Showing posts with label قراءة في كتاب. Show all posts
Showing posts with label قراءة في كتاب. Show all posts

Sunday, August 01, 2021

الدين و الدم - إبادة شعب الأندلس 1

بسم الله الرحمن الرحيم..

كتبت د/ إيمان الطحاوي

في رحلتي الطويلة مع الكتب، كثيرا ما كنت أوصي بالمفيد منها لأصدقائي. لأني أرى أن الكتاب لا يجب أن يقف عند شخص معين. علينا أن ننشر المعرفة بتزكية ما قد يفيد الآخرين من الكتب، أو بتلخيصها أو بنقدها. و أحيانا بإعارتها لهم ليقرؤها ثم تعاد إليكم!

و هناك بعض الكتب التي مع صدقها إلا أن مأساوية فصولها سببت لي الكثير من الإعياء و الحزن مثل رواية القوقعة لمصطفى خليفة.. الكتاب الذي أمامنا اليوم كاد أن يقف عندي للسبب ذاته. نعم، إنه يحوي وصفا مستفيضا لعمليات التعذيب بحق مسلمي الأندلس. لكنه يحوي معلومات و وثائق عرضت بأسلوب علمي سلس. برأيي، أن هذا الكتاب يستحق أن يقرأ مهما سبب لنا من أوجاع. علينا أن نعرف أكثر، و نتألم؛ لنتغير.

فلنبدأ إذن كتابنا اليوم و هو بعنوان (الدين و الدم- إبادة شعب الأندلس).

 للكاتب ماثيو كار


صدرت الطبعة الأولى منه في 2009 ثم ترجم إلى العربية في 2013. 

ترجم الكتاب د/ مصطفى قاسم، و راجعه د/ أحمد خريس.

و هذا هو تذييل الناشر للكتاب:

 "نتهي قصة الأندلس. أو أيبيريا الإسلامية، لدى الكثيرين عندما عام 1492 م. ولا يعلمون أ، ما يقرب من نصف مليون مسلم ظلوا يعيشون فى إسبانيا بعد سقوط آخر الممالك الإسلامية: غرناطة. لكن كيف كانت نهاية الأندلس، وماذا حدث لشعبها؟ هل غادروا البلاد إلى شمال إفريقيا، أو غيرها من بلاد المسلمين مع حكامهم المهزومين، أم بقوا فيها وعاشوا تحت الحكم الجديد؟ وماذا حدث لمن قبلوا العيش تحت حكم الممالك النصرانية، وكيف سارت حياتهم، وكيف كانت علاقاتهم بالدولة، والكنيسة، و"مواطنيهم" النصارى؟ هل ذابوا في المجتمعات النصرانية، وتلاشت خطوط الفصل الدينية والثقافية التي كانت تفصلهم عن النصارى في زمن الممالك الإسلامية؟ وكيف تعاملت الممالك النصرانية مع الاختلاف الديني والثقافي للمسلمين الذي خضعوا لسلطانها؟ يجيب كتاب "الدين والدم" عن هذه التساؤلات وغيرها، عبر تناول تاريخي رصين، ومحايد، ومتوازن، وشامل، لقصة المورسكيين ومصيرهم المأساوي، بداية من سقوط غرناطة عام 1492م، حتى طردهم النهائي من إسبانيا عام 1614م."

حين تتفوق الترجمة:

أضافت الترجمة و التوضيحات الكثير للقاريء العربي في حدود المطلوب. مما سهل مهمة قراءة هذا العمل المليء باسماء و تواريخ و أحداث، تعتبر بعيدة نسبيا عن ذهن القاريء العربي. 

 كاتب و كتاب: 

احتفاؤنا هنا بالكاتب و بالكتاب...المختلف في الكتاب هو أنه ليس بكائية على ملك ضائع منذ قرون كما اعتدنا.

أما الكاتب فهو ماثيو كار، مؤرخ و كاتب بريطاني يستخدم أسلوبا علميا في طرحه. دون تباكي أو تعصب. هناك القليل من الكتاب ممن أنصفوا هذه القضية من الباحثين العرب و هناك الكثير ممن زورها و برر مائة عام من الدم و نزع الهوية و التطهير العرقي بعد سقوط الأندلس من كتاب الغرب. و يجب أن ننتبه إلى صعوبة الحصول على المصادر البحثية و الوثائق للمؤرخين و الكتاب العرب.  

للكاتب عدة كتب يناقش فيها منشأ الإرهاب، مما قرب لنا وجهة نظره و ازددنا ثقة في جودة ما يقدمه.  وله روايات تعتمد على التاريخ منها (شياطين كاردونا) عن رحلة التحقيق في اتهام الموريسكيين ظلما بقتل كاهن أثناء سطوة محاكم التفتيش. 

نبدأ معا في القراءة و المناقشة. 

 في البدء..هذا كتاب عن مائة عام من التعذيب و الإفناء من السقوط حتى الطرد الكبير.

