Monday, February 22, 2021

مما قرأت: الحب الحقيقي للدكتور عادل صادق - رحمه الله-

قد يبدو ظاهرياً أنك اخترت بإرادتك أن تحب ، ولكن في حقيقة الأمر أن الحب هو الذي اختارك وذلك لأنك أهل لأن تحب وأن تكون محبوباً ، أي لتخوض أعظم وأعمق تجربة إنسانية وهي الحب .
والقادرون على الحب الحقيقي قليلون مثل كل شيء ثمين ، الحب يحتاج إلى مؤهلات معينة ، سمات خاصة في الشخصية ، ومعظمها سمات ومؤهلات يكتسبها الإنسان من الأسرة والمجتمع أي البيئة المحيطة وصفات شخصية يكتسبها بنفسه ، ”  قبل أن تبحث عن نصفك الآخر تأكد أن نصفك الأول مكتمل ”
وإذا فَهمنا طبيعة الحب الحقيقي ، فإننا نستطيع أن نتوقع تلك السمَات التي تؤهل أي إنسان ليخوض هذه التجربة السامية .
الحب الحقيقي ليس هزلاً ، ليس عرضاً مؤقتاً ، ليس ميلاً عاطفياً مجرداً ، ليس نزوة ، ليس رغبة ، ليس عبثاً ، ولكنه تجربة استيعابية شاملة مركزها جوهر الإنسان وذاته ووعيه ، مركزه الباطن وتشمل كيان الإنسان كله أي الفكر والوجدان والسلوك.
ولذلك فجوهر تجربة الحب الحقيقي هو الصدق ، وإذا كان الموت هو الحقيقة المؤكدة الماثلة أمام أعين البشر ، وتؤثر تأثيراً ضخماً في حياتهم ، وهي ذات مغزى ، فإنه على الطرف المقابل يأتي الحب الحقيقي ليصبح هو الحقيقة الأخرى المؤكدة والتي تؤثر في حياة البشر تأثيراً ضخماً وتحمل أسمي وأقوي المعاني .
إذن فالحقيقتين الثابتتين في وجود الإنسان هما الحب والموت ، مركز الحياة ، ومعني الحياة ، يحددان مصير الإنسان ويشكلان وعيه ورؤياه وفلسفته ويؤثران على إدراكه وفهمه وسلوكه ،لحظة الحب الحقيقي هي لحظة الصدق ، ولحظة الموت الحقيقي هي لحظة الصدق .
ولهذا فإن تجربة الحب الحقيقي لا يقوي عليها إلا إنسان صادق ، هذا هو الشرط الأول والأساسي ، الحب الحقيقي يدل على صدق الإنسان الذي يعايشه ، والإنسان الصادق يدلل على أن حبه هو حب حقيقي ، لا يمكن لكاذب أو مخادع أو منافق أو غشاش أو نصاب أن يعيش تجربة صدق ولا يمكن للتجربة الصادقة أن تتحقق من خلال كاذب أو مخادع أو منافق أو غشاش أو نصاب .
وإذا كان جوهر الحب الحقيقي هو الصدق فإن جوهر الصدق هو الصدق مع النفس ، إن الصدق مع الذات هو أسمي وأعلي مراتب الصدق بل هو قلب الصدق ، فلا صدق بدون صدق مع الذات ، والصدق مع الذات يتطلب وعياً ، نضجاً ، استبصاراً ، شجاعة ، خبرة ، ثقة بالنفس ، فالصدق مع الذات هو القوة الحقيقية ، رمز القوة في الإنسان ، من هو أقوي البشر ؟ إنه الإنسان الذي يتمتع بأكبر درجات الصدق مع الذات ، إنها البصيرة ، القدرة على النفاذ إلى الداخل ، السيطرة الكاملة على الوعي ، الفهم الحقيقي ، إنه التحرك من الداخل إلى الخارج ، من المركز إلى المحيط ، من القلب إلى الأطراف ، من الباطن إلى السطح ، وتلك هي الحركة الطبيعية في الكون كله ، وذلك هو الناموس الطبيعي الذي حدد الله به علاقة الأشياء ببعضها وعلاقة كل شيء مع نفسه .
وهذه هي الصورة المثلي الطبيعية التي صيغ الإنسان عليها ، أن يكون له وعي وحين يكون هذا الوعي صادقاً فإنه يحدد حركة الإنسان الطبيعية في الحياة بأن يكون هو مركز هذه الحركة .
