Saturday, August 07, 2021

الدين و الدم - إبادة شعب الأندلس 2

 نستكمل القراءة..مع د/ إيمان الطحاوي 

الجزء الأول هنا 

إنهم يحملون الدين كل خطاياهم:

هل كانت وحدة الدين ذريعة لأجل حكم شامل أوروبي؟ هل كانت تخبيء وراءها أطماعا اقتصادية؟ الدين المسيحي لم يأمر بهذا  قط. رجال الدين: ليسوا هم الدين..الحكام: لم يخولهم أحد ليتحدثوا باسم الدين ..تستطيع أن تعيد نفس الجمل على أي دين آخر..الدين لا علاقة له بما يفعله أحد باسمه.

تكررت هذه المجازر حين استأصل الأوروبيون الكاثوليك السكان الأصليين في الأمريكتين. بل و زينوا فعلتهم هذه بإعلام مخادع جعلك تتعاطف مع الغزاة ضد أصحاب الأرض الأصليين.

كيف تتعلم دينا جديدا؟  

دينيا، لم يفلح الإسبان في تعليم المتنصرين الجدد أية تعاليم من الدين الكاثوليكي. فالدين ليس تعليما فقط بل هو اقتناع و إيمان بلا خوف. كما أن الإسبان لم يملكوا العدد و لا المعلمين المتمرسين لنشر الدين في أنحاء الأندلس بينما هم أنفسهم يفتقدون التعليم و الفهم الصحيح للرسالة الدينية. و في هذا الأمر، أفرد الكاتب فصلا أسماه (بيت مليء بالأفاعي و العقارب).

كيف تم انتزاع الهوية الأندلسية؟:

حاول الإسبان لمدة ثلاثة أجيالَ ليحدثوا التغيير الشامل في الهوية. و الجيل هو مرحلة التعاقب الطبيعية من أب إلى ابن، ومدته ثلاث و ثلاثون سنة. نظريا، يعتبر الجيل الثالث أكثر اندماجا بالمجتمعات الجديدة كما يحدث عند الهجرة مثلا. و هنا صارت الأجيال الجديدة أكثر بعدا عن دينهم و تاريخهم و قيمهم تحت هذا الحكم الغاشم. لأنهم ببساطة اكتسبوا لغة و هوية جديدة في بيئة مختلفة عن تلك التي عاشها أجدادهم..صاروا شخصا آخر و تعايشوا أكثر مع  التنصر. إنه جيل وليد قرن من التعذيب و التفكك. جيل استقر الدين عنده في عنده في القلب دون عادات أو عبادات. ثم تحول الدين عنده إلى تاريخ ثم نسي إلا من رحم ربي. انتصر الإسبان (نسبيا) في نزع الهوية الأندلسية بفعل الزمن بجانب التعذيب. و قد كان مكرهم كبيرا حين انتزعوا بعض ابناء المسلمين لأسباب و قوانين جائرة. كما خيروا من يريد الرحيل أن يترك ابناءه لتتبناهم أسر إسبانية نصرانية على دين جديد..أي شخص قد يترك كل ما يملك هربا بنفسه و حياته لكنه لن يترك ابناءه أبدا. فالأبناء هم  زرع المستقبل و مستودع الماضي.  

هل يعقل تغيير دين قوم استمروا عليه ثمانية قرون في ثلاثة أيام؟ إن الإيمان راسخ في قلوبهم عن يقين فلا هم مذبذبون ولا حديثو عهد بهذا الدين. كيف اعتقد الإسبان بسهولة انتزاع الدين الإسلام من القلوب بإرهاب محاكم التفتيش؟ لنفترض النقيض تماما، انتزاع النصرانية الكاثوليكية من قلوبهم مثلا! لا يعقل.

أليس فيهم رجل رشيد؟

هل هناك في إسبانيا النصرانية من اعترض على هذه الجرائم و اعتبرها معادية لروح الدين و الانسانية؟ كان هناك اعتراضات فردية على بعض التصرفات الجائرة و اعتراضات على التهجير بهدف المصلحة  الاقتصادية بالأساس. لكن الجميع –الإسبان- كان يشترك في نقطة واحدة و هي احتقار و كراهية المسلمين في الأندلس لأسباب ادعوا أنها دينية..و الكراهية دوما هي منشأ كل الجرائم صغيرها و كبيرها.

إنني استطيع مناقشة مبرر واحد – رغم عدم معقوليته كسبب- لهذا التعذيب و محاكم التفتيش. لو أن الإسلام دخل الأندلس مرغما أهلها على اعتناقه بالتعذيب و محاكم التفتيش. الانتقام، حجة لا مبرر لها بالأساس. و قد استمر الحكم الإسلامي لقرون بسلام و تعايش بين الأديان الثلاث. و حقق الحكم الإسلامي ازدهارا حضاريا و عمرانيا قبل سقوط الأندلس. فلماذا إذن كل هذا الحقد؟ لدرجة أن هناك كتب ألفها الإسبان النصارى مدافعين عن محاكم التفتيش بوصفها "المبررة"! لا مبرر للحقد.

 

و من الملاحظ أن شك الإسبان في ولاء الموريسكيين (الأندلسيين) استمر طوال قرن من الزمان. ففي كل فترة يتم تقييم درجة تنصر الأندلسيين بسبب الشك في احتفاظهم بدينهم الإسلامي سرا. و كلما ابتعدوا نحو القرى و الجبال أو الأماكن البعيدة عن الحواضر و المدن، كانت درجة التمسك بالإسلام أعلى رغم تنصرهم الظاهري.

قوانين نقاء الدم و التمييز ضد كل من له أصول أندلسية.