 لماذا كل هذا القتل و التعذيب ( الدم ) باسم (الدين)؟ لماذا التفتيش على (العبادات) و (العادات) و (اللغة) ثم على (القلوب)..و كأنهم آلهة على الأرض أو ملائكة يوزعون من يدخل الجنة و من يدخل النار. لم يكن غرض التعذيب إعادة الموريسكيين للدين النصراني لأنهم يعلمون أنهم في البدء لم يتنصروا طوعا. كان التعذيب نوعا من التقرب في الديانة الكاثوليكية. و لم يفرقوا بين السحرة و الزنادقة و المسلمين الذين اعتبروهم جميعا كفارا. فكلهم في نظرهم يستحقون التعذيب حتى الإبادة.  

كيف تم هذا؟ 

هذا ما سنعرفه في الحلقة القادمة..تابعونا ، و بانتظار آرائكم.

شكرا لكم. 

الجزء الثاني هنا 

Sunday, February 28, 2021

لماذا تقتل يا زيد؟

اسمحوا لي بأن اكتفي بهذه الفقرة القصيرة من كتاب

لماذا تقتل يا زيد؟    

للكاتب الألماني يورجين تودينهوفر




Monday, February 22, 2021

مما قرأت: الحب الحقيقي للدكتور عادل صادق - رحمه الله-

قد يبدو ظاهرياً أنك اخترت بإرادتك أن تحب ، ولكن في حقيقة الأمر أن الحب هو الذي اختارك وذلك لأنك أهل لأن تحب وأن تكون محبوباً ، أي لتخوض أعظم وأعمق تجربة إنسانية وهي الحب .
والقادرون على الحب الحقيقي قليلون مثل كل شيء ثمين ، الحب يحتاج إلى مؤهلات معينة ، سمات خاصة في الشخصية ، ومعظمها سمات ومؤهلات يكتسبها الإنسان من الأسرة والمجتمع أي البيئة المحيطة وصفات شخصية يكتسبها بنفسه ، ”  قبل أن تبحث عن نصفك الآخر تأكد أن نصفك الأول مكتمل ”
وإذا فَهمنا طبيعة الحب الحقيقي ، فإننا نستطيع أن نتوقع تلك السمَات التي تؤهل أي إنسان ليخوض هذه التجربة السامية .
الحب الحقيقي ليس هزلاً ، ليس عرضاً مؤقتاً ، ليس ميلاً عاطفياً مجرداً ، ليس نزوة ، ليس رغبة ، ليس عبثاً ، ولكنه تجربة استيعابية شاملة مركزها جوهر الإنسان وذاته ووعيه ، مركزه الباطن وتشمل كيان الإنسان كله أي الفكر والوجدان والسلوك.
ولذلك فجوهر تجربة الحب الحقيقي هو الصدق ، وإذا كان الموت هو الحقيقة المؤكدة الماثلة أمام أعين البشر ، وتؤثر تأثيراً ضخماً في حياتهم ، وهي ذات مغزى ، فإنه على الطرف المقابل يأتي الحب الحقيقي ليصبح هو الحقيقة الأخرى المؤكدة والتي تؤثر في حياة البشر تأثيراً ضخماً وتحمل أسمي وأقوي المعاني .
إذن فالحقيقتين الثابتتين في وجود الإنسان هما الحب والموت ، مركز الحياة ، ومعني الحياة ، يحددان مصير الإنسان ويشكلان وعيه ورؤياه وفلسفته ويؤثران على إدراكه وفهمه وسلوكه ،لحظة الحب الحقيقي هي لحظة الصدق ، ولحظة الموت الحقيقي هي لحظة الصدق .
ولهذا فإن تجربة الحب الحقيقي لا يقوي عليها إلا إنسان صادق ، هذا هو الشرط الأول والأساسي ، الحب الحقيقي يدل على صدق الإنسان الذي يعايشه ، والإنسان الصادق يدلل على أن حبه هو حب حقيقي ، لا يمكن لكاذب أو مخادع أو منافق أو غشاش أو نصاب أن يعيش تجربة صدق ولا يمكن للتجربة الصادقة أن تتحقق من خلال كاذب أو مخادع أو منافق أو غشاش أو نصاب .
