المترجمة/ إيمان الطحاوي: طبيبة و كاتبة من مصر.
كيف تكتب الغضب عندما يكون الرعب في الكلمات والصور مجرد وقود لخلافنا
القاسي؟ ما هي الأصوات التي يجب أن تصدرها الحروف عندما تشعر أصابعك وكأنها حجارة
على لوحة المفاتيح؟ أكتب اليوم والخوف من أن كلماتنا ومشاعرنا عن غزة، وعن حماقة
الحرب، قد تكلست. والأسوأ من ذلك ، أنني أكتب وأصرخ لأننا جميعا نشاهد الإبادة
الجماعية.
هل دموع طفل يتيم يرتجف لن تساوي شيئا بعد الآن؟ هل نحيب أم فقدت 50
فردا من عائلتها مجرد مشهد نتصفحه على تيكتوك - TikTok؟ أي عدد من القتلى
والمشوهين المدنيين، من المنازل المدمرة، من الأحياء والمدن المحروقة، سيُشبِع هذا
الانتقام الذي لا ينتهي؟
يتحدثون عن النصر الكامل قبل وقف إطلاق النار، ولكن عندما يتحول النصر
إلى شهوة للقتل، عندما يتسامح مع الرعب المؤلم بصوت هند رجب، وهي فتاة جميلة تبلغ
من العمر ست سنوات في سيارة مع ستة من أقاربها القتلى تتوسل على الهاتف لثلاث
ساعات لإنقاذ حياتها قبل أن تُقتَل، عندما يعني النصر الكامل انتصار رصاصة على طفل
يتوسل للحياة، ثم الخلاص فضيلة سأبحث عنها في الخسارة الكاملة.
سمعنا جميعا صراخ الطفلة هند صراخ الطفلة هند وانتقلنا إلى المنشور التالي.
DrSonnet — This is what the mother of the child, Hind Rajab,... (tumblr.com) |
كما يقول الشاعر دانيال بورزوتزكي - Daniel Borzutzky ساخرا في " أداء أن تصبح إنسانا" ، "لقد
قطعوا عشرين جثة الليلة الماضية واليوم يجب أن أهرع إلى التنظيف الجاف". ما
هو الهدف من اسماع المذبحة ورؤيتها؟ لقد حول التمرير (تمرير المنشورات) إبهامنا
إلى عضلة وحشية. نحن نرتد من مأساة إلى مأساة ويشتت انتباهنا ذلك العبث "البهيج"
بينهما. نحن جثة بلا روح (زومبي) نُختَبر (لأداء دور) من أجل الإنسانية.
إذا بكت الكلمات ، فإنها ستتسرب عبر تلك الشاشة.
Malak Mattar, "No Words," oil on primed linen, 218 x 485 cm, 2024 (courtesy of the artist). |
على محمل الجد ، أي نوع من المخلوقات نحن؟ في أي عالم مضطرب/قلِق نعيش
حيث يفد قادة العالم ومشاهير هوليوود إلى إسرائيل للتوقيع بفرح على رسائل تضامن
حول القنابل الموجهة لقتل الأطفال وتشويههم؟ في أي واقع يكون بكاء طفل جائع يحمل
مقلاة فارغة يتوسل أن يأكل دمعة تمساح من عدو غاشم/وحشي؟
أخبرني، متى أصبحت هذه المشاهد الفظيعة طبيعية؟ متى يتوقف مصنع الألم هذا
عن العمل؟ هل هذه هي الصور التي سنعلقها في متحف النسيان في المستقبل؟
هل حياة الفلسطينيين رخيصة لدرجة أن كلمة مثل "وقف إطلاق
النار"، أي مجرد وقف الأعمال العدائية الوحشية ضد السكان المدنيين العاجزين
والمحاصَرين، أصبحت كلمة محفزة، وحيلة لغوية معقدة..نستحدمها في ألعابنا الباحثة
عن دلالية الألفاظ المنعزلة؟ هل وقف إطلاق النار هو الكلمة الصحيحة؟ هل هي إبادة
جماعية؟ هل هناك أناس أبرياء حقا في غزة؟
هل نسمع أنفسنا؟ اللامبالاة العاطفية في هذه الأسئلة مخيفة.