وبذلك يكون هذا الإنسان منسجماً مع كل ما هو طبيعي وصادق في الحياة ، ولهذا لا نتوقع منه إلا الصدق ، ولهذا فإنه في لحظة ما يستطيع أن يٌحب ، أن يختاره الحب حين يمهد له اللقاء مع ذات إنسانية أخري تتحرك هي أيضاً من وعيها الصادق ، وبذلك يكون الحب الحقيقي التقاء ذاتين ، التقاء وعيين  .
لا يمكن أن يتحقق حب حقيقي بين اتنين إلا إذا تحرك كل منهما من الداخل ، من مركز الوعي ، أي لا بد أن يكون كل منهما صادقاً مع ذاته أولاً ، وبذلك يتحرك كل منهما نحو الآخر ، كأن يداً خفية تدفعه ناحية الآخر ، يتحرك بحدسه ، بإلهامه ، بقوة غير مرئية ، روحه أو بصيرته هي التي تقوده .
إن لحظة الصدق التي يشعرها كل منهما ناحية الآخر في لحظة اللقاء الأول أو في هذا الجزء من الثانية هو الذي يحدد مسار العلاقة بعد ذلك وهو الذي يجعل كل منهما يتوقف عند الآخر ، يندهش ، ينبهر ، تتحرك كل أجهزته تهيؤاً للحدث العظيم ، يشعر أنها أهم لحظة في حياته ، بل أخطر لحظة في حياته ، منعطف هام ، نقطة تحول جذرية ، يري أن المستقبل الحقيقي يبدأ من عند هذا الجزء من الثانية ، إنها لحظة كشف ، وتتسلط الأنوار كلها عند هذه البقعة من وعيه ، ويقترب دون خوف بجرأة قد تكون غير معتادة ، بثقة ، بتحد ، بشجاعة ، لا يمكن أن يترك هذه اللحظة  من الزمان تفلت منه ؛ لأنه يريد أن يربطها بكل لحظات حياته المستقبلية ، وذلك تأكيداً للصدق ، لصدقه ، أي لتحركه من مركز وعيه ، فالصدق يجعله شجاعاً ، جريئاً ، واثقاً .
في اللحظة الأولي أو في هذا الجزء من الثانية ينتابه شعور الفرحة ممزوجاً بالطمأنينة ، ويندهش حين يتولد لديه شعور آخر غير المفهوم بأنه يعرف هذا الإنسان من زمن بعيد ، ألفة وطمأنينة غريبة يشعرها مع هذا الغريب الذي لم يكن يعرفه من قبل والذي التقي به منذ لحظة واحدة ، ويتولد لديه شعور آخر أكثر غرابة بأنه سوف يظل يعرف هذا الإنسان بقية حياته من خلال علاقة قريبة جداً
ولذلك ، فإننا حين نقول لإنسان انضج فهذا معناه ، كن نفسك ، وهذا معناه أيضاً : كن صادقاً مع ذاتك  ، أي تحرك من داخلك ، تحرك من صميم ذاتك ومن مركز وعيك بفهم كامل وبصيرة ، بذلك تكون ناضجاً ، أي مؤهلاً للحب الحقيقي ، أي تكون إنساناً حقيقياً .
الإنسان الحقيقي هو الإنسان القادر على الحب ، هو الإنسان المؤهل لأن يحب وأن يكون محبوباً أما الإنسان المزيف فهو غير قادر على الحب ، ليس مؤهلاً لأن يحب ، قد ينخدع بمظهره إنسان بسيط فيعجب به لحين ، وقد يخدع هو الآخرين بعواطف زائفة ، ولكنه سرعان ما ينكشف أمره ، ولهذا ينتقل من علاقة إلى علاقة تحت مسمي الحب ، ولكنه حب زائف ، هو لا يستطيع أن يحب ؛ لأنه لا يستطيع أن يعطي نفسه بالكامل ، في الحب الحقيقي فإنك تعطي نفسك بالكامل لمن تحب أي تهبه حياتك .
الإنسان الحقيقي المؤهل للحب هو إنسان كريم سخي معطاء ، سعادته الحقيقية في العطاء ، الإنسان البخيل هو إنسان أناني نرجسي (النرجسية تعني حب النفس ) ، والأناني لا يحب ، والنرجسي لا يحب ، الأناني النرجسي يريد كل شيء لنفسه ، ولا يري إلا نفسه ويريد أن يٌسَخر الآخرين لخدمته ، لا يأبه لمشاعر الآخرين وآلامهم ، ولذلك فهو معزول نفسياً ، لقد أقام جداراً صلباً بينه وبين الآخرين ، بينه وبين جيرانه وزملائه وأقاربه ، ولذلك فهو غير مؤهل وغير مدرب ؛ لأن يلتقي بتلك الذات الإنسانية التي تجبره على هدم ذلك الجدار الذي يفصله عن الناس ، وهو غير قادر علي أن يثير الحب في صدور الآخرين .
