتو. و فيديوهات لا تمحى للتفجيرات التي شنها الناتو على بلجراد. بينما يستمر في إخفاء آثار مجازره في الغابات و البحيرات مصنفا سرها ب (سر دولة).

قرب نهاية الفيلم، تسأل المخرجة والدها عن سبب توقفه عن المشي في الغابات العديدة في عام 1999. يقول إن الأمر كان خطيرا للغاية"، لكن ابنته تريد منه المزيد، يضطرب الأب و يصمت. يفضل عدم التحدث كثيرا عن الماضي. إنه يفضل أن ينسى. اختار بإرادته ألا يتذكر. أصر الوالد على ممارسة رياضته و تسجيل يومياته بينما تدور الحرب حتى توقف في 1999.  يقرأ السجلات من ذلك الوقت، ويعيد تتبع المسارات التي كان يسلكها في الماضي، ويحاول أن يظل هادئا و يتتبع خطواته إلى منازل العائلة السابقة حيث يقوم ، في النهاية ، بتحميل كل شيء، حتى (حوض المطبخ) أعلى سيارته ويغادر منطقة الميليشيات.

يصل للحكم بعض من يحاول رأب الصدع و التعاون مع الجنائية الدولية مثل (زوران جينجيتش) حيث اكتشفت بعض المقابر الجماعية، و قدم ميلوسوفيتش للمحاكمة. تبدد هذا الأمل، حين اغتيل زوران في 2003! ثم مات ميلوسوفيتش في محبسه.

زوران جينجيتش: أول رئيس وزراء غير-شيوعي لصربيا من بعد الحرب العالمية الثانية، في 12 مارس 2003 برصاصة قناص اخترقت قلبه وذلك أمام مبنى الحكومة.

موقع المحكمة الجنائية الدولية  ICTY

لكن في 2012، عاد لسدة الحكم أشباه و حلفاء ميلوسوفيتش من العنصريين و القوميين المتطرفين من ذات الحزب. و منهم ألكساندر فوفيتش. عرقل هذا النظام مفاوضات مع كوسفو و الاتحاد الأوروبي. وما يزال الوضع متأزما. بالطبع، لن يساعد هذا أهل صربيا في معالجة أزمتهم مع ذكرى الحرب، و ربما يؤجج النزعة العنصرية مرة أخرى. فهل من مجيب؟

عن صناعة الفيلم:

قطع فريق العمل رحلة مميزة للحصول على الصور و الفيديوهات عن الكسوف و أشارت في بحثها الأولي أنها تريد بعض الصور و فيديوهات لعمل فيلم خيال علمي.  أجاد فريق العمل في توليف و إنتاج الصور و الفيديوهات. بينما كانت الموسيقى المناسبة نتاج فريق اختارته بنفسها و أعطتهم الفكرة العامة و عملوا لإنتاج الموسيقى. و حاليا، يعلمون على إنتاج ألبوم موسيقى من موسيقى الفيلم. تنقل اللقطات لم يكن مربكا أو مشتتا رغم وضوحه لكنه سلس. و لأنها درست التصوير في بودابست؛ فتقول: "المواد الكيميائية الفوتوغرافية لا تزال تشم مثل الحرية بالنسبة لي".

رموز الفيلم:

الكسوف: و هو منشأ مغزى الفيلم.

النبات: هناك أمل، فالسيدة ماتزال تروي نبات الكركدية في مكتبها المهجور رغم احتمال تهديد القصف. إنها تتحدى الموت بالحياة.

الطبيعة الخلابة: استمرار الحياة. 

الحيوان: مشهد الخنزير الوليد على قش أرضية الفناء تشي بولادة حياة جديدة.  نقيض القسوة التي كانت تراها في عين الجد العجوز و هو يذبح الخنازير.

 نقد سريع للمهرجان:

 شاهدت الفيلم في مهرجان دولي. عاب المهرجان سوء طريقة العرض و الإضاءة، فعانينا في قراءة الترجمة الإنجليزية.

النوع: وثائقي. المدة: 110 دقيقة. اللغات الصربية ، الرومانية. الترجمة: الإنجليزية. إنتاج: النرويج. سنة الإنتاج: 2022. سيناريو و إخراج: ناتاشا أوربان (أول فيلم وثائقي طويل منفردة). مساعد مخرج : ألكسندر ريليجيتش. التصوير السينمائي: إيفان ماركوفيتش. تصوير سينمائي إضافي : ناتاشا أوربان.  التحرير: ييلينا ماكسيموفيتش. الموسيقى: جاريد بلوم، وبيلي جولد. المنتج: شركة إنجفيل جيسكي للإنتاج. الدعم: : Norwegian Film Institute، The Fritt Ord Foundation، Fund for Sound and Image، The Norwegian Artists 'Scholarship


Thursday, March 23, 2023

فيلم الكسوف - الجزء الأول Part 1 (Another True story on the eclipse of 11-8-1999)

كتبت د. إيمان الطحاوي  

By Dr. Eman Tahawy, Egypt

 Arabic post followed by the English translation 


ألا يكفينا من الزمان يوم واحد لنحكي قصتنا؟ بلى، فليكن يوم كسوف الشمس في الحادي عشر من أغسطس عام 1999. لم تكن هناك حرب، لم تكن هناك مجازر، لم يكن هناك سوى بشر يريدون أن يسابقوا الزمن ليشاهدوا هذا الحدث الرائع، عبر ما توفر لهم من إمكانيات. هذا يحضر ورقة آشعة، و هذا يشتري نظارة مخصصة، و هؤلاء سيذهبون إلى تلال مرتفعة لمشاهدة الحدث النادر الذي قد لا يتكرر في حياتهم.

كل بلدان أوروبا على هذا النحو. لكن هناك مشهد آخر مغاير تماما، حدث في بلدة صغيرة (قرية كروشا إي مادهي ) في كوسوفو، صربيا، البلقان. سمها ما شئت. هو اليوم ذاته؛ هنا و هناك.

خريطة كوسوفو- ويكيبديا


((ترك الصراع في كوسوفو في عام 1999 أكثر من 200 امرأة أرملة في قرية كروشا إي مادهي الزراعية، بينما فقد أكثر من 500 طفل هناك أحد والديه على الأقل)) - موقع الأمم المتحدة.