نعم ، أبدو أخلاقيا و مع ذلك، أوجه الاتهام لنا جميعا بالتخلي عن
ملايين الأشخاص للاستقامة/السداد الملتوية للقنبلة أو التعاطف المسطح لتمرير وسائل
التواصل الاجتماعي. لم أعد أهتم بالمنطق بعد الآن. ليس هناك معنى في ابتذال العالم
الذي نعيش فيه.
أريد فقط أن أصرخ لأنني أكتب هذه الكلمات بقلب مثقل/حزين. لا أريد أن
أصرخ كعربي أو أمريكي أو مسلم أو عالم أو معلم. أريد أن أصرخ بدون اسم ، بدون
ألقاب ، بدون درجات ، بدون بروتوكولات/أصول الأداء المهذب. أود أن أصرخ كإنسان مع غصة
في حلقي لأكرر بتواضع اليأس في تضرع أولئك الذين لم تتوقف القنابل عن المطر عليهم
وأولئك الذين على الجانب الآخر من الحدود الذين لا يرون أي فضيلة في العداء المستمر
/الذي لا يلين لقادتهم.
هذا تطهير عرقي أثناء إبادة شعب فلسطين في غزة |
نور هندي Noor Hindi ، "اللعنة على محاضرتك عن الحرفية/المهارات ، شعبي يُباد"
"أريد أن أكون مثل هؤلاء الشعراء المهووسين بالقمر.
الفلسطينيون لا يرون القمر من زنازين السجون.
لكنهم لن يتمكنوا من رؤيته من تحت الأنقاض في أي وقت قريب."
"عندما أموت، أعِدُك بأن أطاردك إلى الأبد،
وكنتم تظنون أن الفلسطينيين يموتون فقط . . .
من فضلك أخبرني إذا كان هناك عتبة للرعب؛ لئلا أضيع أنفاسي سدى.
وهذا ليس كلاماً بليغاً. مثل فرانز فانون، شاعر المعذبين في الأرض، لا
أريد أن تكون كلماتي جميلة. بل أريد أن تكون لغتي قاسية. وسط كل هذا الدمار والكراهية
المهينة للإنسانية، تبدو البلاغة وكأنها وسيلة إلهاء قاسية في عالم حيث الاهتمام
هو صنم من التواصل السرمدي دون تدبر.
إنها ليست الراحة التي أنشدها بصرختي. بل هي رعشة الألم تلك التي لم
يحلها الهروب من التعاطف الذي آمل أن أبقيه باقياً بالنسبة لنا جميعاً عندما يتعلق
الأمر بفلسطين وإسرائيل. جميعهم بلا استثناء. لاَ نسْتَثْنِي أَحَدًا. تُذكرنا الشاعرة سولماز شريف بأن "التعاطف
هو أن تضع نفسك في أثر/خطوط طباشير شخص آخر وتلتقط صورة".
متى نتوقف عن التقاط صور الفلسطينيين القتلى والمشوهين؟
لم تكن هند رجب بحاجة إلى تعاطفنا. الرقة/الضعف في ندائها المخيف يصرخ العدالة والعدالة الآن. وصفت صحافتنا "الأفضل" "الحادثة" بعناوين جبانة مثل: "العثور على طفلة في السادسة من عمرها ميتة في غزة". وكانت كلمة هند الأخيرة لمسعف الهلال الأحمر: "تعال خذني. هل ستأتي وتأخذني؟ جاء اثنان من أول المستجيبين. لقد قتلوا على الفور.
لكن العالم لم يأت لإنقاذ هند.