وإذا كان جوهر الحب الحقيقي هو الصدق فإن جوهر الصدق هو الصدق مع النفس ، إن الصدق مع الذات هو أسمي وأعلي مراتب الصدق بل هو قلب الصدق ، فلا صدق بدون صدق مع الذات ، والصدق مع الذات يتطلب وعياً ، نضجاً ، استبصاراً ، شجاعة ، خبرة ، ثقة بالنفس ، فالصدق مع الذات هو القوة الحقيقية ، رمز القوة في الإنسان ، من هو أقوي البشر ؟ إنه الإنسان الذي يتمتع بأكبر درجات الصدق مع الذات ، إنها البصيرة ، القدرة على النفاذ إلى الداخل ، السيطرة الكاملة على الوعي ، الفهم الحقيقي ، إنه التحرك من الداخل إلى الخارج ، من المركز إلى المحيط ، من القلب إلى الأطراف ، من الباطن إلى السطح ، وتلك هي الحركة الطبيعية في الكون كله ، وذلك هو الناموس الطبيعي الذي حدد الله به علاقة الأشياء ببعضها وعلاقة كل شيء مع نفسه .
وهذه هي الصورة المثلي الطبيعية التي صيغ الإنسان عليها ، أن يكون له وعي وحين يكون هذا الوعي صادقاً فإنه يحدد حركة الإنسان الطبيعية في الحياة بأن يكون هو مركز هذه الحركة .
وبذلك يكون هذا الإنسان منسجماً مع كل ما هو طبيعي وصادق في الحياة ، ولهذا لا نتوقع منه إلا الصدق ، ولهذا فإنه في لحظة ما يستطيع أن يٌحب ، أن يختاره الحب حين يمهد له اللقاء مع ذات إنسانية أخري تتحرك هي أيضاً من وعيها الصادق ، وبذلك يكون الحب الحقيقي التقاء ذاتين ، التقاء وعيين  .
لا يمكن أن يتحقق حب حقيقي بين اتنين إلا إذا تحرك كل منهما من الداخل ، من مركز الوعي ، أي لا بد أن يكون كل منهما صادقاً مع ذاته أولاً ، وبذلك يتحرك كل منهما نحو الآخر ، كأن يداً خفية تدفعه ناحية الآخر ، يتحرك بحدسه ، بإلهامه ، بقوة غير مرئية ، روحه أو بصيرته هي التي تقوده .
إن لحظة الصدق التي يشعرها كل منهما ناحية الآخر في لحظة اللقاء الأول أو في هذا الجزء من الثانية هو الذي يحدد مسار العلاقة بعد ذلك وهو الذي يجعل كل منهما يتوقف عند الآخر ، يندهش ، ينبهر ، تتحرك كل أجهزته تهيؤاً للحدث العظيم ، يشعر أنها أهم لحظة في حياته ، بل أخطر لحظة في حياته ، منعطف هام ، نقطة تحول جذرية ، يري أن المستقبل الحقيقي يبدأ من عند هذا الجزء من الثانية ، إنها لحظة كشف ، وتتسلط الأنوار كلها عند هذه البقعة من وعيه ، ويقترب دون خوف بجرأة قد تكون غير معتادة ، بثقة ، بتحد ، بشجاعة ، لا يمكن أن يترك هذه اللحظة  من الزمان تفلت منه ؛ لأنه يريد أن يربطها بكل لحظات حياته المستقبلية ، وذلك تأكيداً للصدق ، لصدقه ، أي لتحركه من مركز وعيه ، فالصدق يجعله شجاعاً ، جريئاً ، واثقاً .
في اللحظة الأولي أو في هذا الجزء من الثانية ينتابه شعور الفرحة ممزوجاً بالطمأنينة ، ويندهش حين يتولد لديه شعور آخر غير المفهوم بأنه يعرف هذا الإنسان من زمن بعيد ، ألفة وطمأنينة غريبة يشعرها مع هذا الغريب الذي لم يكن يعرفه من قبل والذي التقي به منذ لحظة واحدة ، ويتولد لديه شعور آخر أكثر غرابة بأنه سوف يظل يعرف هذا الإنسان بقية حياته من خلال علاقة قريبة جداً
ولذلك ، فإننا حين نقول لإنسان انضج فهذا معناه ، كن نفسك ، وهذا معناه أيضاً : كن صادقاً مع ذاتك  ، أي تحرك من داخلك ، تحرك من صميم ذاتك ومن مركز وعيك بفهم كامل وبصيرة ، بذلك تكون ناضجاً ، أي مؤهلاً للحب الحقيقي ، أي تكون إنساناً حقيقياً .