Krushë e madhe

كانت هناك أسر ما تزال تبحث عن جثث أو بقايا و رفات أحبائهم الذين عذبهم و قتلهم جنود الصرب و طمسوا هوياتهم و أخفوهم في الأرض و النهر و البحيرات و الغابات. تحت الطين و روث و جثث الحيوانات النافقة و بقايا الحجارة المتكسرة من البيوت المتهدمة! ذهب فريق من الطب الشرعي لأداء المهمة و نسوا أنه يوم الكسوف الكبير!

سنحكيه معا:

((قال: يا إلهي، إنه كسوف الشمس الجزئي. كنت قد نسيت ذلك ))

ثم تكدّس كل الفريق في قافلتنا الصغيرة، ثم نقلنا إلى قرية كروشا مادهي الخاوية. دُمرت معظم المباني السوداء تقريبًا. كالعادة، فُجّرت الأسطح، واختُرِقت الجدران بمئات من رصاص الكلاشينكوف.

وصلنا إلى ورشة عمل صدئة ومسطحة بسقف من الحديد المموج في حديقة ملأى  بالأعشاب البرية، و فيها سيارتان صدئتان داخل المنحدر.

أمسك ثلاثة رجال شرطة آخرين بالمجارف والفأس، وشقّوا طريقهم إلى منطقة في الحديقة، وطوّقوها بشريط مسرح الجريمة الملون باللونين الأصفر والأسود، ثم بدأوا في الحفر بالمعاول، في حين كان بقيتنا يشاهد تحت مظلة الترحيب. عادوا يسبحون في عرقهم بعد نحو خمس عشرة دقيقة.

قال أحدهم: “الحرارة اللعينة تغلي هناك”.

فجأة، حل الظلام عندما اختفت الشمس من السماء الصافية، وأصبح الجو باردا بوجه غريب ومظلما تمامًا.

هل هذا فأل حسن؟” سألت أندرو.

قال: “يا إلهي، إنه كسوف الشمس الجزئي. كنت قد نسيت ذلك “.

قال أحد رجال الشرطة مازحا: “كما قلت، يا روب، فأل”.

انضممت إلى أندرو ولانا واثنين من رجال الشرطة، وواصلنا الكشط والحفر حيث ترك الآخرون خندقًا كبيرًا ملحوظًا.

سرعان ما اختفى الهواء البارد مؤقتًا، وبدأت درجة الحرارة في الارتفاع الكبير. بعد نحو خمس دقائق فقط من الحفر و نحن نسبح في عرقنا، صادفنا ما بدا أنه سجادة دكناء مطوية وملطخة بالدماء، فتحناها لتتشكف لنا عن جثث ما يشبه طفلين.

ولوح أحد رجال الشرطة للآخرين في المأوى المنحدر، مشيرًا إليهم بالنزول، عندما وصل فجأة اثنان من الرجال الكوسوفيين، وأخرجوا آلات التصوير، وبدأوا في التقاط صور للأطفال الذكور الملطخين بالدماء والمشوهين لدرجة رهيبة الذين تبلغ أعمارهم نحو اثني عشر عامًا أو نحو ذلك.

ما هذا الذي يفعلونه؟ هذا هو مسرح الجريمة الخاص بي، إنهم يتجولون في كل مكان! “ صرخ جون في المترجمة الشابة إيرما.

تحدثت إيرما إلى الرجال، الذين تجاهلوا صخب جون. وتمتموا بردود لها و هم يواصلون  التقاط الصور.

بدت إيرما مرتجفة، ثم ترجمت سريعًا ما كانوا يقولونه:

لكيلا ينسوا مطلقا ما فعله الصرب بهم. و ليتمكنوا من إظهار الصور لأولادهم وأحفادهم “.

حسنا...! دعونا نخرج الجثث”، قال جون.

كانت جثث ما يشبه امرأة ورجلين ووجوههم مغطاة جزئيًا تحت الأطفال. طلبنا من إيرما إقناع الكوسوفيين أن الأمر انتهى ويجب عليهم المغادرة، وهو ما فعلوه، ويبدو أنهم مترددون، لكن راضون عما حققوه. نظر إلينا رجل، خمنت أنه في الخمسينيات من عمره، وربت صدره بيد واحدة كما لو كان يقول شكرًا لك.

عندما ذهبوا، طلب أندرو من أحد رجال الشرطة التقاط صور للضحايا في الموقع. لقد وجدت ذلك مثيرًا للسخرية، لكن صورنا التُقطت لأسباب مختلفة عن أسباب الكوسوفيين. عندما كشف شرطي خرق الملابس الممزقة التي تغطي وجوه الضحايا البالغين، شهقنا جميعًا بسبب مستوى التشويه الذي نالهم.

كانت أنوفهم وآذانهم مفقودة، وكانت هناك علامات على وجود ضربة عنيفة حول محاجر أعينهم الفارغة تقريبًا. تخلف في المحاجر دماء سوداء متجمدة فقط حيث كانت أعينهم ذا يوم. كان كل وجه مغطىً تقريبًا بقناع من الدم الجاف، أما ما نراه من أجسادهم، فكان متورما و مصابًا بكدمات شديدة. كان واضحًا أنهم تعرضوا للضرب وإطلاق النار عدة مرات.

شاهدت لك فيلم الكسوف- الجزء الثاني

شيء بقلبي: فيلم الكسوف- الجزء الثالث



     Wouldn't one day be enough to tell our story? OK...That would be the day of the eclipse, August 11, 1999. No war, no massacres. Just ordinary people attempting to witness this amazing incident as best they could. This man would get an x-ray sheet. Others would buy special glasses. Some would climb high hills to observe a rare event that may never happen again. In any European country, you can see the same scene. However, in a small village in Kosovo (Krusha i Madhi), a different scene unfolded.