هناك بشر يملكون هذه المقدرة العجيبة على تحريك مشاعر الآخرين إيجابياً تجاههم ، قادرين على تحريك العواطف ، قادرين على إشعال نار الحب في قلوب الآخرين ، نور أو قل إشعاع يصدر عنهم ، هالة طاقة تحيط بهم ، سر غامض لا تستطيع أن تدركه أو تفسره . يجعلهم يستقرون على مقعد قلبك الرئيسي ، بمجرد أن تراهم وربما لأول مرة ، بينما الأناني النرجسي يفتقد هذه المقدرة تماماً ، قد يثيرك جماله ، وقد تعجب بنجاحه ، وقد تنبهر بذكائه ولكنه أبداً لا يحرك قلبك .
والإنسان الكريم لا يكون كريماً مع حبيبه فقط ، ولكن الكرم والعطاء أسلوب حياة بالنسبة له ، فلسفة خاصة ، هكذا هو من قبل أن يلتقي بمن يحب ، وهو موقف قائم على الإحساس بالآخرين ، الإحساس بالبشر والشعور بالمسئولية تجاه الإنسانية عامة ، إنه يشفق ويعطف من قبل أن يعرف الحب طريقه إلى قلبه ، وهو أيضاً يحترم الذات الإنسانية ، ينظر إلى البشر على أنهم ذوات حرة مستقلة تحمل نزوعاً للخير يفوق نزوعها للشر ، ولذلك فقدرته على التسامح عالية ، لا ينصب نفسه قاضياً أو جلاداً ، ولا يترفع أو يتعالي أو يتكبر ، ولهذا فالتواضع من صميم صفاته ، المتكبر لا يستطيع أن يحب ، والمغرور لا يستطيع أن يحب ولا يستطيع أحد أن يحبه ، إنها صفات تزيد من الهوة والحواجز التي تفصل بين نفوس البشر .
الإنسان المؤهل للحب لا يتمادي في عداء ، ولا يلجأ إلى العنف ، ولا يخطط لإيذاء ، ولا يسعد بمصيبة آخر ، ويَهب عن طواعية وطيب خاطر لمساعدة من يحتاجه أو من يلجأ إليه ، ولهذا فهو يتسم أيضاً بالشجاعة ، شجاعة مصدرها قوة إيمانية ، إيمانه بالله ، ولهذا فهو يحب كل مخلوقات الله ، ويتعاطف معها ويحترمها ، ولذلك يهتم بأن يكون له دور إيجابي في الحياة ، يرفض أن يكون سلبياً ويرفض أن يكون عاطلاً ويرفض أن يكون متجمداً فهو إنسان نشط ، إنسان منتج ، إنسان يعمل ، حركة للأمام ولأعلي ، حركة إيجابية هادفة ، ولذلك فهو حين يحب فإن حبه يكون حقيقياً .
فالحب الحقيقي ليس مجرد هوى وميل وانجذاب وتعلق وعاطفة ، الحب الحقيقي هو موقف واتجاه حركة وفعل واطمئنان روح والشعور بالأمان ، حب يمتد نحو العالم .
عالم الحركة والفعل والفكر ، الحب الحقيقي يشمل بناء الشخصية ذاتها وارتباطاتها بعالمها المحيط ، الحب الحقيقي الصادر عن إنسان حقيقي هو فعل إبداعي ؛ لأنه يتضمن ارتباطاً روحياً عميقاً بذات أخري تتمتع بالنضج قادرة علي العطاء المطلق والإحساس بالمسئولية واحترام البشر والتعاطف معهم ، ذات مؤمنة متواضعة شجاعة .