من استطاع الحفاظ على هويته و لغته و دينه؟ من هاجر لبلاد إسلامية عربية. رغم أنهم في بعض الأحيان اعتبروا مرتدين أو نصارى. البقية لم تهجر لكن لم يساعدهم أحد على مدى قرن من الزمان.  فمن سيحاسب على هذا الإهمال و الضياع؟ المسلمون في هذا الوقت و حكامهم مسؤولون. كان هناك محاولات ضعيفة لم تنجح لا في استعادة الحكم و لا توفير الأمان لهؤلاء الموريسكيين. صاروا كالأيتام على موائد اللئام. كان هناك محاولات عقلانية و مراسلات لإقناع كبار رجال الحكم و الدين بالسماح لهم بأبسط الحقوق مثل الزي و اللغة و نمط الحياة و النظافة العامة..لكن الجواب كان مزيدا من التعسف و التحكم في أدق تفاصيل حياتهم.

المحرمات: (كاللباس والحناء والاسماء العربية والاغتسال  و الوضوء و الاذان والصلاة والصوم و أكل الكسكسي و رفض اكل لحم الخنزير ورفض شرب الخمر). و لأن اللغة تعني الهوية دائما..فقد حرمت الكنيسة اللغة العربية قولا و كتابة و فرضت اللغة القشتالية.

أما محاكم التفتيش و التعذيب فشرحها يطول. ولها سنفرد حلقة منفصلة بإذن الله.

أما الأمان و الشعور بالقلق الدائم من الترحيل و التفتيش على كل صغيرة فهو العبء الأكبر على مسلمي الأندلس بعد سقوطها. فضلا عن نظر النصارى و الحكام لهم بدونية رغم تنصرهم (قسرا أو طوعا). إحساس عجيب أن تمزج بين الدونية و القلق و أن تعيش كالعبد المذنب رغم أنك حر مجبر طول قرن من الزمان.

هل كانت كلها سنوات عجاف؟

الإجابة في الحلقة القادمة بإذن الله..إلى لقاء

Sunday, August 01, 2021

الدين و الدم - إبادة شعب الأندلس 1

بسم الله الرحمن الرحيم..

كتبت د/ إيمان الطحاوي

في رحلتي الطويلة مع الكتب، كثيرا ما كنت أوصي بالمفيد منها لأصدقائي. لأني أرى أن الكتاب لا يجب أن يقف عند شخص معين. علينا أن ننشر المعرفة بتزكية ما قد يفيد الآخرين من الكتب، أو بتلخيصها أو بنقدها. و أحيانا بإعارتها لهم ليقرؤها ثم تعاد إليكم!

و هناك بعض الكتب التي مع صدقها إلا أن مأساوية فصولها سببت لي الكثير من الإعياء و الحزن مثل رواية القوقعة لمصطفى خليفة.. الكتاب الذي أمامنا اليوم كاد أن يقف عندي للسبب ذاته. نعم، إنه يحوي وصفا مستفيضا لعمليات التعذيب بحق مسلمي الأندلس. لكنه يحوي معلومات و وثائق عرضت بأسلوب علمي سلس. برأيي، أن هذا الكتاب يستحق أن يقرأ مهما سبب لنا من أوجاع. علينا أن نعرف أكثر، و نتألم؛ لنتغير.

فلنبدأ إذن كتابنا اليوم و هو بعنوان (الدين و الدم- إبادة شعب الأندلس).

 للكاتب ماثيو كار


صدرت الطبعة الأولى منه في 2009 ثم ترجم إلى العربية في 2013. 

ترجم الكتاب د/ مصطفى قاسم، و راجعه د/ أحمد خريس.

و هذا هو تذييل الناشر للكتاب:

 "نتهي قصة الأندلس. أو أيبيريا الإسلامية، لدى الكثيرين عندما عام 1492 م. ولا يعلمون أ، ما يقرب من نصف مليون مسلم ظلوا يعيشون فى إسبانيا بعد سقوط آخر الممالك الإسلامية: غرناطة. لكن كيف كانت نهاية الأندلس، وماذا حدث لشعبها؟ هل غادروا البلاد إلى شمال إفريقيا، أو غيرها من بلاد المسلمين مع حكامهم المهزومين، أم بقوا فيها وعاشوا تحت الحكم الجديد؟ وماذا حدث لمن قبلوا العيش تحت حكم الممالك النصرانية، وكيف سارت حياتهم، وكيف كانت علاقاتهم بالدولة، والكنيسة، و"مواطنيهم" النصارى؟ هل ذابوا في المجتمعات النصرانية، وتلاشت خطوط الفصل الدينية والثقافية التي كانت تفصلهم عن النصارى في زمن الممالك الإسلامية؟ وكيف تعاملت الممالك النصرانية مع الاختلاف الديني والثقافي للمسلمين الذي خضعوا لسلطانها؟ يجيب كتاب "الدين والدم" عن هذه التساؤلات وغيرها، عبر تناول تاريخي رصين، ومحايد، ومتوازن، وشامل، لقصة المورسكيين ومصيرهم المأساوي، بداية من سقوط غرناطة عام 1492م، حتى طردهم النهائي من إسبانيا عام 1614م."

حين تتفوق الترجمة:

أضافت الترجمة و التوضيحات الكثير للقاريء العربي في حدود المطلوب. مما سهل مهمة قراءة هذا العمل المليء باسماء و تواريخ و أحداث، تعتبر بعيدة نسبيا عن ذهن القاريء العربي. 

 كاتب و كتاب: 

احتفاؤنا هنا بالكاتب و بالكتاب...المختلف في الكتاب هو أنه ليس بكائية على ملك ضائع منذ قرون كما اعتدنا.

أما الكاتب فهو ماثيو كار، مؤرخ و كاتب بريطاني يستخدم أسلوبا علميا في طرحه. دون تباكي أو تعصب. هناك القليل من الكتاب ممن أنصفوا هذه القضية من الباحثين العرب و هناك الكثير ممن زورها و برر مائة عام من الدم و نزع الهوية و التطهير العرقي بعد سقوط الأندلس من كتاب الغرب. و يجب أن ننتبه إلى صعوبة الحصول على المصادر البحثية و الوثائق للمؤرخين و الكتاب العرب.  