الإنسان الحقيقي هو الإنسان القادر على الحب ، هو الإنسان المؤهل لأن يحب وأن يكون محبوباً أما الإنسان المزيف فهو غير قادر على الحب ، ليس مؤهلاً لأن يحب ، قد ينخدع بمظهره إنسان بسيط فيعجب به لحين ، وقد يخدع هو الآخرين بعواطف زائفة ، ولكنه سرعان ما ينكشف أمره ، ولهذا ينتقل من علاقة إلى علاقة تحت مسمي الحب ، ولكنه حب زائف ، هو لا يستطيع أن يحب ؛ لأنه لا يستطيع أن يعطي نفسه بالكامل ، في الحب الحقيقي فإنك تعطي نفسك بالكامل لمن تحب أي تهبه حياتك .
الإنسان الحقيقي المؤهل للحب هو إنسان كريم سخي معطاء ، سعادته الحقيقية في العطاء ، الإنسان البخيل هو إنسان أناني نرجسي (النرجسية تعني حب النفس ) ، والأناني لا يحب ، والنرجسي لا يحب ، الأناني النرجسي يريد كل شيء لنفسه ، ولا يري إلا نفسه ويريد أن يٌسَخر الآخرين لخدمته ، لا يأبه لمشاعر الآخرين وآلامهم ، ولذلك فهو معزول نفسياً ، لقد أقام جداراً صلباً بينه وبين الآخرين ، بينه وبين جيرانه وزملائه وأقاربه ، ولذلك فهو غير مؤهل وغير مدرب ؛ لأن يلتقي بتلك الذات الإنسانية التي تجبره على هدم ذلك الجدار الذي يفصله عن الناس ، وهو غير قادر علي أن يثير الحب في صدور الآخرين .
هناك بشر يملكون هذه المقدرة العجيبة على تحريك مشاعر الآخرين إيجابياً تجاههم ، قادرين على تحريك العواطف ، قادرين على إشعال نار الحب في قلوب الآخرين ، نور أو قل إشعاع يصدر عنهم ، هالة طاقة تحيط بهم ، سر غامض لا تستطيع أن تدركه أو تفسره . يجعلهم يستقرون على مقعد قلبك الرئيسي ، بمجرد أن تراهم وربما لأول مرة ، بينما الأناني النرجسي يفتقد هذه المقدرة تماماً ، قد يثيرك جماله ، وقد تعجب بنجاحه ، وقد تنبهر بذكائه ولكنه أبداً لا يحرك قلبك .
والإنسان الكريم لا يكون كريماً مع حبيبه فقط ، ولكن الكرم والعطاء أسلوب حياة بالنسبة له ، فلسفة خاصة ، هكذا هو من قبل أن يلتقي بمن يحب ، وهو موقف قائم على الإحساس بالآخرين ، الإحساس بالبشر والشعور بالمسئولية تجاه الإنسانية عامة ، إنه يشفق ويعطف من قبل أن يعرف الحب طريقه إلى قلبه ، وهو أيضاً يحترم الذات الإنسانية ، ينظر إلى البشر على أنهم ذوات حرة مستقلة تحمل نزوعاً للخير يفوق نزوعها للشر ، ولذلك فقدرته على التسامح عالية ، لا ينصب نفسه قاضياً أو جلاداً ، ولا يترفع أو يتعالي أو يتكبر ، ولهذا فالتواضع من صميم صفاته ، المتكبر لا يستطيع أن يحب ، والمغرور لا يستطيع أن يحب ولا يستطيع أحد أن يحبه ، إنها صفات تزيد من الهوة والحواجز التي تفصل بين نفوس البشر .
الإنسان المؤهل للحب لا يتمادي في عداء ، ولا يلجأ إلى العنف ، ولا يخطط لإيذاء ، ولا يسعد بمصيبة آخر ، ويَهب عن طواعية وطيب خاطر لمساعدة من يحتاجه أو من يلجأ إليه ، ولهذا فهو يتسم أيضاً بالشجاعة ، شجاعة مصدرها قوة إيمانية ، إيمانه بالله ، ولهذا فهو يحب كل مخلوقات الله ، ويتعاطف معها ويحترمها ، ولذلك يهتم بأن يكون له دور إيجابي في الحياة ، يرفض أن يكون سلبياً ويرفض أن يكون عاطلاً ويرفض أن يكون متجمداً فهو إنسان نشط ، إنسان منتج ، إنسان يعمل ، حركة للأمام ولأعلي ، حركة إيجابية هادفة ، ولذلك فهو حين يحب فإن حبه يكون حقيقياً .
فالحب الحقيقي ليس مجرد هوى وميل وانجذاب وتعلق وعاطفة ، الحب الحقيقي هو موقف واتجاه حركة وفعل واطمئنان روح والشعور بالأمان ، حب يمتد نحو العالم .