هذا هو مفهوم النضوج والذي يجعل الإنسان صادقاً يتحرك من جوهر ذاته ، أي إنسان حقيقي ، إنسان يتمتع بصفاء روحية سامية تتضاعف عشرات المرات ، وتتأكد وتٌثمر حين يلتقي بنصفه الآخر ، توأم روحه ، فيتاح حينئذ لفيض الخير الذي بداخله أن يجد من يتلقاه كالنهر السخي الذي لابد أن يجد أرضاً صالحة طيبة تتشرب مياهه وتزدهر بها ، ولذلك فالحب الحقيقي هو خبرة إبداعية ، والمحب هو أقرب إلى الفنان ، أو هو عاشق للفن ، والفن عنده أسلوب حياة ، إن تناوله للحياة هو تناول الفنان الذي يعطي كل اهتمامه لفنه ، عمله حتى وإنه كان بسيطاً يحيله إلى فن ، يؤديه باستمتاع وإتقان وإخلاص ويضفي عليه لمسات الجمال .
حواره فن فهو لا يتلفظ إلا بكل ما هو جميل ، ذات معني ومضمون إنساني فكري حتي وإن كان متواضعاً عمله وثقافته . علاقاته بالآخرين من أغراب وجيران وزملاء وأصدقاء وأقارب فيها فن أيضاً ، فهي علاقات تتسم بالبراءة والبساطة ، والتلقائية ، والمباشرة والبعد عن سوء الظن وافتراض الخير كأساس لكل علاقة إنسانية ، فن يتبدي بوضوح في مودته التي تصبغ كل علاقاته الإنسانية بكل الطبقات الاجتماعية . وهو يتخير الأخيار لصحبتهم : لا تقوي روحه على مصاحبة خبيث ، أو مخادع  ، أو منحرف ، أو متكبر ، أو أناني ، الإنسان الحقيقي يحيط نفسه ببشر حقيقيين . والإنسان الحقيقي هو الإنسان القادر على اتخاذ قرارات حقيقية ، أي القرارات الصادقة ، الحقيقة والصدق ، وجهان للشجاعة ، إذن هو إنسان حقيقي ، أي صادق ، أي شجاع .قراره حقيقي أي صادر منه هو من داخله ، من بؤرة ذاته ، وعين عقله ، وقلب باطنه ، دون أن يخضع لأي مؤثرات خارجية ، ولهذا فاختياراته حرة مطلقة ، هو يتحمل مسئولية اختياراته ، ولهذا لا يتنازل عنها بسهولة إزاء صعوبات أو مشاكل تواجهه . أما الإنسان المهزوز الذي يبني مواقفه وقراراته على آراء الآخرين ، وتكون اختياراته خاضعة للإيحاء من الآخرين ، فإنه يتنازل عنها بسهولة ، ينقلب إلى النقيض في ثانية ، يتراجع عن قراراته ومبادئه ؛ لأنه يعرف أنها غير حقيقية وغير صادقة ،  أي ليست نابعة من ذاته ، ولهذا فالإنسان الحقيقي يدافع عن حبه ، يحافظ عليه ، يناضل من أجله ، ولذا فالحب الحقيقي يستمر مدي الحياة ، أما الحب الزائف فهو حب مرحلة ، متقلب ، متغير ،هو الحب الذي من الممكن أن ينقلب إلي كراهية ، أو إلي تبلد تام للمشاعر علي أقل تقدير . والإنسان الحقيقي بالرغم من أنه يتغير بمعني أنه يتطور وينمو ويزداد وعيه بصورة مستمرة ، بل هو حريص على التطور إلا أن مبادئه الأساسية ثابتة ، جوهره ثابت ولذا فحبه ثابت ، فهو إنسان مؤمن بنفسه ، ومؤمن بمن يحب ، وهو حين اختار فإنه قد اختار بإرادته الحرة ، اختار من صميم ذاته وروحه ، ولهذا فهو سيد قراره . قرار اتخذه بوعيه الكامل ، أي يعرف كيف اتخذه ، يستطيع أن يلمس ذلك في أعماقه ، يعرف تماماً أنه صادر من أعمق أعماقه ، ولهذا فهو يتحمل كافة المسئوليات المتعلقة بهذا القرار ، ولذلك من النادر أن يستشير أحداً إذا واجهته صعوبة أو مشكلة ، ومن المستحيل أن ينصاع لرأي أحد يختلف مع رأيه أو يطلب منه التنازل أو التراجع عنه ، ولهذا فهو قد يتهم بالعناد أو بالضعف ، والحقيقة أنه ليس كذلك ، فالتصميم على الرأي ليس عناداً بل إيماناً ، وعدم القدرة على التراجع عنه ليس ضعفاً بل قوة . والقرار الحقيقي يصدر عن شيئين : إلهام داخلي ، وفهم للذات والموضوع ، فالإنسان الحقيقي ؛ لأنه يتمتع بالصفاء ، فإن له بصيرة أكثر عمقاً ووعياً ، يعتمد على حدسه ، يهتدي إلى الطريق بفعل ضوء داخلي صادر من مكان ما في أعماق باطنه ، وهو يثق في هذا الإلهام وهذا الحدس ويمشي وراءه بثقة ويؤمن به عن إقتناع ، قد يبدو هذا اقتناعاً غير موضوعي ، ولكنه في الحقيقة يمثل قمة الموضوعية ؛ لأن ذلك هو جوهر حياة الإنسان ، حياة باطنية وحياة خارجية ، حياة روحية وحياة مادية ، واقع ملموس وغيب غير مرئي ، وكلما كانت النفس مؤمنة صافية عامرة بالحب خالية من الحقد والحسد بعيدة عن الشر ، قريبة إلى الخير والصفاء والتواضع ، كلما كانت أقدر علي الاستشفاف والإدراك الخفي والرؤية الباطنية . ولهذا فإن الإنسان الحقيقي حين يحب يدرك حقاً أنه يحب وأن حبه حقيقي ، لا أحد يدله على ذلك ، إنه يهتدي بنور داخلي يصدر من مكان ما في أعماقه ، وهو يفهم ذلك تماماً ، أي يفهم نفسه وذاته .