للكاتب عدة كتب يناقش فيها منشأ الإرهاب، مما قرب لنا وجهة نظره و ازددنا ثقة في جودة ما يقدمه.  وله روايات تعتمد على التاريخ منها (شياطين كاردونا) عن رحلة التحقيق في اتهام الموريسكيين ظلما بقتل كاهن أثناء سطوة محاكم التفتيش. 

نبدأ معا في القراءة و المناقشة. 

 في البدء..هذا كتاب عن مائة عام من التعذيب و الإفناء من السقوط حتى الطرد الكبير.

 لماذا كل هذا القتل و التعذيب ( الدم ) باسم (الدين)؟ لماذا التفتيش على (العبادات) و (العادات) و (اللغة) ثم على (القلوب)..و كأنهم آلهة على الأرض أو ملائكة يوزعون من يدخل الجنة و من يدخل النار. لم يكن غرض التعذيب إعادة الموريسكيين للدين النصراني لأنهم يعلمون أنهم في البدء لم يتنصروا طوعا. كان التعذيب نوعا من التقرب في الديانة الكاثوليكية. و لم يفرقوا بين السحرة و الزنادقة و المسلمين الذين اعتبروهم جميعا كفارا. فكلهم في نظرهم يستحقون التعذيب حتى الإبادة.  

كيف تم هذا؟ 

هذا ما سنعرفه في الحلقة القادمة..تابعونا ، و بانتظار آرائكم.

شكرا لكم. 

الجزء الثاني هنا 

Monday, July 26, 2021

إعادة نشر: كتاب مجزرة البونسة و تخاذل الغرب 1

كتبت د/ إيمان الطحاوي 

كتاب: مجزرة البونسة و تخاذل الغرب
تأليف: ديڨيد ريف
ترجمة: عبدالسلام رضون، و محمد الصاوي الديب.
الناشر: مؤسسة الشراع العربي، الكويت، الطبعة الأولى عام 1995.

مجزرة البونسة و تخاذل الغرب 1

مجزرة البونسة و تخاذل الغرب 2

مجزرة البونسة و تخاذل الغرب 3

 سأعرض الكتاب و قد انتهجت فيه طريقة الاقتصاص المرتب لفصول الكتاب العشر، مع الإضافات البسيطة اللازمة. سأضع في طيات العرض صورا موثقة من مجزرة (البوسنة) لم ترد في الكتاب. لكن دعونا نبدأ كما تعودنا بترجمتي الخاصة لما كتب عن هذا الكتاب.  


يكتب (ديڨيد ريف) بمعرفة شاملة جدا، و طريقة متعمقة جدا، و بعاطفة فائرة جدا، و مبادىء أخلاقية نشيطة جدا، مما يجعلنا لا نخرج من قراءة كتابه إلا بأمل للبشرية.


يربط (ديڨيد ريف) مأساة البوسنة بالنار والغضب
.

لا اعتقد أن أحدا يستطيع قراءة هذا الكتاب إلا و مصحوبا بالألم والغضب.

في هذا العمل المبهر و الصادم و المقلق جدا، يكتب لنا (ديڨيد ريف) من منطقة حرب (البوسنة) ومن العواصم ومقرّ الأمم المتحدة الغربي، يتّهم الغرب والأمم المتّحدة بالوقوف صمتا دون فعل أي شيء ليوقف الإبادة الجماعية لمسلمي (البوسنة)المجزرة هو الترجمة و التفسير الجازم لهذه الحرب و الذي سيذكر دوما بالفشل الأعظم للدبلوماسية الغربية منذ الثلاثينات.

(البوسنة) كانت أكثر من مأساة إنسانيةكانت شعارا فاشل و ارتباك المجتمع الدولي في ما بعد فترة الحرب الباردةفي (البوسنة)، ظهرت مرة ثانية الإبادة الجماعية والفاشية العرقية في (أوروبا) للمرة الأولى في غضون خمسين سنة.

لم تكن هناك إرادة أو رغبة لمواجهتهم؛ إما من ناحية (الولايات المتّحدة)، أوروبا الغربية، أو الأمم المتّحدة، حيث كانت التجربة البوسنية هائلة ومثيرة للإحباط مثل (فيتنام) بالنسبة إلى (الولايات المتّحدة)إنه الفشل ونتائجه الذي يشرحه و يصنفه (ديڨيد ريف) في ظل هذه الحرب.

قد يقول أحدهم بأنّ هذه الحادثة المروّعة، كمافي كتاب (ديڨيد ريف) الممتاز والغاضب جدّا، كان مثالا من ردّ فعل العالم تجاه (البوسنة)حياد خاطئ بين القاتل والضحيّة يتحرّكان نحو الانغماس النشط ضدّ الأخير؛ رفض لقبول اللوم أو المسؤولية لأعماله؛ دولة عضو من الأمم المتّحدة وقعت في غدر الأمم المتّحدة بشكل مبالغ و هي في طريقها إلى السلام تبلغ تصفيتهاأحدهم قد يقول هذا، لكن ذلك لن يكون كافيا(ديڨيد ريف) يذكّرنا بالرعب الكامل ومجون الحرب البوسنية، ويزوّدنا بصور صادمة للقسوة الغربية.

(ديڨيد ريف) يناقش، بشكل صحيح، بأنّ تدخّل منظمة حلف شمال الأطلسي NATO وحده كان يمكن أن يوقّف التطهير العرقي. لقد كانوا أناسا عاديين؛ أطباء، معلمين، أباء، إلخالذين نشأوا في صدر الحضارة، في أوروباتوقّعوا أن تلك الحضارة ستحميهم من الرعب المنطلق من قبل الصرب البوسنيين، و صدموا عندما لم تحدث تلك الحمايةالفهم كان أعلى من طاقتهم، هذا ببساطة لا يمكن أن يحدث في نهاية القرن العشرين في قلب أوروبا، لكنّه حدث.