قالت والدتها وسام حمادة عن مقتل طفلتها: "سأسأل أمام الله يوم
القيامة أولئك الذين سمعوا صرخات ابنتي طلبا للمساعدة ولم ينقذوها".
سوف يخبرونك أن الأمر معقد، ولم يتسن التحقق من المصادر. وسيقوم الجيش
الإسرائيلي "بالتحقيق" في هذا الحادث. الصحافة الكسولة ، في الواقع ،
لكننا لسنا بعيدين عن المأزق. كلنا نشاهد ونمرر دون جدوى ، شهودا أو مستهلكين
لنظارات الألم المتألقة. في المجال الرقمي ، تُقدّم "العواصف القذرة" ،
كما يقول الفيلسوف بيونج شول هان ، على أنها مجرد "تيارات من التأثير" ،
ونوبات من العواطف الجارية ، وسيل من المعلومات المثيرة للاشمئزاز بلا حدود دون
وعد بالمعرفة.
* بيونگ تشول هان (Byung-Chul Han) هو فيلسوف ومنظر ثقافي كوري سويسري ألماني.
Palestine Red Crescent Society/Katsikoyiannis Portfolio |
يجب أن نتوقف عن النظر إلى معاناة الفلسطينيين كشكل من أشكال (السياحة
العاطفية). إن رؤية آلامهم بهذه الطريقة تنزع الطابع السياسي عن مظالمهم، وتحولهم
إلى موضوعات دائمة لنظرة منافقة. المعاناة هي عمل سياسي يستصرخ العدالة ، لا مشهد مدته 30 ثانية من التفريغ
المتعاطف.
تخيل هذه الكلمات في أعلى درجة صوت يمكن أن يقدمها. أريد أن أكتب بصوت
عال لأن الكتابة تحت سوط الإمبراطورية لا يمكن أن تكون بنبرات خافتة.
لا أطلبُ الإذن بالصراخ.
ما مقدار الحرية التي أمتلكها حقا لأقول ما أقوله الآن دون خوف من
الرقابة، دون أن تجلدني عصا الترهيب فاستقيم لهم /فتعيدني إلى جادة الطريق؟ عندما
أفرغ من الكتابة، سأضطر إلى الكفاح لأنشر هذه الكلمات لأن المحررين سيخشون صراخي
بسبب ما يُنبّيء به اسمي العربي. سيجدون كل ظلال الأعذار لتجنب التعليق على لغتي
المتوهجة. إذا تم نشرها، فسأضطر إلى التعايش مع رد فعل عنيف متوقع يتهمني بانتهاك التعليمات
الإمبراطورية حول كيف أكون عربيا جيدا.
لكنني نفضْتُ يدِي مِن التأدب والكتابة بنبرة ناعمة. اللعنة على
العقلانية المحسوبة. اللعنة على الكلمات المنمقة. اللعنة على برجوازية التعاطف البارد.
اللعنة على زيف الليبرالية. اللعنة على أخلاق أولئك الذين نسوا بسهولة لماذا نحن
هنا في المقام الأول. اللعنة على الحسابات القاتلة للقادة السياسيين. اللعنة على
أي عمل من أعمال التنظير التي تسمح لنا بالخروج من المأزق. اللعنة على جميع حراس
العار الذين يمحون الفلسطينيين. اللعنة على أولئك الذين يواصلون بناء مسارح المصارعين
الوحشية ليختبروا إنسانية غيرهم.
واللعنة على أولئك الذين سيقولون لي أن هناك الكثير من الاستياء في
لغتي.
اليوم، أرتدي الصورة النمطية بفخر. أنا العربي الغاضب، المسلم الساخط،
الشرق أوسطي المجنون. غضبي، رغم ذلك، جميل بقدر ما هو شيطاني. إنه يرعد ويهمس. إنه
يؤلم ويشفي، ويتصاعد لكنه لا يتلاشى. هدفه الرئيس هو تهذيب الصراخ بعيدا عن
الضوضاء المبتذلة للقنبلة والأزيز المميت للطائرة بدون طيار: قطعتان لقتل الشرق
الأوسط عرفتهما منذ فترة طويلة جدا.