وهو أيضاً قرار مبني على فهمه للإنسان وللموضوع ، أي للواقع المحيط ، فرؤياه ثاقبة مبنية على خبرة بريئة ، والخبرة البريئة هي القادرة على رؤية العلاقات الصحيحة بين الأشياء ، أما صاحب الخبرة الخبيثة أو المبنية على خبث أو التي أكسبت الإنسان خبثاً وسوء نية فإنها تري العلاقات مضطربة ومعوجة ومنحرفة ولهذا تكون علاقاته بالعالم الخارجي مبنية على الشك وسوء النية ، ولهذا فهي علاقات مضربة قلقة وتسبب ألماً وتزيده حيره وعداوة .
الإنسان الحقيقي يدرك أن قراره قرار صحيح ، وأن اختياره اختيار حكيم ، ولهذا يشعر بالطمأنينة الفرحة ، وتلك هي المشاعر المباغتة التي تنتاب الإنسان حين يلتقي بنصفه الآخر وتوأم روحه للمرة الأولي ، ولهذا يشعر بسعادة طاغية خالية من الخوف وبعيدة عن الشعور بالذنب ، سعادة تجسد حريته المطلقة ، أما الإنسان غير الحقيقي فهو عبد ذليل خائف ولهذا فهو لا يثير حباً ولا يحظي بحب .
وفي النهاية يهتف الإنسان الحقيقي  صاحب القرار الحقيقي من أعماقه : أنا حر .
إذن الإنسان الحقيقي هو إنسان حر ،شجاع ، قوي ؛ ورغم قوته فهو متواضع ، وتواضعه هو مصدر رحمته ، وتلك هي الشخصية الثرية السخية اللامحدودة الطموحة ، أما الإنسان الزائف هو إنسان  فقير ومحدود ، ليس فقراً مادياً ، ولكن فقر في الشخصية ، لا يستطيع أن يبتعد خارج حدود ذاته ، ولهذا من المستحيل أن يلتقي مع جوهر ذات أخري .
وصحبته دائماً من الأشرار السيئين ؛ لأنهم يتكلمون لغة مشتركة ، مع السيئين يشعر بعد التهديد ، لن يهدده أي حصار عاطفي ، الإنسان الزائف يخاف من حب الآخرين ويخاف من نفسه ، يخشي أن يقع في الحب ، وهو في الحقيقة لن يحب ؛ لأنه غير قادر على الحب ، وإذا تعلق بإنسان من الجنس الآخر ، فهو تعلق مادي ، مال أو جنس ، نفع أو شهوة ، أي قمة الفقر والزوال ثم الحسرة والندم هم أقرب أصدقاء حياته .
د.عادل صادق 
ملحوظة:  (إعادة نشر من المدونة الأصلية ..نشر أولا في 2015)

اسمها فلسطين " المذكرات الممنوعة لرحالة إنجليزية في الأرض المقدسة" للرحالة آدا جودريتش فريير

اسمها فلسطين " المذكرات الممنوعة لرحالة إنجليزية في الأرض المقدسة" اسمها فلسطين by A. Goodrich-Freer | Goodreads اسمها فلسطين &qu...