By Robert Mcneil MBE, UK

John gathered the team together in the mortuary for the morning meeting. I had noticed him earlier in deep conversation with some civilians at the gates of the mortuary. “As you know, we’ve now dealt with almost all of the bodies stored in the reefer. Today we’re going to exhume a grave in a small village about five miles up the road. Apparently, there is a family of between five and seven people in the grave, who were allegedly executed by Serb paramilitaries a month or so ago. I’d like to introduce you to Irma, our interpreter for today.” A beautiful girl, her blonde hair in a tight bun, smiled slightly and nodded to us. She looked as if she were only in her late teens. John motioned to Kriss, Andrew, the anthro, and me to step outside. The group of civilians consisted of three local Kosovar men and a woman waiting on a tractor trailer to take us to the locus. Irma translated the details of the story they told her. She looked shocked as she listened intently to the horror story as told to her by the Kosovars. The family, she said, after being tortured, had been taken out of their home by Serbs, killed and buried. These people knew exactly where they had been buried. They wanted us to exhume the bodies, because they thought we would have the authority to then find and punish the perpetrators. John asked Irma to inform them that we couldn’t do that, but he would inform the people who might. The team then all piled into our small convoy of two Land Rovers plus an open truck and were led to the empty village of Krusha Madhe. Most of the blackened buildings had been all but destroyed. As usual, the roofs were blown off and the walls were pockmarked by hundreds of Kalashnikov bullets. We arrived at a rusty, flat, corrugated-iron-roofed workshop in a garden overgrown with weeds, with a couple of rusting cars inside the lean-to.

“OK, folks, suit up. It’s going to be another scorching day, especially in these f...ing paper suits, so make sure to drink plenty of water,” John said. One of the cops brought in two packs containing large bottles of cold drinking water and placed them on the bonnet of one of the old cars. Three other cops grabbed shovels and a pickaxe and made their way over to an area in the garden, cordoned it off with yellow and black police scene tape and then started digging with the shovels, while the rest of us watched from the welcome shade and shelter of the lean-to. After about fifteen minutes they returned, bathed in sweat. “F...ing boiling out there,” one of them said. “Next shift,” John said. “No more than fifteen minutes.” Suddenly, the sky darkened as the sun disappeared from the cloudless sky and it became strangely cold and quite dark. “Is this an omen?” I said to Andrew. “My goodness,” he said, “it’s the partial eclipse of the sun. I’d forgotten about it.” “Just as you said, Rob, an omen,” one of the cops joked. 

Kosovo, 1999


I joined Andrew, Lana and two of the cops and we continued scraping and digging where the others had left a significantly large trench. The temporarily cool air soon disappeared and the temperature began to rise dramatically. After about only five minutes of profuse sweating and shovelling, we came across what appeared to be a dark, soiled, blood-stained folded carpet, which we opened to reveal the bodies of what looked like two children. One of the cops waved to the others in the lean-to, motioning them to come over, when suddenly two of the Kosovar men arrived, produced cameras and started taking photographs of the bloodied and terribly mutilated male children aged around twelve or so. “What the f... are they doing? This is my f...ing crime scene they’re tramping all over!” John shouted at Irma, momentarily forgetting that he wasn’t at home working in a secure crime scene. Irma spoke to the men, who, ignoring John’s rant, muttered answers to her as they continued to snap away with their cameras. 


Irma, clearly shaken, translated at speed as the men spoke: “So they will never forget what the Serbs have done to them. So they can show the photos to their children and to their grandchildren.” “F... it!” John said. “Let’s get them up.” The bodies of what looked like a woman and two men with their faces partially covered lay underneath the children. We asked Irma to impress upon the Kosovars that it was all over and they should leave, which they did, seeming reluctant but satisfied with what they had achieved. One man, who I guessed was in his fifties, looked at us and patted his chest with one hand as if to say thank you. When they had gone, Andrew asked one of the cops to take photos of the victims in situ. I found this ironic, but our photos were being taken for different reasons than those of the Kosovars. When a cop uncovered the torn rags of clothing covering the faces of the adult victims, we all gasped at the level of mutilation carried out on them. Their noses and ears were missing, and there were signs of serious trauma around their almost empty eye sockets. All that was left in the eye sockets was blackened, congealed blood where their eyes had once been. Each face was almost covered in a mask of dried blood, and what we could see of their bodies was badly bruised and swollen. It was also clear they had been beaten and shot multiple times. 

When, at last, the cops had finished their CSI work at this scene of carnage, we loaded the five bodies carefully onto the truck driven by Timi. I joined Irma in the back of the Land Rover driven by Jack, the police sergeant from the Met who’d picked me up when I first arrived at Skopje Airport. We all stank of death, dirt and stale sweat. Irma looked at me for a moment, then she said quietly, “You have a terrible job.” Silence for a moment or two. “So do you,” I said, forcing a half-smile.

Sources: 

BOOK: Grave Faces: A Forensic Technician’s Story of Gathering Evidence of Genocide in Bosnia: Robert McNeil: 9781737171829: Amazon.com: Books 

Movie (The Eclipse, 2022)

Part 1 (Another True story on 11-8-1999)

https://shayunbiqalbi.blogspot.com/2023/03/1.html


Tuesday, March 07, 2023

NEW BOOK: A Surgeon and a Maverick: The Life and Pioneering Work of Magdi Yacoub

 A Surgeon and a Maverick: The Life and Pioneering Work of Magdi Yacoub

By Simon Pearson, Fiona Gorman, Mary Archer (Foreword by)

 



The incredible life story of a legendary cardiac surgeon and scientist Magdi Yacoub, an outsider who succeeded against the odds. 

Veteran journalists Simon Pearson and Fiona Gorman follow the remarkable life of heart surgeon Magdi Yacoub from his formative years in Egypt, through spectacular success at Cairo University, to his long and distinguished career in Britain. Although at times he clashed with the medical establishment in London, Yacoub pioneered great advances in heart surgery. He was knighted in 1992, and in 2014, he was awarded the highest honor in the gift of the Queen, the Order of Merit.

Written with unprecedented access and drawing on extensive interviews and research, the biography recounts how Yacoub transformed the treatment of children with congenital heart disease. He performed some of the first heart transplants in Britain and the first heart-lung transplants in Europe. At London's Harefield Hospital, he created the greatest heart transplant center in the world. Among his patients are men and women who are still thriving more than thirty-five years after he gave them new hope.