أسوأ مذبحة في أوروبا منذ المحرقة،  250 000 قتيل. لماذا؟ السيد (ديڨيد ريف) يصل لنفس الاستنتاج في النهايةالأسطورة و الوهملقد كان الأتراك و الإنكشاريين و ال  ...يأتون إلى الصرب في أحلامهم، بينما كان الواقع في قتل و اغتصاب مسلمي (البوسنة) بدلا من ذلكلماذا قتلوا بوسنيا مسلما بالسبعين من عمره؟ ألا تفهم أنهم فعلوا هذا لأن في عام 1389 م ضرب الأتراك الأمير لازار في  سراييفو؟

تذييل الناشر العربي: 
على امتداد صفحات هذا الكتاب، يدين (ديڨيد ريف) – من واقع رؤيته المباشرة كشاهد عيان- و من قلب الأحداث في ميادين  الحرب، الغرب و الأمم المتحدة لوقوفهما موقف المتفرج بينما يجري في إفناء (البوسنة). و خلال تنقلاته كمراسل لمجلة أمريكية في منطقة البلقان لأكثر من عامين، من (سراييفو) إلى المدن و القرى الأخرى المحاصرة، لم يكن (ريف) يتصور في البداية  - شأنه في ذلك شأن البوسنيين أنفسهم- أن ما يشاهده إنما هو حرب للإبادة. و يحلل (ريف)، في هذا الكتاب، الشهادة بدقة و صرامة بالغتين، و من خلال حواراته مع المسؤولين  و الناس العاديين في قلب هذه القصة المأساوية، أبعاد السقوط الأخلاقي للغرب. إنها رحلة صادمة و مذهلة، و شهادة لا تقل قوة و عمقا عن رواية (جورج أوريل) الكلاسيكية لوقائع الحرب الإسبانية في (المجد لكتالونيا).