عالم الحركة والفعل والفكر ، الحب الحقيقي يشمل بناء الشخصية ذاتها وارتباطاتها بعالمها المحيط ، الحب الحقيقي الصادر عن إنسان حقيقي هو فعل إبداعي ؛ لأنه يتضمن ارتباطاً روحياً عميقاً بذات أخري تتمتع بالنضج قادرة علي العطاء المطلق والإحساس بالمسئولية واحترام البشر والتعاطف معهم ، ذات مؤمنة متواضعة شجاعة .
هذا هو مفهوم النضوج والذي يجعل الإنسان صادقاً يتحرك من جوهر ذاته ، أي إنسان حقيقي ، إنسان يتمتع بصفاء روحية سامية تتضاعف عشرات المرات ، وتتأكد وتٌثمر حين يلتقي بنصفه الآخر ، توأم روحه ، فيتاح حينئذ لفيض الخير الذي بداخله أن يجد من يتلقاه كالنهر السخي الذي لابد أن يجد أرضاً صالحة طيبة تتشرب مياهه وتزدهر بها ، ولذلك فالحب الحقيقي هو خبرة إبداعية ، والمحب هو أقرب إلى الفنان ، أو هو عاشق للفن ، والفن عنده أسلوب حياة ، إن تناوله للحياة هو تناول الفنان الذي يعطي كل اهتمامه لفنه ، عمله حتى وإنه كان بسيطاً يحيله إلى فن ، يؤديه باستمتاع وإتقان وإخلاص ويضفي عليه لمسات الجمال .
حواره فن فهو لا يتلفظ إلا بكل ما هو جميل ، ذات معني ومضمون إنساني فكري حتي وإن كان متواضعاً عمله وثقافته . علاقاته بالآخرين من أغراب وجيران وزملاء وأصدقاء وأقارب فيها فن أيضاً ، فهي علاقات تتسم بالبراءة والبساطة ، والتلقائية ، والمباشرة والبعد عن سوء الظن وافتراض الخير كأساس لكل علاقة إنسانية ، فن يتبدي بوضوح في مودته التي تصبغ كل علاقاته الإنسانية بكل الطبقات الاجتماعية . وهو يتخير الأخيار لصحبتهم : لا تقوي روحه على مصاحبة خبيث ، أو مخادع  ، أو منحرف ، أو متكبر ، أو أناني ، الإنسان الحقيقي يحيط نفسه ببشر حقيقيين . والإنسان الحقيقي هو الإنسان القادر على اتخاذ قرارات حقيقية ، أي القرارات الصادقة ، الحقيقة والصدق ، وجهان للشجاعة ، إذن هو إنسان حقيقي ، أي صادق ، أي شجاع .قراره حقيقي أي صادر منه هو من داخله ، من بؤرة ذاته ، وعين عقله ، وقلب باطنه ، دون أن يخضع لأي مؤثرات خارجية ، ولهذا فاختياراته حرة مطلقة ، هو يتحمل مسئولية اختياراته ، ولهذا لا يتنازل عنها بسهولة إزاء صعوبات أو مشاكل تواجهه . أما الإنسان المهزوز الذي يبني مواقفه وقراراته على آراء الآخرين ، وتكون اختياراته خاضعة للإيحاء من الآخرين ، فإنه يتنازل عنها بسهولة ، ينقلب إلى النقيض في ثانية ، يتراجع عن قراراته ومبادئه ؛ لأنه يعرف أنها غير حقيقية وغير صادقة ،  أي ليست نابعة من ذاته ، ولهذا فالإنسان الحقيقي يدافع عن حبه ، يحافظ عليه ، يناضل من أجله ، ولذا فالحب الحقيقي يستمر مدي الحياة ، أما الحب الزائف فهو حب مرحلة ، متقلب ، متغير ،هو الحب الذي من الممكن أن ينقلب إلي كراهية ، أو إلي تبلد تام للمشاعر علي أقل تقدير . والإنسان الحقيقي بالرغم من أنه يتغير بمعني أنه يتطور وينمو ويزداد وعيه بصورة مستمرة ، بل هو حريص على التطور إلا أن مبادئه الأساسية ثابتة ، جوهره ثابت ولذا فحبه ثابت ، فهو إنسان مؤمن بنفسه ، ومؤمن بمن يحب ، وهو حين اختار فإنه قد اختار بإرادته الحرة ، اختار من صميم ذاته وروحه ، ولهذا فهو سيد قراره . قرار اتخذه بوعيه الكامل ، أي يعرف كيف اتخذه ، يستطيع أن يلمس ذلك في أعماقه ، يعرف تماماً أنه صادر من أعمق أعماقه ، ولهذا فهو يتحمل كافة المسئوليات المتعلقة بهذا القرار ، ولذلك من النادر أن يستشير أحداً إذا واجهته صعوبة أو مشكلة ، ومن