This story is also about science, the development of new medical techniques, and a deeper understanding of how the human body works. Today, at an age when most people have long since retired, Yacoub is still pushing the boundaries of scientific understanding and surgical know-how. He is also taking heart surgery to places that until now have had little access to cardiac treatment, developing centers of excellence across Africa, including in Egypt, where his hospital in Aswan has an international reputation, and a new center is rising in Cairo.

Yacoub's life is one of triumph and tragedy, success and failure, fierce criticism and high praise--it is also an enthralling journey through the worlds of scientific research and medical politics and ethics at the highest levels.

The author Simon Pearson and Fiona Gorman are a husband-and-wife team of author-editors who worked for The Times newspaper in London for more than thirty years. A former executive editor at The Times, Simon is the author of three books, including the bestselling biography The Great Escaper. Fiona has written on a range of subjects including mental health, and Simon contributes obituaries for The Times. They live in London. Dame Mary Archer is a British scientist specializing in solar power conversion. In 2012 she was appointed Dame Commander of the British Empire (DBE) for her services to the National Health Service.

ISBN: 9781649031969
ISBN-10: 1649031963
Publisher: American University in Cairo Press
Publication Date: July 25th, 2023
Pages: 416
Language: English


Editorial Reviews

"This is a story of a life well lived. Sir Magdi Yacoub has transformed medical practice and improved the lives of millions of people. He did this with intellectual creativity, determination, and a deep commitment to serving humanity."—Minouche Shafik, London School of Economics and Political Science

PRAISE FOR MAGDI YACOUB:

"Magdi has changed our definition of what is possible."—Gordon Brown, Former UK Prime Minister

"The world’s leading cardiac surgeon"—The Sunday Times

"Renowned heart specialist Professor Sir Magdi Yacoub"—The Guardian

“Recognized as one of the great pioneers of heart transplant surgery”—BBC Radio

Book Description:


The incredible life story of legendary cardiac surgeon and scientist Magdi Yacoub, an outsider who succeeded against the odds
About the Author
Simon Pearson worked for The Times newspaper in London for more than thirty years. He is the author of three books, including the bestselling biography The Great Escaper. He currently writes obituaries for The Times and lives in London.

Fiona Gorman worked for The Times newspaper in London for more than thirty years. She has written on a range of subjects including mental health. She lives in London.

Dame Mary Archer is a British scientist specializing in solar power conversion. In 2012 she was appointed Dame Commander of the British Empire (DBE) for her services to the National Health Service.

SOURCE: Amazon

More... (From the Heart: A Pioneer in Science and Philanthropy - A Conversation With Sir Magdi Yacoub) #AUC #EGYPT


Friday, March 03, 2023

سجين شيلون للشاعر الإنجليزي لورد بيرون The Prisoner of Chillon BY LORD BYRON

سجين شيلون، للشاعر الإنجليزي لورد بيرون.
تعريب الأستاذ محمود الخفيف
إلى الذين لا يلويهم شيء عما يعشقون من حرية



تمهيد

كتب بيرون هذه القصيدة الجميلة في فندق صغير في قرية بالقرب من لوزان، حيث عاقته رداءة الجو عن متابعة سيره، وقد أثار مرأى ذلك الحصن العتيق (شيلون) في قلبه ذكرى فرنسوا دي بونفارد الذي سجنه فيه دوق سافوي من أجل مبادئه الجمهورية عام 1570م وقد جعله بيرون بطل هذه الأقصوصة الخيالية الرائعة.

- 1 -

لقد علق الشيب بشعري ولكن لم تلده السنون، كذلك لم تبيض رأسي في ليلة كما تبيض رؤوس الرجال بغتهم الرعب.

وتقوست ساقاي. وإن لم يك ذلك عن جهد، بل لقد صدئتا في سكون موبق مهلك، إذ كانتا نهب الدمار في سجن مظلم تحت الأرض.

وكان حظي في هذه الدنيا حظ أولئك الذين لا يجدون في أرضها مضطربا، ولا في سمائها مسرحاً، إذ كان ذلك عليهم محرما.

على أن ما ألاقيه، إنما هو من أجل عقيدة أبي! أجل، من أجل تلك العقيدة أقاسي الأصفاد وأغازل الموت طالبا يده!

ولقد قضى ذلك الأب نحبه مستشهدا على خشبة الصلب، في سبيل مبادئه، التي لم يكن لينثني عنها، وفي سبيل هاتيك المبادئ عينها، يجد أبناؤه مأواهم في ظلمات السجن.

كنا سبعة، نحن الذين تراهم الآن واحداً فحسب، ستة في الشباب وواحداً في المشيب، انتهوا جميعاً كما بدأوا فخورين بما صبه الاضطهاد على رؤوسهم من نقمة.

ألقي بواحد في النار، وهلك اثنان في الميدان، حيث طبع الدم عقيدتيهما بخاتمه، وذهبا كما ذهب أبوهما في سبيل الله الذي أنكره أعدائهم، وألقي بالثلاثة الباقين في غيابة السجن حيث لم يعش منهم سواي أنا. . . حطامهم الباقي.

- 2 -

هنالك في سجن (شيلون) ذلك السجن العتيق العميق، توجد سبعة أعمدة أقيمت على النمط القوطي، سبعة أعمدة ضخمة شهباء، تتراءى كالحة على بصيص منبعث من شعاع كئيب سجين، شعاع من أشعة الشمس ضل طريقه، فسقط من خلال الشقوق في الجدار الضخم على أرض السجن، واخذ يزحف فوق تلك الأرض الرطبة المبللة كأنه خيال المذنب انعكس في مستنقع.

في كل عمود من تلك الأعمدة علقت حلقة، وفي كل حلقة ربطت سلسلة. آه. يا لهذا الحديد من آكل، فهاهي ذي أسنانه لا يزال أثرها في ساقي ولن يزول ذلك الأثر إلا بزوال هذا النهار الجديد، الذي تتأذى به الآن عيناي وتتألمان، لأنهما لم تريا الشمس هكذا تشرق منذ سنوات لا يسعني حصرها، فقد نسيت عددها وغاب عن وعيي تعاقبها الثقيل، منذ أحنى آخر اخوتي رأسه وفارق دنياه، وأنا بجانبه لا تزال تدب في جسمي الحياة!