Sunday, February 28, 2021

لماذا تقتل يا زيد؟

اسمحوا لي بأن اكتفي بهذه الفقرة القصيرة من كتاب

لماذا تقتل يا زيد؟    

للكاتب الألماني يورجين تودينهوفر




Monday, February 22, 2021

مما قرأت: الحب الحقيقي للدكتور عادل صادق - رحمه الله-

قد يبدو ظاهرياً أنك اخترت بإرادتك أن تحب ، ولكن في حقيقة الأمر أن الحب هو الذي اختارك وذلك لأنك أهل لأن تحب وأن تكون محبوباً ، أي لتخوض أعظم وأعمق تجربة إنسانية وهي الحب .
والقادرون على الحب الحقيقي قليلون مثل كل شيء ثمين ، الحب يحتاج إلى مؤهلات معينة ، سمات خاصة في الشخصية ، ومعظمها سمات ومؤهلات يكتسبها الإنسان من الأسرة والمجتمع أي البيئة المحيطة وصفات شخصية يكتسبها بنفسه ، ”  قبل أن تبحث عن نصفك الآخر تأكد أن نصفك الأول مكتمل ”
وإذا فَهمنا طبيعة الحب الحقيقي ، فإننا نستطيع أن نتوقع تلك السمَات التي تؤهل أي إنسان ليخوض هذه التجربة السامية .
الحب الحقيقي ليس هزلاً ، ليس عرضاً مؤقتاً ، ليس ميلاً عاطفياً مجرداً ، ليس نزوة ، ليس رغبة ، ليس عبثاً ، ولكنه تجربة استيعابية شاملة مركزها جوهر الإنسان وذاته ووعيه ، مركزه الباطن وتشمل كيان الإنسان كله أي الفكر والوجدان والسلوك.
ولذلك فجوهر تجربة الحب الحقيقي هو الصدق ، وإذا كان الموت هو الحقيقة المؤكدة الماثلة أمام أعين البشر ، وتؤثر تأثيراً ضخماً في حياتهم ، وهي ذات مغزى ، فإنه على الطرف المقابل يأتي الحب الحقيقي ليصبح هو الحقيقة الأخرى المؤكدة والتي تؤثر في حياة البشر تأثيراً ضخماً وتحمل أسمي وأقوي المعاني .
إذن فالحقيقتين الثابتتين في وجود الإنسان هما الحب والموت ، مركز الحياة ، ومعني الحياة ، يحددان مصير الإنسان ويشكلان وعيه ورؤياه وفلسفته ويؤثران على إدراكه وفهمه وسلوكه ،لحظة الحب الحقيقي هي لحظة الصدق ، ولحظة الموت الحقيقي هي لحظة الصدق .
ولهذا فإن تجربة الحب الحقيقي لا يقوي عليها إلا إنسان صادق ، هذا هو الشرط الأول والأساسي ، الحب الحقيقي يدل على صدق الإنسان الذي يعايشه ، والإنسان الصادق يدلل على أن حبه هو حب حقيقي ، لا يمكن لكاذب أو مخادع أو منافق أو غشاش أو نصاب أن يعيش تجربة صدق ولا يمكن للتجربة الصادقة أن تتحقق من خلال كاذب أو مخادع أو منافق أو غشاش أو نصاب .
وإذا كان جوهر الحب الحقيقي هو الصدق فإن جوهر الصدق هو الصدق مع النفس ، إن الصدق مع الذات هو أسمي وأعلي مراتب الصدق بل هو قلب الصدق ، فلا صدق بدون صدق مع الذات ، والصدق مع الذات يتطلب وعياً ، نضجاً ، استبصاراً ، شجاعة ، خبرة ، ثقة بالنفس ، فالصدق مع الذات هو القوة الحقيقية ، رمز القوة في الإنسان ، من هو أقوي البشر ؟ إنه الإنسان الذي يتمتع بأكبر درجات الصدق مع الذات ، إنها البصيرة ، القدرة على النفاذ إلى الداخل ، السيطرة الكاملة على الوعي ، الفهم الحقيقي ، إنه التحرك من الداخل إلى الخارج ، من المركز إلى المحيط ، من القلب إلى الأطراف ، من الباطن إلى السطح ، وتلك هي الحركة الطبيعية في الكون كله ، وذلك هو الناموس الطبيعي الذي حدد الله به علاقة الأشياء ببعضها وعلاقة كل شيء مع نفسه .
وهذه هي الصورة المثلي الطبيعية التي صيغ الإنسان عليها ، أن يكون له وعي وحين يكون هذا الوعي صادقاً فإنه يحدد حركة الإنسان الطبيعية في الحياة بأن يكون هو مركز هذه الحركة .
وبذلك يكون هذا الإنسان منسجماً مع كل ما هو طبيعي وصادق في الحياة ، ولهذا لا نتوقع منه إلا الصدق ، ولهذا فإنه في لحظة ما يستطيع أن يٌحب ، أن يختاره الحب حين يمهد له اللقاء مع ذات إنسانية أخري تتحرك هي أيضاً من وعيها الصادق ، وبذلك يكون الحب الحقيقي التقاء ذاتين ، التقاء وعيين  .
لا يمكن أن يتحقق حب حقيقي بين اتنين إلا إذا تحرك كل منهما من الداخل ، من مركز الوعي ، أي لا بد أن يكون كل منهما صادقاً مع ذاته أولاً ، وبذلك يتحرك كل منهما نحو الآخر ، كأن يداً خفية تدفعه ناحية الآخر ، يتحرك بحدسه ، بإلهامه ، بقوة غير مرئية ، روحه أو بصيرته هي التي تقوده .
إن لحظة الصدق التي يشعرها كل منهما ناحية الآخر في لحظة اللقاء الأول أو في هذا الجزء من الثانية هو الذي يحدد مسار العلاقة بعد ذلك وهو الذي يجعل كل منهما يتوقف عند الآخر ، يندهش ، ينبهر ، تتحرك كل أجهزته تهيؤاً للحدث العظيم ، يشعر أنها أهم لحظة في حياته ، بل أخطر لحظة في حياته ، منعطف هام ، نقطة تحول جذرية ، يري أن المستقبل الحقيقي يبدأ من عند هذا الجزء من الثانية ، إنها لحظة كشف ، وتتسلط الأنوار كلها عند هذه البقعة من وعيه ، ويقترب دون خوف بجرأة قد تكون غير معتادة ، بثقة ، بتحد ، بشجاعة ، لا يمكن أن يترك هذه اللحظة  من الزمان تفلت منه ؛ لأنه يريد أن يربطها بكل لحظات حياته المستقبلية ، وذلك تأكيداً للصدق ، لصدقه ، أي لتحركه من مركز وعيه ، فالصدق يجعله شجاعاً ، جريئاً ، واثقاً .
في اللحظة الأولي أو في هذا الجزء من الثانية ينتابه شعور الفرحة ممزوجاً بالطمأنينة ، ويندهش حين يتولد لديه شعور آخر غير المفهوم بأنه يعرف هذا الإنسان من زمن بعيد ، ألفة وطمأنينة غريبة يشعرها مع هذا الغريب الذي لم يكن يعرفه من قبل والذي التقي به منذ لحظة واحدة ، ويتولد لديه شعور آخر أكثر غرابة بأنه سوف يظل يعرف هذا الإنسان بقية حياته من خلال علاقة قريبة جداً
