الخرطوم د/عبدالعاطي المناعي
هلت أيام عيد الفطر المبارك، بنفحات الفرح الممزوجة بالدموع وبالألم والمعاناة من الحرب التي لم تأتي إلا بالقتل والدمار ورائحة البارود التي منعت ملايين من الشعب السوداني في الداخل والخارج من الفرح او السعادة لما تمر به السودان من احداث عصيبة جدا وغير مسبوقة ففي ظل الحرب والظروف الاقتصادية الصعبة جدا عالميا واقليميا ومحليا انتزعت البسمة من شفاه الكثيرين، ولم يحلّ العيد عند البعض حتى بـ"العافية"، فهو مجرد تقليب للمواجع وتجديد للأحزان وتذكّر لأبناء وأشقّاء وأهل وأقارب وأصدقاء ابتلعتهم احداث 2019 وحاليا من جراء الحرب الي نراها ونشاهدها جميعنا ، لتتسلّل في زحمة الحزن تهاني خجولة بالعيد.
استقبل السودانيون عيد الفطر دون توقف للحرب، كما أن الفقر أيضا لم يترك بابا إلا دقه، فمع حلول عيد الفطر تنهش متطلبات العيد ما تبقى من منازل الناس بعد سنوات من عدم الاستقرار الاقتصادي وحصار دولي انهك البلد واهله مما ادي الي زيادة البطالة بين الشباب وتردي الاوضاع علي كافة المستويات.
ان تفاقم الأوضاع زاد من وجاع السودانيين وأثقل كاهلهم وحرمهم من جميع المناسبات والأفراح، حيث عاش السودانيون شهر رمضان في ظل ظروف معيشية وسياسية وأمنية واقتصادية صعبة واستثنائية تمر بها بلادهم، أدت لغياب الابتسامة والفرحة وسط ترقب لمفاوضات استمرت لشهور دون الوصول الي حل . . شاهدت تسابق السودانيون كبقية الشعوب العربية العيد بأيام لشراء حاجياتهم ومستلزماتهم من خزين رمضان ومكسرات وملابس وعطور وكل الحاجيات المرافقة لذلك.
ومرت الايام حتي حدث ما حدث مما حول هذا البلد الكريم الامن الي واحة اقتتال ضاعت فيها بسمة الصغار والكبار بسبب ما يحدث من احداث ما كنت اتمناها للبلد الشقيق الذي زرته عشرات المرات واحببته واحببت شعبه الطيب المضياف – ما كنت اتمني ان اري السودان فيما رأيت وعشت فانا الان علي ارضه وتحت سمائه ابتهل الي الله مع اشقائي السودانيين ان تقف الحرب وتلتئم الجراح وليس ذلك علي الله ببعيد.
طوال ايام الحرب وانا اسمع اصوات طلقات الرصاص وازيز الطائرات وطلقات المدافع والصواريخ صباحا ومساء حتي انني كنت احرص علي وضوئي دائما لأنني كنت ولا زلت غير امن من قذيفة من هنا او من هناك كعشرات القذائف التي اودت بكثير من الشهداء وهم في بيوتهم آمنين.
علي مدار اليوم اتابع عبر شاشات التلفاز المحلية والدولية ومن خلال منصات التواصل الاجتماعي بصدقها وبعكسه ما تتناقله من أخبار آملا ان اجد خبرا تتوقف فيه الحرب قبل العيد حقنا لدماء الاشقاء.
حتي جاء العيد الحزين علي السودانيين وانا بينهم حزين لحزنهم ولما الت اليه الاحداث المؤسفة ،عيد غلّفه ثوب حداد قاتم، وبدلا من تلقي باقات التهاني بحلول عيد الفطر، ما زالت الخرطوم تتلقى أنباء ارتفاع أعداد قتلى هنا وهناك مدنيين وعسكريين حتي الاطقم الطبية لم تسلم من ويلات الحرب فاستشهد 11 من الاطباء حتي كتابة هذه السطور إضافة الي خروج عدد كبير يمثل ثلاثة ارباع مستشفيات العاصمة من الخدمة نتيجة اصابات مباشرة أو عدم توافر المياه والكهرباء نتيجة الحرب الدائرة بنارها وحرها.
فاقتصرت صلاة العيد لغالبية سكان الخرطوم في تجمعات قريبة من البيوت، وقد كان بعضهم يحرص على التلاقي صباح العيد للصلاة في الساحات الشهيرة كسابق عهدي حين حضرت العيد في السودان سابقا 2010.
كان شكل العيد بكل تأكيد حينها بطعم مختلف تملؤه السعادة والفرحة والبسمات علي شفاه الصغار والكبار.
- لكن وللأسف جاء عيد السودانيين هذه المرة مضرجا بالدماء، كان عيدا مكفهرا اختفت فيه مظاهر الفرح المعهودة في مجتمع السودان الكريم الودود - وحتي في اصعب اللحظات كتلك التي اعيشها الان بقدر الله هاتفني الكثير من اصدقائي السودانيين طالبين ان الحق بهم في ولايات غير الخرطوم حتي تستقر الاوضاع.
فاعتذرت لهم شاكرا كرمهم المعهود واخرين يطلبون ان اقيم معهم في منازلهم حتي لا اكون وحدي بحكم الظروف وشكرت رقي كرمهم المعهود.
معللا لهم بأنني هنا وسط اهلي واصدقائي فربما يحتاج لي مريض هنا او هناك فاقدم له ما استطيع من خدمة طبية أو توجيه صحي فأكون اديت واجبي كطبيب يسعي لان يجابه الموت ويسقي شجرة الحياة بما استطاع والله وحده الذي يسبب الاسباب وهو رب الموت وواهب الحياة.
خليط من الشقاوة والإصرار يبدوان على عيون أطفال عيد السودان الذين كنت اظن أنهم لا يدركون ما جرى، لكن كنت اطمئن علي احد اصدقائي فسالته عن حال اطفاله فقال لي ابنته قالت له ( يا بابا وين العيد لمن رات الناس تعيد في التليفزيون وبكت وابكتنا ) الاطفال من حقهم ان يسعدوا بالعيد وان يلبسوا الجديد وان يتلمسوا من الفرحة انساما ولو في ايام العيد لكنك تسمع صراخهم المتقطع في الدروب من اطفال جيراني وأشفق علي كل ام بماذا تجيب حين يسالها ابنها الصغير لماذا كل هذا وأين نحن من العيد.
No comments:
Post a Comment