المستحيل أن ينصاع لرأي أحد يختلف مع رأيه أو يطلب منه التنازل أو التراجع عنه ، ولهذا فهو قد يتهم بالعناد أو بالضعف ، والحقيقة أنه ليس كذلك ، فالتصميم على الرأي ليس عناداً بل إيماناً ، وعدم القدرة على التراجع عنه ليس ضعفاً بل قوة . والقرار الحقيقي يصدر عن شيئين : إلهام داخلي ، وفهم للذات والموضوع ، فالإنسان الحقيقي ؛ لأنه يتمتع بالصفاء ، فإن له بصيرة أكثر عمقاً ووعياً ، يعتمد على حدسه ، يهتدي إلى الطريق بفعل ضوء داخلي صادر من مكان ما في أعماق باطنه ، وهو يثق في هذا الإلهام وهذا الحدس ويمشي وراءه بثقة ويؤمن به عن إقتناع ، قد يبدو هذا اقتناعاً غير موضوعي ، ولكنه في الحقيقة يمثل قمة الموضوعية ؛ لأن ذلك هو جوهر حياة الإنسان ، حياة باطنية وحياة خارجية ، حياة روحية وحياة مادية ، واقع ملموس وغيب غير مرئي ، وكلما كانت النفس مؤمنة صافية عامرة بالحب خالية من الحقد والحسد بعيدة عن الشر ، قريبة إلى الخير والصفاء والتواضع ، كلما كانت أقدر علي الاستشفاف والإدراك الخفي والرؤية الباطنية . ولهذا فإن الإنسان الحقيقي حين يحب يدرك حقاً أنه يحب وأن حبه حقيقي ، لا أحد يدله على ذلك ، إنه يهتدي بنور داخلي يصدر من مكان ما في أعماقه ، وهو يفهم ذلك تماماً ، أي يفهم نفسه وذاته .
وهو أيضاً قرار مبني على فهمه للإنسان وللموضوع ، أي للواقع المحيط ، فرؤياه ثاقبة مبنية على خبرة بريئة ، والخبرة البريئة هي القادرة على رؤية العلاقات الصحيحة بين الأشياء ، أما صاحب الخبرة الخبيثة أو المبنية على خبث أو التي أكسبت الإنسان خبثاً وسوء نية فإنها تري العلاقات مضطربة ومعوجة ومنحرفة ولهذا تكون علاقاته بالعالم الخارجي مبنية على الشك وسوء النية ، ولهذا فهي علاقات مضربة قلقة وتسبب ألماً وتزيده حيره وعداوة .
الإنسان الحقيقي يدرك أن قراره قرار صحيح ، وأن اختياره اختيار حكيم ، ولهذا يشعر بالطمأنينة الفرحة ، وتلك هي المشاعر المباغتة التي تنتاب الإنسان حين يلتقي بنصفه الآخر وتوأم روحه للمرة الأولي ، ولهذا يشعر بسعادة طاغية خالية من الخوف وبعيدة عن الشعور بالذنب ، سعادة تجسد حريته المطلقة ، أما الإنسان غير الحقيقي فهو عبد ذليل خائف ولهذا فهو لا يثير حباً ولا يحظي بحب .
وفي النهاية يهتف الإنسان الحقيقي  صاحب القرار الحقيقي من أعماقه : أنا حر .
إذن الإنسان الحقيقي هو إنسان حر ،شجاع ، قوي ؛ ورغم قوته فهو متواضع ، وتواضعه هو مصدر رحمته ، وتلك هي الشخصية الثرية السخية اللامحدودة الطموحة ، أما الإنسان الزائف هو إنسان  فقير ومحدود ، ليس فقراً مادياً ، ولكن فقر في الشخصية ، لا يستطيع أن يبتعد خارج حدود ذاته ، ولهذا من المستحيل أن يلتقي مع جوهر ذات أخري .
وصحبته دائماً من الأشرار السيئين ؛ لأنهم يتكلمون لغة مشتركة ، مع السيئين يشعر بعد التهديد ، لن يهدده أي حصار عاطفي ، الإنسان الزائف يخاف من حب الآخرين ويخاف من نفسه ، يخشي أن يقع في الحب ، وهو في الحقيقة لن يحب ؛ لأنه غير قادر على الحب ، وإذا تعلق بإنسان من الجنس الآخر ، فهو تعلق مادي ، مال أو جنس ، نفع أو شهوة ، أي قمة الفقر والزوال ثم الحسرة والندم هم أقرب أصدقاء حياته .
د.عادل صادق 
ملحوظة:  (إعادة نشر من المدونة الأصلية ..نشر أولا في 2015)