ولذلك ، فإننا حين نقول لإنسان انضج فهذا معناه ، كن نفسك ، وهذا معناه أيضاً : كن صادقاً مع ذاتك  ، أي تحرك من داخلك ، تحرك من صميم ذاتك ومن مركز وعيك بفهم كامل وبصيرة ، بذلك تكون ناضجاً ، أي مؤهلاً للحب الحقيقي ، أي تكون إنساناً حقيقياً .
الإنسان الحقيقي هو الإنسان القادر على الحب ، هو الإنسان المؤهل لأن يحب وأن يكون محبوباً أما الإنسان المزيف فهو غير قادر على الحب ، ليس مؤهلاً لأن يحب ، قد ينخدع بمظهره إنسان بسيط فيعجب به لحين ، وقد يخدع هو الآخرين بعواطف زائفة ، ولكنه سرعان ما ينكشف أمره ، ولهذا ينتقل من علاقة إلى علاقة تحت مسمي الحب ، ولكنه حب زائف ، هو لا يستطيع أن يحب ؛ لأنه لا يستطيع أن يعطي نفسه بالكامل ، في الحب الحقيقي فإنك تعطي نفسك بالكامل لمن تحب أي تهبه حياتك .
الإنسان الحقيقي المؤهل للحب هو إنسان كريم سخي معطاء ، سعادته الحقيقية في العطاء ، الإنسان البخيل هو إنسان أناني نرجسي (النرجسية تعني حب النفس ) ، والأناني لا يحب ، والنرجسي لا يحب ، الأناني النرجسي يريد كل شيء لنفسه ، ولا يري إلا نفسه ويريد أن يٌسَخر الآخرين لخدمته ، لا يأبه لمشاعر الآخرين وآلامهم ، ولذلك فهو معزول نفسياً ، لقد أقام جداراً صلباً بينه وبين الآخرين ، بينه وبين جيرانه وزملائه وأقاربه ، ولذلك فهو غير مؤهل وغير مدرب ؛ لأن يلتقي بتلك الذات الإنسانية التي تجبره على هدم ذلك الجدار الذي يفصله عن الناس ، وهو غير قادر علي أن يثير الحب في صدور الآخرين .
هناك بشر يملكون هذه المقدرة العجيبة على تحريك مشاعر الآخرين إيجابياً تجاههم ، قادرين على تحريك العواطف ، قادرين على إشعال نار الحب في قلوب الآخرين ، نور أو قل إشعاع يصدر عنهم ، هالة طاقة تحيط بهم ، سر غامض لا تستطيع أن تدركه أو تفسره . يجعلهم يستقرون على مقعد قلبك الرئيسي ، بمجرد أن تراهم وربما لأول مرة ، بينما الأناني النرجسي يفتقد هذه المقدرة تماماً ، قد يثيرك جماله ، وقد تعجب بنجاحه ، وقد تنبهر بذكائه ولكنه أبداً لا يحرك قلبك .
والإنسان الكريم لا يكون كريماً مع حبيبه فقط ، ولكن الكرم والعطاء أسلوب حياة بالنسبة له ، فلسفة خاصة ، هكذا هو من قبل أن يلتقي بمن يحب ، وهو موقف قائم على الإحساس بالآخرين ، الإحساس بالبشر والشعور بالمسئولية تجاه الإنسانية عامة ، إنه يشفق ويعطف من قبل أن يعرف الحب طريقه إلى قلبه ، وهو أيضاً يحترم الذات الإنسانية ، ينظر إلى البشر على أنهم ذوات حرة مستقلة تحمل نزوعاً للخير يفوق نزوعها للشر ، ولذلك فقدرته على التسامح عالية ، لا ينصب نفسه قاضياً أو جلاداً ، ولا يترفع أو يتعالي أو يتكبر ، ولهذا فالتواضع من صميم صفاته ، المتكبر لا يستطيع أن يحب ، والمغرور لا يستطيع أن يحب ولا يستطيع أحد أن يحبه ، إنها صفات تزيد من الهوة والحواجز التي تفصل بين نفوس البشر .
الإنسان المؤهل للحب لا يتمادي في عداء ، ولا يلجأ إلى العنف ، ولا يخطط لإيذاء ، ولا يسعد بمصيبة آخر ، ويَهب عن طواعية وطيب خاطر لمساعدة من يحتاجه أو من يلجأ إليه ، ولهذا فهو يتسم أيضاً بالشجاعة ، شجاعة مصدرها قوة إيمانية ، إيمانه بالله ، ولهذا فهو يحب كل مخلوقات الله ، ويتعاطف معها ويحترمها ، ولذلك يهتم بأن يكون له دور إيجابي في الحياة ، يرفض أن يكون سلبياً ويرفض أن يكون عاطلاً ويرفض أن يكون متجمداً فهو إنسان نشط ، إنسان منتج ، إنسان يعمل ، حركة للأمام ولأعلي ، حركة إيجابية هادفة ، ولذلك فهو حين يحب فإن حبه يكون حقيقياً .
فالحب الحقيقي ليس مجرد هوى وميل وانجذاب وتعلق وعاطفة ، الحب الحقيقي هو موقف واتجاه حركة وفعل واطمئنان روح والشعور بالأمان ، حب يمتد نحو العالم .
عالم الحركة والفعل والفكر ، الحب الحقيقي يشمل بناء الشخصية ذاتها وارتباطاتها بعالمها المحيط ، الحب الحقيقي الصادر عن إنسان حقيقي هو فعل إبداعي ؛ لأنه يتضمن ارتباطاً روحياً عميقاً بذات أخري تتمتع بالنضج قادرة علي العطاء المطلق والإحساس بالمسئولية واحترام البشر والتعاطف معهم ، ذات مؤمنة متواضعة شجاعة .
هذا هو مفهوم النضوج والذي يجعل الإنسان صادقاً يتحرك من جوهر ذاته ، أي إنسان حقيقي ، إنسان يتمتع بصفاء روحية سامية تتضاعف عشرات المرات ، وتتأكد وتٌثمر حين يلتقي بنصفه الآخر ، توأم روحه ، فيتاح حينئذ لفيض الخير الذي بداخله أن يجد من يتلقاه كالنهر السخي الذي لابد أن يجد أرضاً صالحة طيبة تتشرب مياهه وتزدهر بها ، ولذلك فالحب الحقيقي هو خبرة إبداعية ، والمحب هو أقرب إلى الفنان ، أو هو عاشق للفن ، والفن عنده أسلوب حياة ، إن تناوله للحياة هو تناول الفنان الذي يعطي كل اهتمامه لفنه ، عمله حتى وإنه كان بسيطاً يحيله إلى فن ، يؤديه باستمتاع وإتقان وإخلاص ويضفي عليه لمسات الجمال .