- 3 -

أوثقونا كلا في عمود من تلك الأعمدة الحجرية وكنا ثلاثة معا، ولكن كل في معزل عن أخويه، ولم نك نستطيع أن نتحرك خطوة واحدة، ولم يك يتسنى لأحدنا أن يرى وجهي الآخرين لولا ذلك الضوء الشاحب الأغبش الذي جعل كلاً منا غريباً في عين أخيه: وهكذا كنا معا وإن كنا في الوقت نفسه منفردين، كانت أيدينا مغلولة مربوطة، ولكن قلوبنا كانت تذوي من الحزن.

على أننا مع ما كنا نقاسيه من حرمان أنفسنا من عناصر الحياة الصافية وجدنا بعض العزاء أن كنا نستطيع أن نتحادث ويسمع كل منا كلام أخويه فيسري كل عن الآخرين بما ينشد من أمل جديد أو بما يذكر من أسطورة قديمة أو بما يتغنى به من نشيد حماسي من أناشيد البطولة ولكن هاتيك التعلات وا أسفاه تسربت إليها في النهاية برودة المكان، وصار لأصواتنا رجع كئيب موحش هو الصدى المرتد من أحجار ذلك السجن، صارت أصواتنا حبيسة ضعيفة ولم تعد كما كانت بالأمس طليقة مليئة. ربما كان ذلك وهما ولكني لم اعد أتبين في تلك الأصوات أصواتنا السوالف.

- 4 -

كنت أكبر هؤلاء الثلاثة، وكان علي أن أشد أزر أخوي وأسري عن قلبيهما، ولقد قمت من ذلك بأحسن ما استطعت، وكذلك قام كل منهما بما وسعه.

وتالله لقد حرك الحزن نفسي من أعماقها، وبلغ الأسى منها كل مبلغ من أجل أخي الأصغر، ذلك الفتى الذي أحبه أبي لأنه كان يرى في جبهته جبهة أمه، وكان يرى في عينه لازورد السماء.

وفي الحق أنه مما يذكي القلوب أسى أن يرى مثل هذا الطائر في مثل ذلك القفص. ذلك لأنه كان جميلاً كالنهار حين كان يبدو لعيني من جمال النهار بقدر ما يبدوا منه لأعين النسور الفتية المحلقة في جو السماء؛ كان جميلاً كنهار القطب، لا يرى الغروب حتى يتصرم صيفه، ذلك الصيف الصاحي الطويل زمن ضوئه ابن الشمس المتشح بياض الثلج.

كان أخي شبه ذلك النهار في نقائه وبريقه وكان عذب الروح يفيض بالمرح، ولا تعرف عيناه الدموع في شيء، اللهم إلا فيما ينال الآخرين من شقاء، وهنالك تفيضان كما يفيض الغدير المنحدر من الجبل، ولن يرقأ دمعه حتى يدفع ذلك الشقاء الذي أزعجه مرآه وأمضه.

- 5 -

وكان الآخر مثله في صفاء الروح، ولكنه خلق محارباً مقداما، فكان قوي البنية، متين الأعضاء، له من قوة الإرادة ما يتحدى به العالم في ساحة الحرب، وكان أشد ما يبهج نفسه أن يتاح له الموت في طليعة الصفوف، لا أن يذوي هكذا في الأغلال.

ولقد أوهن روحه صليل تلك الأغلال حتى ذبلت كما تذبل الزهرة، ورأيتها تتساقط شيئاً فشيئاً، وفي الحق لقد نالني مثل ما ناله، ولكني تجلدت لأبقي على حشاشة هذا البيت العزيز الغالي، وكان أخي هذا صائداً يطارد الغزلان والذئاب على متون التلال، ولذلك كان يرى في هذا السجن أقبح هوة وفي تصفيد قدميه أسوأ عذاب.

- 6 -

كان تقع بحيرة ليمان تحت أقدام ذلك الحصن على عمق ألف قدم. وكانت لججها تتلاطم وتعج حتى لتصل إلى رأسه وتجعل قياس عمقه يبدأ من تلك الرأس البيضاء التي كانت تكتنفها الأمواج من جميع النواحي، وتجعل مع الحائط من الحصن سجنين؛ وتدعه كالقبر الحي!

وكان يقع القبو الذي ألقي بنا فيه تحت سطح البحيرة، وكثيراً ما سمعنا موجها فوق رؤوسنا يلطم الجدران بالنهار والليل ولقد أحسست ثبج الشتاء يضرب القضبان في الريح العاصفة ورأيته ينبعث صعداً نحو السماء الهانئة.

وعند ذلك أرتج الصخر وهو الصخر، وأحسسته يهتز وما هو بالمهتز، ذلك أني كنت حينئذ أستطيع أن ابتسم، أن أرى الموت الذي يطلقني من هذا الأسر!

- 7 -

ذكرت أن أقرب الأخوين إلى مكاني تساقطت نفسه وذوى عوده، وكذلك ذكرت أن قلبه القوي انصدع وانسرقت قوته.

عزفت نفسه عن الأكل وعافته، ولم يك ذلك لما كان عليه من قبح ووحشية، فقد ألفنا طعام الصيد ورضنا أنفسنا عليه.

أبدل ما كنا نشربه من لبن تجود به غنمات الجبل، بماء أتوا به من الخندق، وكان الخبز الذي يلقى إلينا على حال أحسسنا معها كأن دموع الموثقين البائسين قد سقته فألانته آلاف السنين، منذ ألقى الإنسان ببني جنسه أول مرة في الأصفاد كما يفعل بضواري الوحوش!

ولكن ما كان ليضيره ذلك أو يضيرنا، لم يكن ذلك ما أذاب قلبه وفت في عضده، فقد كانت روح أخي من ذلك الطراز الذي تتسرب إليه برودة الموت حتى ولو كان في قصر، إذا حيل بينه وبين شعاب الجبال وجوانبه الحادرة. وليت شعري لم أخفي الحقيقة وأؤجل النطق بها. . . لقد لفظ أخي أنفاسه.

رأيته يموت ولكن وا حسرتاه لم أستطع أن اسند رأسه، لا ولم استطع أن أمسك بيده وهي تموت ولا بعد أن همدت فيها الحياة، لم أستطع شيئاً من ذلك ولو أني تنزيت في الحديد وحاولت عبثاً أن أفك السلاسل واجعل أصفادي شطرين. لفظ أخي أنفاسه، ففكوا سلاسله وحفروا له لحدا قليل العمق، وقد جعلوه هكذا قريب القرار في مثل تلك الأرض الباردة أرض ذلك القبو.