على الأقل هذا الغضب ليس هبوطا قاتلا إلى كارثة. إنه، كما يقول الشاعر
أميري بركة اليوم عن الفلسطينيين، "غضب الملائكة".
صراخي... يتوق للانضمام إلى الصراخ الرشيق للشعراء الذين يكتبون ضد
الكلمات بطلاقة متدفقة، والذين يقتلعون الحروف من أعشاش مزيفة.
صراخي... هو لحن الرعاية ، الصوت غير المكتشف لفراشة عنيدة تعشش في مسلخ.
صراخي... يدق ولكنه لا يشوه أو يقتل أو ينكسر. إنه يُذكر في مملكة
النسيان.
صراخي... يعانق الفلسطيني تحت الأنقاض وفوقها ويحتضن اليهودي الذي
يبدو في رعب تام مثل أولئك الذين جردوا من إنسانيتهم وأُبيدوا مثل
"جرذان" بالأمس لكنهم يقصفون ويبيدون الآخرين على أنهم "دون البشر"
اليوم.
صراخي... يبذل قصارى جهده لتكرار الجرأة النبيلة لتال ميتنيك Tal Mitnick ، الجندي الإسرائيلي
البالغ من العمر 18 عاما والذي يفضل السجن على الخدمة في جيش مخمور على انتقام غير
مبرر.
صراخي... لديه أمنية واحدة فقط. انهض واصرخ.
أصرخ لتهدئة الكلمات التي تتوق إلى صفائها المسروق.
أصرخ لأنني أفكر في الأصدقاء اليهود الذين يهمسون بسلام. أصرخ لأنني
أفكر في اليهود الذين يطاردهم القرب الكامن من تاريخهم المرعب.
أصرخ من أجل الفلسطينيين المحكوم عليهم بتحمل أثقل الأعباء: ادفعوا
ثمن تاريخ دموي خلقه بالأمس أولئك الذين يهتفون للحرب اليوم. أصرخ حتى يفقد أولئك
الذين يفقدون ذاكرتهم صوتهم بعد ذلك.
أصرخ لأن الصرخة في أوروبا هي تحفة ثقافية، بينما لدينا هي هدير
مشوه من المشاعر.
لكن هذه الصرخة ... ليست أداءا ينتظر التصفيق.
لذا ، أحني رأسك للصراخ الصامت في الداخل وتذكر الآلاف الذين استشهدوا،
والأطفال الذين ماتوا قبل أن تتمكن أمهاتهم من ضمهم مرة أخرى.
انحنوا للأطفال المرتجفين الذين يجوبون شوارع غزة بحثا عن أمهات وآباء
لن يجدوهم أبدا.
انحنى للحشود الجائعة من الرجال والنساء الذين يبحثون عن قطعة خبز وسط
أطراف وأشلاء متناثرة.
وانحنى لسماع صراخ والدة هند التي انتظرت أن ينقذ العالم ابنتها
الجميلة فقط لتتلقى جثة مغطاة بالدم اليابس.
ربما يكون صراخي على هذه الصفحة هادئا، لكنه يزأر بصلاة مكللة بالعار.
يصرخ وينحني وينحني ويصرخ. هذه ليست صرختي و لا صراخنا. إنها صرخة
الملائكة.
بعض المراجع:
من هي الطفلة هند رجب؟
النص الأصلي: صرخة من أجل غزة
A Scream for Gaza - Nabil Echchaibi, 2024 (sagepub.com)
نشر أولا بعنوان: هذه صرخة وأتحداك أن تنشرها!
This is a scream and I dare you to publish it! – Social Text (socialtextjournal.org)
No comments:
Post a Comment