حواره فن فهو لا يتلفظ إلا بكل ما هو جميل ، ذات معني ومضمون إنساني فكري حتي وإن كان متواضعاً عمله وثقافته . علاقاته بالآخرين من أغراب وجيران وزملاء وأصدقاء وأقارب فيها فن أيضاً ، فهي علاقات تتسم بالبراءة والبساطة ، والتلقائية ، والمباشرة والبعد عن سوء الظن وافتراض الخير كأساس لكل علاقة إنسانية ، فن يتبدي بوضوح في مودته التي تصبغ كل علاقاته الإنسانية بكل الطبقات الاجتماعية . وهو يتخير الأخيار لصحبتهم : لا تقوي روحه على مصاحبة خبيث ، أو مخادع  ، أو منحرف ، أو متكبر ، أو أناني ، الإنسان الحقيقي يحيط نفسه ببشر حقيقيين . والإنسان الحقيقي هو الإنسان القادر على اتخاذ قرارات حقيقية ، أي القرارات الصادقة ، الحقيقة والصدق ، وجهان للشجاعة ، إذن هو إنسان حقيقي ، أي صادق ، أي شجاع .قراره حقيقي أي صادر منه هو من داخله ، من بؤرة ذاته ، وعين عقله ، وقلب باطنه ، دون أن يخضع لأي مؤثرات خارجية ، ولهذا فاختياراته حرة مطلقة ، هو يتحمل مسئولية اختياراته ، ولهذا لا يتنازل عنها بسهولة إزاء صعوبات أو مشاكل تواجهه . أما الإنسان المهزوز الذي يبني مواقفه وقراراته على آراء الآخرين ، وتكون اختياراته خاضعة للإيحاء من الآخرين ، فإنه يتنازل عنها بسهولة ، ينقلب إلى النقيض في ثانية ، يتراجع عن قراراته ومبادئه ؛ لأنه يعرف أنها غير حقيقية وغير صادقة ،  أي ليست نابعة من ذاته ، ولهذا فالإنسان الحقيقي يدافع عن حبه ، يحافظ عليه ، يناضل من أجله ، ولذا فالحب الحقيقي يستمر مدي الحياة ، أما الحب الزائف فهو حب مرحلة ، متقلب ، متغير ،هو الحب الذي من الممكن أن ينقلب إلي كراهية ، أو إلي تبلد تام للمشاعر علي أقل تقدير . والإنسان الحقيقي بالرغم من أنه يتغير بمعني أنه يتطور وينمو ويزداد وعيه بصورة مستمرة ، بل هو حريص على التطور إلا أن مبادئه الأساسية ثابتة ، جوهره ثابت ولذا فحبه ثابت ، فهو إنسان مؤمن بنفسه ، ومؤمن بمن يحب ، وهو حين اختار فإنه قد اختار بإرادته الحرة ، اختار من صميم ذاته وروحه ، ولهذا فهو سيد قراره . قرار اتخذه بوعيه الكامل ، أي يعرف كيف اتخذه ، يستطيع أن يلمس ذلك في أعماقه ، يعرف تماماً أنه صادر من أعمق أعماقه ، ولهذا فهو يتحمل كافة المسئوليات المتعلقة بهذا القرار ، ولذلك من النادر أن يستشير أحداً إذا واجهته صعوبة أو مشكلة ، ومن المستحيل أن ينصاع لرأي أحد يختلف مع رأيه أو يطلب منه التنازل أو التراجع عنه ، ولهذا فهو قد يتهم بالعناد أو بالضعف ، والحقيقة أنه ليس كذلك ، فالتصميم على الرأي ليس عناداً بل إيماناً ، وعدم القدرة على التراجع عنه ليس ضعفاً بل قوة . والقرار الحقيقي يصدر عن شيئين : إلهام داخلي ، وفهم للذات والموضوع ، فالإنسان الحقيقي ؛ لأنه يتمتع بالصفاء ، فإن له بصيرة أكثر عمقاً ووعياً ، يعتمد على حدسه ، يهتدي إلى الطريق بفعل ضوء داخلي صادر من مكان ما في أعماق باطنه ، وهو يثق في هذا الإلهام وهذا الحدس ويمشي وراءه بثقة ويؤمن به عن إقتناع ، قد يبدو هذا اقتناعاً غير موضوعي ، ولكنه في الحقيقة يمثل قمة الموضوعية ؛ لأن ذلك هو جوهر حياة الإنسان ، حياة باطنية وحياة خارجية ، حياة روحية وحياة مادية ، واقع ملموس وغيب غير مرئي ، وكلما كانت النفس مؤمنة صافية عامرة بالحب خالية من الحقد والحسد بعيدة عن الشر ، قريبة إلى الخير والصفاء والتواضع ، كلما كانت أقدر علي الاستشفاف والإدراك الخفي والرؤية الباطنية . ولهذا فإن الإنسان الحقيقي حين يحب يدرك حقاً أنه يحب وأن حبه حقيقي ، لا أحد يدله على ذلك ، إنه يهتدي بنور داخلي يصدر من مكان ما في أعماقه ، وهو يفهم ذلك تماماً ، أي يفهم نفسه وذاته .
وهو أيضاً قرار مبني على فهمه للإنسان وللموضوع ، أي للواقع المحيط ، فرؤياه ثاقبة مبنية على خبرة بريئة ، والخبرة البريئة هي القادرة على رؤية العلاقات الصحيحة بين الأشياء ، أما صاحب الخبرة الخبيثة أو المبنية على خبث أو التي أكسبت الإنسان خبثاً وسوء نية فإنها تري العلاقات مضطربة ومعوجة ومنحرفة ولهذا تكون علاقاته بالعالم الخارجي مبنية على الشك وسوء النية ، ولهذا فهي علاقات مضربة قلقة وتسبب ألماً وتزيده حيره وعداوة .
الإنسان الحقيقي يدرك أن قراره قرار صحيح ، وأن اختياره اختيار حكيم ، ولهذا يشعر بالطمأنينة الفرحة ، وتلك هي المشاعر المباغتة التي تنتاب الإنسان حين يلتقي بنصفه الآخر وتوأم روحه للمرة الأولي ، ولهذا يشعر بسعادة طاغية خالية من الخوف وبعيدة عن الشعور بالذنب ، سعادة تجسد حريته المطلقة ، أما الإنسان غير الحقيقي فهو عبد ذليل خائف ولهذا فهو لا يثير حباً ولا يحظي بحب .
وفي النهاية يهتف الإنسان الحقيقي  صاحب القرار الحقيقي من أعماقه : أنا حر .
إذن الإنسان الحقيقي هو إنسان حر ،شجاع ، قوي ؛ ورغم قوته فهو متواضع ، وتواضعه هو مصدر رحمته ، وتلك هي الشخصية الثرية السخية اللامحدودة الطموحة ، أما الإنسان الزائف هو إنسان  فقير ومحدود ، ليس فقراً مادياً ، ولكن فقر في الشخصية ، لا يستطيع أن يبتعد خارج حدود ذاته ، ولهذا من المستحيل أن يلتقي مع جوهر ذات أخري .
وصحبته دائماً من الأشرار السيئين ؛ لأنهم يتكلمون لغة مشتركة ، مع السيئين يشعر بعد التهديد ، لن يهدده أي حصار عاطفي ، الإنسان الزائف يخاف من حب الآخرين ويخاف من نفسه ، يخشي أن يقع في الحب ، وهو في الحقيقة لن يحب ؛ لأنه غير قادر على الحب ، وإذا تعلق بإنسان من الجنس الآخر ، فهو تعلق مادي ، مال أو جنس ، نفع أو شهوة ، أي قمة الفقر والزوال ثم الحسرة والندم هم أقرب أصدقاء حياته .
د.عادل صادق 
ملحوظة:  (إعادة نشر من المدونة الأصلية ..نشر أولا في 2015)