ولقد توسلت إليهم أن يمنوا علي بسلوة لنفسي فيدفنوا جثمانه في بقعة يقع عليها ضوء النهار وهي فكرة سخيفة، ولكنها أوحت إلى نفسي أن قلبه الذي فطر على الحرية لن يجد حتى في ضجعة الموت راحة في مثل ذلك ا وكان أولى بي أن أكفي نفسي عناء هذا التوسل، فما أغنى عني منهم شيئاً، إذ ضحكوا في برود ثم وسدوه وسدوا عليه حيث سجنوه، وهناك رقد ذلك المخلوق الذي أجزلنا له الحب تحت أرض منبسطة لا ينبت فوقها عشب، ترتكز فوقها السلاسل المفرغة والأغلال نصبا ملائما لذلك الاغتيال!

- 8 -

ولكن الآخر، ذلك الفتى الحبيب الذي كان يشبه الزهرة، ذلك الذي أعززناه منذ أن رأت الوجوه عيناه، ذلك الذي كان يحمل صورة أمه في وجه صبوح. ذلك الطفل الذي تحب فيه الطفولة جميعاً، ذلك الذي كان أحب وأعز خيال إلى أبيه الشهير، والذي اصبح في السجن آخر ما بقي لأعنى به، والذي كنت من أجله أجهد أن أبقي على حشاشة نفسي، عسى أن يقلل ذلك من شقاءه وعسى أن تتاح له الحرية يوماً ما؛ أقول حتى ذلك الأخ أيضاً، ذلك الأخ الذي ظل إلى ذلك الوقت محتفظاً بروح ذاتية أو موحاة، غلب على نفسه في النهاية ورأيته يذبل كما تذبل الزهرة على غصنها يوما بعد يوم.

يا إلهي! إنه لمما يبعث الرعب في القلوب، أن نرى الروح البشرية تنطلق مولية في أية صورة وفي أي موقف، ولقد رأيتها من قبل تنطلق في دم مسفوح، ورأيتها في البحر الثائر تجاهد الموج المنتفخ القاذف، ورأيت المضاجع المحتضرة مضاجع الذين أسرفوا على أنفسهم يشيع فيها الهذيان من شدة الهول، رأيت ذلك كله وما حوى من صور مرعبة، ولكن رزئي في أخي كان فاجعة.

لم يصحب موته هول مما أسلفت، وإنما أسلم روحه مستيقنا غير معجل، وتساقطت نفسه ومضى هادئا وادعا، أكثر نعومه في نحوله، وابرز جمالا في ضعفه؛ ذهب غير دامع المقلتين ولكنه عطوف رؤوف، حزين على من خلفهم وراءه؛ سار للموت وفي وجنتيه نضرة بدت كأنها تهزأ بالقبر! ولقد ذهبت صبغتها في رقة وهدوء كما يتلاشى في السماء قوس الغمام؛ سار وفي عينيه بريق يكاد ومضه يضيء ذلك القبو.

مات لم أسمع له غمغمة ولا أنة تحسر على هذا الذي انتابه قبل أوانه. لم أسمع سوى كلمات قليلة عن حياة هي خير وأبقى، وإشارة طفيفة إلى الأمل أراد بها أن يثيره في نفسي إذ قد غرقت في السكون، وأحسست بفقدان روحي في ذلك القفر الذي عظم عندي عن كل قفر.

وأخيرا توانت وتضاءلت تلك التنهدات التي كان يحاول كتمانها، تلك التنهدات المنبعثة من هزال نفسه المتلاشية.

أصخت بسمعي، ولكني لم اسمع شيئاً، فصرخت إذ ذهب الهلع بلبي، فعدت في وحشية المذعور ثم أدركت أني صرخت عبثاً؛ ولكن هلعي ما كان لينهنه بزجر، لذلك عاودت الصراخ واحسبني سمعت صوتا، وإذ ذاك فصمت سلسلتي في وثبة قوية وأسرعت إليه ولكنني لم أجده!

وما فعلت سوى أن رحت أحدق في تلك البقعة القاتمة، وما أحسست سوى أني مازلت حيا وأن رئتي تتنفسان ذلك الهواء الرطب اللعين هواء القبو.

وهكذا انكسرت تلك الحلقة التي كانت تصلني باللانهاية، والتي كانت تربطني بتلك السلالة المضمحلة التي انحدرت منها؛ انكسرت في ذلك المكان المهلك تلك الحلقة الوحيدة آخر الحلقات واعزها جميعا لدي. وبات أخواي أحدهما تحت الأرض والآخر فوقها وكلاهما لا ينبض فيه عرق.

أخذت بيدي تلك اليد التي تدلت هامدة، ولكن يدي وا حسرتاه كانت مثلها في برودتها. ولم أعد أجد في نفسي القوة لأن أتحرك أو أناضل، ولكني على الرغم من ذلك أحسست أني ما زلت حيا، وتملكني ذلك الشعور المضطرم الذي لا يقر، ذلك الشعور الذي يكون مبعثه إدراكنا أن الشيء الذي أوليناه محبتنا لن يعود أبداً إلى ما كان عليه. وليت شعري لم عجزت عن أن أضع حدا لتلك الحياة؟ لم يعد يربطني بالأرض أمل. ولكن ظلت لي فيها عقيدتي وهي التي حالت دون أن أقتل نفسي.

- 9 -

أما ما كان من أمري بعد ذلك، فلست أتبينه تماماً. لا أذكر سوى أنني فقدت شعوري أولا بالضوء ثم بالهواء، وأخيراً بالظلمة نفسها. لم أعد أفكر في شئ أو أحس شيئاً، ووقفت حجراً بين الأحجار. كنت كالصخرة الجرداء يغشاها الضباب، إذ لم يكن حولي سوى الفراغ والكآبة والظلام. لم يعد ثمة ليل ولا نهار؛ حتى ولا ذلك النور البغيض نور القبو الذي كان ينفر منه بصري الكليل، لم يبقى إلا الفراغ الذي فني فيه الكون كله فلا أحس سواه، والوجود الذي لا يرتبط بمكان في معناه!