Wednesday, May 24, 2017

الرحيق المختوم..قراءة في رمضان

وإن من سعادتي وحسن حظي أن أقدم بحثًا أسهم به في تلك المسابقة المباركة، ولكن أين أنا حتى ألقي ضوءًا على حياة سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم‏.‏ وإنما أنا رجل يري لنفسه كل السعادة والفلاح أن يقتبس من نوره، حتى لا يتهالك في دياجير الظلمات، بل يحيا وهو من أمته، ويموت وهو من أمته، ويغفر الله له ذنوبه بشفاعته‏.‏

هكذا افتتح  الشيخ صفي الرحمن المباركفوري (رحمه الله) مقدمة بحثه الذي نال عنه الجائزة..و كانت مقدمة خير و أذنت بانتشار الكتاب  (الرحيق المختوم) بين المسلمين و ترجمته لعدة لغات..فجزاه الله عنا كل خير.

 الرحيق المختوم 

و سبق أن قرات الكتاب و راجعته..لكن هذا العام، رمضان سيكون مع كتاب الله (القرآن الكريم) و مع سيرة رسول الله (صلى الله عليه و سلم).
و تذكرته، حين استمعت بالصدفة من أيام، قصة الرسول الأعظم في (أحد)..و ذكرني بها الشيخ بطريقة سلسة و كانت بها معلومات قيمة..ثم تذكرت كيف تأثرت بها من سنوات حين قرأت (الرحيق المختوم) لأول مرة في نهاية شهر شعبان مستقبلة بها شهر رمضان الكريم..و كان تأثري أكثر من غزوة (بدر) و كأنني أعيش المحنة ..ثم تذكرت بكائي بين صفحات هذه السيرة العطرة..و عدت لحالنا و نحن نتناسى القرآن إلا مرة كل عام..نحرص على ختامه ربما أكثر من مرة ..و البعض - للأسف- يفعل هذا دون تدبر و بقراءة سريعة تتنافى مع قدسية كتاب الله...و البعض يمتثل لأوامر و سنة الرسول على مدى شهر (مضان) ثم يعود لسابق عهده في آخر ليلة من رمضان..و ما أن ينتهي الشهر الكريم حتى يعود الكثير إلى المعاصي أو على الأقل للبعد عن الطاعات التي التزموا بها في (رمضان)..متناسيين ما لاقاه الرسول الكريم و صحبه الكرام في يوم (أحد) ليتم الله الدين و نكون مسلمين. آن لهذه القلوب و تلك العقول أن تعود إلى الله بكل صدق..قولا و عملا..في رمضان و طوال العام..

الفكرة:  فلنبدأ معا في قراءة السيرة العطرة و التي تساعدنا أن نتدبر القرآن  و الأحكام و نتفهم الأحداث التي وردت فيه تفصيلا. و ليكن نصيب اليوم 15-20 صفحة من هذا الكتاب حسب الطبعة.  و لعل الأفيد أن ننشر الفكرة مع الأصدقاء..و الفائدة تتم بكتابة خاطرة أو ملخص كل يوم قدر المستطاع لما نقرأه..
ملحوظة: ربما تجدون صعوبة في التعريفات التي تشرح حال العرب و القبائل قبل الإسلام..فمن فهمها، فليلخصها و يشرحها لغيره..و من تعثر عليه فهمها تماما، فلينتقل لما يليها.

وفقكم الله..و لا تنسوني في صالح الدعاء

لتحميل الكتاب: 

Saturday, February 28, 2015

رواية القوقعة - مصطفى خليفة

 غالبا ما أزكي الرواية و أطرحها على بعض المقربين لقراءتها لما فيها من معلومات جديدة أو رؤية قيمة...إلا هذه الرواية (القوقعة) فإنني ما إن فكرت في هذا إلا انتابني شعور بالخوف و الشفقة على من يقرأها من بعض المقربين المرهفين و ما قد تفعل بهم هذه الرواية (الصدمة) في نفوسهم من تخبط و رد فعل محتمل. 

فكرت أيضا لو أن كل العرب علموا بما يجري في غياهب السجون من تفاصيل..خاصة أن في الثمانينيات مثلا كانت من الممكن أن تحدث مجزرة في مدينة كاملة و لا يعرف عنها احد في العالم إلا بعد أيام. اليوم،  هناك انترنت و المجازر تحدث علنا و التسريبات من داخل السجون معروفة، فهل تغير شيء في نفس الناس؟ ربما تغير أقل من المتوقع نظريا...فمثلا لو في نفس وقت (المحنة) كان كل السوريين يعرفون كل ما يحدث، جماعيا ماذا سيكون رد فعلهم؟ تكرر الأمر نفسه 2011، ماذا كان رد فعلهم؟ للأسف كان أقل من المتوقع (أحيانا) فمدينة  مثل حلب التجارية أو قطاع مثلا لم تصله التظاهرات و قتل المتظاهرين كان يمارس حياته التجارية و الاجتماعية بسعادة و بانفصال تام عما يعانيه بنو جلدته في نفس اللحظة التي تعرض الفضائيات المجازر في السهل السوري سهل حوران (درعا و أخواتها) حتى 2012 مثلا.  