Friday, February 19, 2021

عن رحيل طبيب القلب الانسان..

 كتبت د/ إيمان الطحاوي

منذ أيام، رحل عن عالمنا طبيب القلب الشهير (برنارد لاون) عن عمر يناهز 99 عاماً. في عام 1962، اخترع "لاون" جهاز تنظيم ضربات القلب، وهو جهاز يستخدم الصدمة الكهربائية لإعادة القلب إلى نظامه الطبيعي. كما كان من أول الأطباء الذين أكدوا على أهمية الحمية الغذائية و التمرينات الرياضية في علاج أمراض القلب. 

Bernard Lown
Dr Bernard Lawn 1921-2021

أما على الجانب الانساني، فقد بدأ اهتمامه بمسألة الحرب النووية منذ عام 1959 حين كان يستمع في إنجلترا لمحاضرة عن خطر الصراع النووي. كان يلقيها السير/ فيليب نويل بيكر - و كان للتو حاصلا على جائزة نوبل للسلام أيضا. بعدها، اجتمع الدكتور لاون بثمانية أطباء، لتنشأ بينهم مجموعة تسمى (أطباء من أجل المسؤولية الاجتماعية). يمر الوقت، و يؤسس مع زملائه (رابطة الأطباء الدوليين لمنع الحرب النووية). و التي بلغ عدد أعضائها 135 ألفا من 41 دولة، منها روسيا و الولايات المتحدة الأمريكية. كان هدفها وقف تجارب الأسلحة النووية و التوعية بآثارها المدمرة.  لهذا استحقت الرابطة جائزة نوبل للسلام في عام 1985. 

 و أترككم مع ترجمتي المختصرة لكلمته أثناء تلقيه هذه الجائزة.

"الأمل بدون عمل هو أمر ميؤوس منه. "

نحن الأطباء نحتج على احتجازالعالم كله كرهينة. نحتج على الزيادة المستمرة في المبالغة في القتل.  نحتج على توسع سباق التسلح إلى الفضاء. الحوار بدون أفعال يقرّب الكارثة أكثر من أي وقت مضى..نحن الأطباء نطالب بأفعال لتنفيذ المزيد من الأعمال التي ستؤدي إلى إلغاء جميع الأسلحة النووية.

السيدات والسادة الزملاء الأعزاء،

أوفياء لقسم أبقراط ، لا يمكننا أن نصمت ونحن نعلم ما يمكن أن يجلبه وباء - الحرب النووية -  للبشرية. يرن جرس هيروشيما في قلوبنا، ليس كجرس جنازة ولكن كجرس إنذار، يدعو إلى اتخاذ إجراءات لحماية الحياة على كوكبنا. لقد حذرنا الشعوب والحكومات من أن الطب سيكون عاجزًا عن تقديم الحد الأدنى من الإغاثة لمئات الملايين من ضحايا الحرب النووية.

لنتذكر كلمات المؤلف الفرنسي الرائع أنطوان دو سانت -إكسوبيري الذي قال: "لماذا نكره بعضنا البعض؟ نحن جميعًا في أمر واحد و في زمن واحد ، نتشارك نفس الكوكب ، نحن طاقم من نفس السفينة. إنه لأمر جيد أن يولد الخلاف بين الحضارات المختلفة شيئًا جديدًا وناضجًا. ولكنه أمر شنيع عندما يلتهمون بعضهم البعض ".

إن المواجهة هي طريق الحرب والدمار ونهاية الحضارة. حتى اليوم ، تحرم شعوب العالم من مئات الملايين من الدولارات التي هي في أمس الحاجة إليها لحل المشكلات الاجتماعية ومكافحة الجوع والأمراض. 

بينما التعاون هو الطريق إلى زيادة رفاهية الشعوب وازدهار الحياة. يعرف الطب العديد من الأمثلة عندما ساهمت الجهود المشتركة للدول والعلماء في مكافحة الأمراض مثل الجدري.

لم تكن السنوات الخمس التي أمضاها أطباء دوليون لمنع الحرب النووية كلها ورودًا. كان علينا أن نتعامل مع انعدام الثقة والتشكيك واللامبالاة والعداء أحيانًا. تطلعاتنا واضحة: فمنذ الأزل، كان الطبيب -ولا يزال- هو الشخص الذي يكرس حياته لسعادة إخوانه من بني البشر. 

إن منح جائزة نوبل لحركتنا ينشط جميع القوى الداعية إلى القضاء على الأسلحة النووية من الأرض.

في هذه اللحظة أتذكر البرقية التي تلقيتها وقت انعقاد أول مؤتمر لنا من امرأة عادية في بروكلين. كانت قصيرة: "شكرا نيابة عن الأطفال".

بصفتنا بالغين ، نحن ملزمون بتجنب تحول الأرض من كوكب مزدهر إلى كومة من ركام. واجبنا تسليمها لخلفائنا في حالة أفضل مما ورثناها. لذلك ، ليس من أجل الشهرة، ولكن من أجل السعادة ومستقبل جميع الأمهات والأطفال ، عملنا - نحن الأطباء الدوليون لمنع الحرب النووية -، ونعمل الآن، وسنظل نعمل...

نمتليء أنا و دكتور تشازوف -طبيب قلب روسي مؤسس-  مشاعر عميقة من الامتنان والتواضع والفخر لأننا نقبل هذه الجائزة المرموقة نيابة عن الرابطة. كلانا طبيب قلب، وعادة ما نتحدث عن القلب. إذا أردنا أن ننجح في هدفنا المتمثل في تخليص الترسانات العسكرية من أدوات الإبادة الجماعية ، فنحن بحاجة إلى القوة التنشيطية (غير العادية) التي تأتي عندما يتحد العقل والقلب لخدمة البشرية.

نحن الأطباء الذين يرعون الحياة البشرية من الولادة إلى الموت، لدينا واجب أخلاقي لمقاومة  الانجراف نحو الهاوية. يجب علينا التحدث نيابة عن السكان المهددين على هذا الكوكب الهش. 

#Science #Peace #UNESCO  #CARDIOLOGY 

رواية قناع بلون السماء تفوز بالجائزة العالمية للرواية العربية 2024

  رواية قناع بلون السماء تفوز بالجائزة العالمية للرواية العربية 2024 خندقجي (40 عامًا) من نابلس، واعتُقل في الثاني من نوفمبر 2004، وتعرض عقب...