لم يعد ثمة سماء ولا أرض، ولم يعد ثمة ثبوت ولا تحول ولا زمن ولا خير ولا شر، لم يكن هناك سوى السكون، والتنفس الذي لا يبعث حركة فلا هو إلى الحياة ولا هو إلى الموت.

كنت في بحر من الخمود الراكد تغشاه الظلمة، لا تدرك له نهاية، ولا يسمع فيه صوت، ولا تحس فيه حركة!

- 10 -

طافت بعقلي بغتة بارقة من النور؛ كانت غناء حلوا تغنى به طائر، غناء انقطع ولكنه ما لبث أن عاد؛ ولقد كان أجمل سجع سمعته الآذان! طربت له أذناي حتى دارت عيناي تتبعان هذه المباغتة السارة، في تلك اللحظة لم تستطيعا أن تريا إني حليف الشقاء، ولكن حواسي عادت في خطا كئيبة إلى طريقها التي الفتها، ورأيت جدران القبو وأرضه تدور فتلتف حولي في بطئ كما كانت من قبل، ورأيت ذلك البصيص المنبعث من الشمس يزحف كما كان يزحف من قبل؛ بيد أني رأيت ذلك الطائر في تلك الكوة التي دخل منها الشعاع يقف مشغوفاً أليفاً كما لو كان فوق شجرة، بل اكثر ألفة مما لو كان هنالك. كان طائراً جميلاً ذا جناحين أزرقين وغناء جم المعاني؛ ولقد خيل إلي إنه تغنى بتلك المعاني جميعاً من أجلي! وما وقعت عيناي من قبل على طائر مثله ولن تريا بعد شبيهاً له أبداً. وبدا لي كأنما كان يعوزه إلف كما كان يعوزني إلف، ولكنه لم يصل إلى نصف ما كنت فيه من وجد ووحشة. وكذلك بدا لي إنما قد جاء ليهبني حبه، على حين لم يبق لي من يهبني ثانية مثل ذلك الحب. ولقد جعلتني هذه البشرية المنبعثة من حافة القبو أشعر ثانية وأفكر ولست أدري أكان أطلق سراحه حديثاً أم أنه كسر قفصه وجاء ليطل عليّ قفصي! ولكني أيها الطائر الجميل وقد عرفت معنى الأسر لن أستطيع أن أريده لك!

وليت شعري لعله زائر من الفردوس تنكر في جناحين! ذلك إني كنت أفكر أحياناً أنه ربما كان روح أخي هبطت إلي. ولتغفر لي السماء تلك الفكرة، تلك اللحظة التي جعلتني أذرف الدمع وجعلتني ابتسم ولكنه في النهاية ولى بعيداً عني، وإذن فقد كان من بني الفناء؛ عرفت ذلك حق المعرفة. وإلا فما كان ليذرني هكذا في وحدة أحسستها ضعفين: وحدة كنت فيها كما يكون الجسد في أكفانه، أو كما يكون السحاب المنعزل: ذلك السحاب الفريد الذي يتراءى في اليوم الضاحي حينما تكون نواحي القبة صافية كلها فيبدو في الجو كعبوس لا موجب لظهوره والسموات طلقة والأرض في بهجة.

- 11 -

طرأ على حالي نوعاً من التغير إذ أصبح آسري ذوي رحمة؛ ولست أدري ماذا جعلهم كذلك وقد ألفوا مناظر الشقاء، ولكن ذلك ما حدث. بقيت سلسلتي المكسورة منفصمة الحلقات. وكانت الحرية عندي أن أتجول في صومعتي من جانب إلى جانب، وأن أقطعها طولاً وعرضاً، وأن أطأ أرجاءها جميعاً، وأدور حول كل عمود، ثم أعود إلى حيث بدأت، لا أتجنب وأنا أطأ الأرض بقدمي إلا ذينك القبرين العاريين: قبري أخوي. ذلك أني كنت إذا ظننت أن وطأة على غير قصد مني قد أهانت مضجعهما الخافض، ينبعث نفسي لاهثاً كثيفاً، وينقلب فؤادي المتحطم ضريراً عليلاً.

- 12 -

تسلقت الحائط ولكني ما أردت الهروب. فقد غال الردى كل من كانوا يحبونني من البشر، ومن ثم صارت الأرض كلها عندي سجناً أكثر سعة مما أنا فيه، لم يكن لي ولد ولا والد ولا ذو قربى، ولا شريك فيما ألاقي من شقاء.

ذكرت ذلك فاغتبطت به لأن فكري في هؤلاء قد أورثني الجنون، ولكني كنت أتطلع إلى تسلق الجدار حتى النوافذ التي تعترضها القضبان. كما كنت أتطلع إلى أن أصوب بصري مرة أخرى في هيام إلى تلك الجبال الشاهقة.

- 13 -

رأيتها لما تزل على ما كنت عليه فلم تنل منها يد التغيير كما نالت مني في الأغلال؛ ورأيت الثلج الذي يكلل هاماتها منذ آلاف السنين كما رأيت البحيرة الواسعة الطويلة اسفل منها، ونهر الرون الأزرق في أشد فيضه وسمعت جارف السيل يتلاطم ويندفق فوق الصخر المتشقق والجذوع المتحطمة؛ وأخذت عيناي المدينة النائية البيضاء المنازل، كما لمحت القلاع التي تفوقها ابيضاضاً تجري مسرعة؛ ثم وقع بصري على جزيرة صغيرة تراءت حتى لي أنا باسمة، ولم يلح سواها أمام نظري؛ جزيرة صغيرة خضراء ظهرت كأنما لا يزيد عرضها على ذلك إلا قليلا، قامت فيها ثلاث شجرات باسقات، وكانت تهب عليها نسمات الجبل وتجري بجوارها المياه، كما كانت تنمو فوقها زهرات جميلة اللون عاطرة الأنفاس.

