نستكمل القراءة..مع د/ إيمان الطحاوي
إنهم يحملون الدين كل
خطاياهم:
هل كانت وحدة الدين ذريعة لأجل حكم
شامل أوروبي؟ هل كانت تخبيء وراءها أطماعا اقتصادية؟ الدين المسيحي لم يأمر بهذا قط.
رجال الدين: ليسوا هم الدين..الحكام: لم يخولهم أحد ليتحدثوا باسم الدين ..تستطيع
أن تعيد نفس الجمل على أي دين آخر..الدين لا علاقة له بما يفعله أحد باسمه.
تكررت هذه المجازر حين استأصل
الأوروبيون الكاثوليك السكان الأصليين في الأمريكتين. بل و زينوا فعلتهم هذه بإعلام
مخادع جعلك تتعاطف مع الغزاة ضد أصحاب الأرض الأصليين.
كيف تتعلم دينا جديدا؟
دينيا، لم يفلح الإسبان في تعليم
المتنصرين الجدد أية تعاليم من الدين الكاثوليكي. فالدين ليس تعليما فقط بل هو اقتناع
و إيمان بلا خوف. كما أن الإسبان لم يملكوا العدد و لا المعلمين المتمرسين لنشر
الدين في أنحاء الأندلس بينما هم أنفسهم يفتقدون التعليم و الفهم الصحيح للرسالة
الدينية. و في هذا الأمر، أفرد الكاتب فصلا أسماه (بيت مليء بالأفاعي و العقارب).
كيف تم انتزاع الهوية
الأندلسية؟:
حاول الإسبان لمدة ثلاثة أجيالَ ليحدثوا
التغيير الشامل في الهوية. و الجيل هو مرحلة التعاقب الطبيعية من أب إلى ابن، ومدته
ثلاث و ثلاثون سنة. نظريا، يعتبر الجيل الثالث أكثر اندماجا بالمجتمعات الجديدة كما
يحدث عند الهجرة مثلا. و هنا صارت الأجيال الجديدة أكثر بعدا عن دينهم و تاريخهم و
قيمهم تحت هذا الحكم الغاشم. لأنهم ببساطة اكتسبوا لغة و هوية جديدة في بيئة
مختلفة عن تلك التي عاشها أجدادهم..صاروا شخصا آخر و تعايشوا أكثر مع التنصر. إنه جيل وليد قرن من التعذيب و التفكك. جيل
استقر الدين عنده في عنده في القلب دون عادات أو عبادات. ثم تحول الدين عنده إلى
تاريخ ثم نسي إلا من رحم ربي. انتصر الإسبان (نسبيا) في نزع الهوية الأندلسية بفعل
الزمن بجانب التعذيب. و قد كان مكرهم كبيرا حين انتزعوا بعض ابناء المسلمين لأسباب
و قوانين جائرة. كما خيروا من يريد الرحيل أن يترك ابناءه لتتبناهم أسر إسبانية
نصرانية على دين جديد..أي شخص قد يترك كل ما يملك هربا بنفسه و حياته لكنه لن يترك
ابناءه أبدا. فالأبناء هم زرع المستقبل و
مستودع الماضي.
هل يعقل تغيير دين قوم استمروا عليه
ثمانية قرون في ثلاثة أيام؟ إن الإيمان راسخ في قلوبهم عن يقين فلا هم مذبذبون ولا
حديثو عهد بهذا الدين. كيف اعتقد الإسبان بسهولة انتزاع الدين الإسلام من القلوب بإرهاب
محاكم التفتيش؟ لنفترض النقيض تماما، انتزاع النصرانية الكاثوليكية من قلوبهم
مثلا! لا يعقل.
أليس فيهم رجل رشيد؟
هل هناك في إسبانيا النصرانية من
اعترض على هذه الجرائم و اعتبرها معادية لروح الدين و الانسانية؟ كان هناك
اعتراضات فردية على بعض التصرفات الجائرة و اعتراضات على التهجير بهدف المصلحة الاقتصادية بالأساس. لكن الجميع –الإسبان- كان
يشترك في نقطة واحدة و هي احتقار و كراهية المسلمين في الأندلس لأسباب ادعوا أنها
دينية..و الكراهية دوما هي منشأ كل الجرائم صغيرها و كبيرها.
إنني استطيع مناقشة مبرر واحد – رغم عدم معقوليته كسبب- لهذا التعذيب
و محاكم التفتيش. لو أن الإسلام دخل الأندلس مرغما أهلها على اعتناقه بالتعذيب و محاكم
التفتيش. الانتقام، حجة لا مبرر لها بالأساس. و قد استمر الحكم الإسلامي لقرون بسلام
و تعايش بين الأديان الثلاث. و حقق الحكم الإسلامي ازدهارا حضاريا و عمرانيا قبل
سقوط الأندلس. فلماذا إذن كل هذا الحقد؟ لدرجة أن هناك كتب ألفها الإسبان النصارى
مدافعين عن محاكم التفتيش بوصفها "المبررة"! لا مبرر للحقد.
و من الملاحظ أن شك الإسبان في ولاء الموريسكيين
(الأندلسيين) استمر طوال قرن من الزمان. ففي كل فترة يتم تقييم درجة تنصر
الأندلسيين بسبب الشك في احتفاظهم بدينهم الإسلامي سرا. و كلما ابتعدوا نحو القرى و
الجبال أو الأماكن البعيدة عن الحواضر و المدن، كانت درجة التمسك بالإسلام أعلى
رغم تنصرهم الظاهري.
قوانين نقاء الدم و التمييز ضد كل من له أصول أندلسية.
من استطاع الحفاظ على هويته و لغته و
دينه؟ من هاجر لبلاد إسلامية عربية. رغم أنهم في بعض الأحيان اعتبروا مرتدين أو
نصارى. البقية لم تهجر لكن لم يساعدهم أحد على مدى قرن من الزمان. فمن سيحاسب على هذا الإهمال و الضياع؟ المسلمون
في هذا الوقت و حكامهم مسؤولون. كان هناك محاولات ضعيفة لم تنجح لا في استعادة
الحكم و لا توفير الأمان لهؤلاء الموريسكيين. صاروا كالأيتام على موائد اللئام. كان
هناك محاولات عقلانية و مراسلات لإقناع كبار رجال الحكم و الدين بالسماح لهم بأبسط
الحقوق مثل الزي و اللغة و نمط الحياة و النظافة العامة..لكن الجواب كان مزيدا من
التعسف و التحكم في أدق تفاصيل حياتهم.
المحرمات: (كاللباس والحناء والاسماء
العربية والاغتسال و الوضوء و الاذان
والصلاة والصوم و أكل الكسكسي و رفض اكل لحم الخنزير ورفض شرب الخمر). و لأن اللغة
تعني الهوية دائما..فقد حرمت الكنيسة اللغة العربية قولا و كتابة و فرضت اللغة
القشتالية.
أما محاكم التفتيش و التعذيب فشرحها
يطول. ولها سنفرد حلقة منفصلة بإذن الله.
أما الأمان و الشعور بالقلق الدائم من
الترحيل و التفتيش على كل صغيرة فهو العبء الأكبر على مسلمي الأندلس بعد سقوطها. فضلا
عن نظر النصارى و الحكام لهم بدونية رغم تنصرهم (قسرا أو طوعا). إحساس عجيب أن
تمزج بين الدونية و القلق و أن تعيش كالعبد المذنب رغم أنك حر مجبر طول قرن من
الزمان.
هل كانت كلها سنوات عجاف؟
الإجابة في الحلقة القادمة بإذن الله..إلى لقاء
No comments:
Post a Comment