ورأيت فيما رأيت السمك يسبح إلى جدران السجن؛ ولقد بدا للعين مرحا: وحداته وجماعاته؛ وأبصرت النسر يركب متن الريح الهائجة، ويخيل إلي إني لم أره من قبل في مثل تلك السرعة. وعندئذ اخضلّت عيناي بدمع جديد وتبلبل خاطري، وودت لو أني لم انطلق من تلك السلاسل، ولما نزلت أحسست كأن الظلمة في مأواي الكدر تقع عليّ كأنها حمل ثقيل: كانت كأنها القبر ينطبق عليّ من جهدنا في خلاصه، وأحس بصري وقد انقلب إلى هكذا محزوناً كأنه يطلب راحة كراحة القبر.

- 14 -

ولست ادري كم لبثت بعدها في ذلك القبو، ربما كانت شهوراً أو أعواماً أو أياماً. لم أحص لها عدداً ولم ألق إليها بالاً ولم يك ثمة من أمل يرفع عيني ويمسح عنهما القذى المحزن. وأخيراً اقبل الرجال ليطلقوني من الأسر، فلم أعن أن أعرف ما سبب هذا ولا حفلت أين اذهب، فلقد تساوى في النهاية عندي الفكاك والقيد. وتعلمت أن أصالح على اليأس نفسي. ولذلك حين أقبلوا يطلقونني وحين ألقيت جميع السلاسل جانباً، أحسست أن تلك الجدران السميكة قد صارت لي معتكفاً وأصبحت علي وقفاً؛ وكأني شعرت نصف شعور ساعتئذ إنهم أتوا ينتزعونني من وطنٍ ثان. لقد اتصلت بيني وبين العناكب أسباب الصداقة، وكنت أراقب عملها الدائب، كما كنت أرى الجرذان في نور القمر. وليت شعري ماذا يدعوني أن أحس أنني دون هؤلاء جميعاً؟ لقد صرنا آلاّفا جمعتهم وحدة المكان.

وكنت أنا فيهم ملك الجميع، ولي الحول أن اقتل أنى شئت! ولكنا تعلمنا أن نعيش معاً هادئين، وذلك لعمري من عجيب الأمور! في ذلك السجن توثقت الألفة بيني وبين الأغلال ذاتها. وهكذا ينتهي بنا طول الاعتياد إلى ما نصير إليه فهأنذا الذي لاقيت ما لاقيت قد تنهدت حينما عادت حريتي إلي!

 نشر أولا في مجلة الرسالة 1937
الجزء الأول بتاريخ: 01 - 02 - 1937
و التتمة بتاريخ: 08 - 02 - 1937


و هنا ترجمة أخرى:



و تجدون الأصل بالإنجليزية هنا

The Prisoner of Chillon BY LORD BYRON



Wednesday, March 01, 2023

فهرس بعض الخسارات، ترجمة سمير جريس 1

مقتطف من حوار:(سمير جريس: مع كل عمل يتقلص يقيني بشأن الترجمة المُثلى)
الشرق الأوسط، 09 أغسطس 2022:


س: يتسع «فهرس بعض الخسارات» للتاريخ والعلم والخيال، كيف كانت انطباعاتك عن ترجمة كتاب يوديت شالانسكي وفلسفة هذا التجربة؟

- هذا الكتاب من التجارب الممتعة في الترجمة، وكذلك من أشقها. هو كتاب فريد، يمزج الوقائعَ التاريخية والعلمية بالخيال الروائي، وفيه تقدم يوديت شالانسكي وجوهاً مختلفة لتراجيديا الفناء والزوال.

والحقيقة، على قدر بهجتي بهذه التجربة، كان حزني على مصير الترجمة. لقد انتهيت منها مطلع عام 2020، لكنها لم تصدر إلا في ربيع هذا العام قبيل معرض أبوظبي للكتاب. الكتاب يبدو كالشبح، لا يجده أي شخص في أي مكتبة، لا في مصر ولا خارجها. وهذا شيء محزن للغاية الحقيقة.



س: عادةً ما تكون عين المترجم على النقل الأمين وجودة الترجمة من جهة وفنون الأسلوب واللغة من جهة أخرى، كيف تتحرك بين هذين الهامشين بما يدعك مطمئناً في النهاية للترجمة التي تحمل توقيعك؟

- لخصت بسؤالك إشكالية مهمة من إشكاليات الترجمة، بين الوفاء للأصل، وبين مراعاة مقتضيات اللغة الهدف.

المترجم مثل لاعب السيرك، عليه أن يسير على هذين الحبلين، ويتوازن، فلا ينبغي في رأيي أن يكون نقله أميناً إلى الدرجة التي تشعر فيها في كل سطر أنك أمام نص مترجم، بل ركيك يحاكي أحياناً بنية اللغة الأصلية، وفي الوقت نفسه عليه أن يحرص على ألا تضيع كل سمات النص الأصلي، فيصبح مسخاً بلا روح. هي إشكالية كبيرة، وكل مترجم يحاول أن «يتوازن» على الحبلين بطريقته.



س: بعد مسيرة طويلة من العمل الاحترافي للترجمة، هل ترى أن مشكلات الترجمة تتقلص، أم أنها تفتح مع الوقت والتجربة مزيداً من الأسئلة التي تخص اللغة والسياق الثقافي والفني؟

- الترجمة من الأعمال التي كلما مارستها، تعرفت على مزيد من إشكالياتها. ومع كل عمل، يتقلص يقيني بشأن «الترجمة المثلى». بالطبع يكتسب المترجم خبرة تمكنه من تجاوز عديداً من العوائق، لكن المترجم –وأتكلم هنا عن نفسي - يزداد وعياً بمدى عجزه عن نقل كل شيء إلى اللغة الأخرى، فهكذا، بمرور السنين يزداد وعيي بما يفقده النص الأصلي خلال الترجمة. لكن هذا شيء في صميم عملية الترجمة، لذلك أطلق عليها الكاتب وعالم اللغويات الإيطالي أمبرتو إيكو «عملية تفاوض»، لا يمكن أن تحصل خلالها على كل شيء، بل يجب أن تتخلى عن شيء، لتكسب شيئاً آخر.

"قلب مفتوح"

تعرف على صانعي الأفلام المرشحين في 2013 لجائزة الأوسكار: كيف ديفيدسون - "قلب مفتوح"   ملاحظة المحرر في IDA:   ترشيح Open Heart  لج...