بصورة عامة، المجازر بحق المتظاهرين مثلها مثل المجازر في السجون..كله قتل ظلم..تخيل لو أن كل فرد من الشعب عرف في نفس الوقت، هل كان المليون نسمة من سكان العاصمة سيختلفون في تبرير القتل و الظلم في نفس الوقت بصورة جماعية أم سيقومون بحراك جماعي موحد مثلا؟ كرر نفس السؤال على أي عاصمة عربية أخرى...عمليا حدث هذا و ذاك لكن بصورة انقسامية..لهذا فإن الظلم سيستمر مادام يباركه البعض و يعجز البعض الآخر عن مقاومته. 
  • لا شيء جديد استطيع أن أضيفه الآن..هذه قراءة أولى و سريعة للرواية (الصدمة) المسماة (القوقعة). تفضلوا بالقراءة معنا:.
  • أعجبتني صراحة البطل المؤلف مصطفى خليفة حين رفض اعتبار الآخرين له بطلا لأنه حقيقة أكره أو اضطر بسبب الظروف على هذه البطولة و لم يقدم عليى هذه البطولة باختياره.
  • تفاصيل و أحداث الرواية: باختصار، سبق أن قرأت هذه التفاصيل المتشابهة في بعض روايات أدب السجون من سوريا. لكن التفاصيل هنا ( و معظمها حقيقية كما قال المؤلف مع بعض التصرف) عرضت بطريقة إبداعية جعلتني أتقيأ و أبكي و أخاف و أتخيل نفسي انتظر الموت أو الإعدام حسبما اقتضت الصفحات... و من المفيد أن أقول أنه لما انتهت الرواية عرفت أكثر طعم الحرية و الحياة. 
  • لم يفكر عقله أو عقلهم في الحوار  الجاد بين الملحد أو المسيحي (البطل السجين) و بين الإسلاميين (جميعهم إلا نقاش مع نسيم و  مع أبو القعقاع) و كانت الجدران المُكوِنة للقوقعة هي الفاصل لمدة 10 سنوات و تفرجت القوقعة قليلا بنهاية الأعوام الثلاث الأخيرة. لكن لم يتم الحوار  إلا عرضا بسبب وجود و رغبة أبو القعقاع في قتله.  لم يحدث تغير في فكر المتقوقع (البطل) لأنه أراد أن يتقوقع و يراقب فقط و  لم يحدث تغيير في تفكير بقية المساجين لأنهم هم أرادوا أن يعزلوه فقط رغم أنه تبين أنه ليس جاسوسا أبدا لكنهم اعتبروه نجس و عاملوه بآدمية و عدل دون حوار.  هذا الأمر لم اتوقعه.  ربما الظروف هكذا فعلا فهم في جهنم السجن الصحراوي يتعذبون و ينتظرون الموت و هذا موقف لا يسير وفق العقل و المتوقع. اختار عرض شخصية أبو القعقاع سريعا و كأنه يحمل كل الشر (عدواني - خائن) و تخلص منه سريعا بأن أعدم و ارتاح المهجع مما أحدثه من قلقلة. ربما تكون حبكة مقصودة. 
  • أبكاني جدا موقف إعدام الثلاث ابناء و توقعت حوار الأب مع نفسه و ربه أثناء إعدامهم.
  • الإهانات  الجسدية المقززة ثم العبث بالجثث أصابتني بالرعب من المواقف و بالحنق على هؤلاء المجرمين. نحتاج لدراسة لنفسية هؤلاء الجلاوزة في عالمنا العربي حتى يتفننوا في صنوع التعذيب لهذا الحد دون شفقة و بأفكار شيطانية ابتدعوها داخل السجن حتى بالتنكيل بالجثث. 
  • كنت أفضل وضع هوامش و تواريخ لتعريف القاريء بالأحداث الهامة أو مقدمة لأن الكثير (من القراء العرب) لا يعرف شيئا عن أحداث سوريا السابقة و لابما يحدث حتى وقت قريب...لكن غاب القرايء العربي عنه مثلما غاب عن البطل مصطلحات كالمجزرة أو أحداث حماة مثلا. غياب الأسماء الكبار مثل اسم القائد أخو الرئيس (رفعت الأسد حينها) او من هو (المعلم) في السجن المركزي – رغم أن الكاتب بدأ في نشر أو تدوين كتابة الرواية في 2008 حيث غادر سوريا للأبد ي 2006، ثم انتشرت الرواية أكثر في عهد  بعد بدء الثورة السورية 2011-  غير مبرر بالنسبة لي. 
  • أبكتني لحظة وحدة البطل حين نظر إلى الفاكهة و الخيار  فرموه بنظرات ثم عاد ليبكي وحيدا تحت غطائه..هذا كان أقسى موقف تعرض له في نظري..الألم النفسي و العزلة الجماعية ظهرت مع كل مبادرة للحديث أو الحركة طوال سنوات لكنها هنا كانت في قمتها حيث الكل فرح و متشارك بينما هو وحيد و حين حاول أن يفرح، لكن فجأة بمجرد نظرة جماعية كالعقاب تركهم و عاد لوحدته و كأنه مطلي به القار أجرب كما يقول الشاعر العربي .
  • كذلت آلمتني لحظة لما أبعدوه لكيلا ينجس جسد الشهيد الدكتور زاهي (او هكذا اعتقد البطل و السجناء) بينما يبكيه كآخر سند له في المهجع. موقف  بعض الإسلاميين المتشددين غريب أو ربما مبالغ فيه في هذه الرواية. يحتاج الكثير إلى إعادة تفكير و بناء لأفكارهم بالنقاش..لكن هذا لم يحدث طوال سنوات و عقود التنكيل بكل المعارضين و خاصة الإسلاميين.
  • تعجبت و بكيت من قراءته للفاتحة مستديرا للقبلة عند قبر والديه المسيحيين حزنا و دعاءا ثم صلاة الجنازة التي حفظها مما رآه لسنوات في السجن عند القبر لأنه واجب نحو الموت كما يرى، كذلك صلاته على الأخوة الثلاثة بنهاية الصف حيث كان الموت المفجع أقوى ما جمع مسجوني المهجع و  جعلهم يشتركون علنا في صلاة واحدة جهرية دون خوف عقاب السجانين.
  • لم يخبرنا شيئا عن بقية المساجين بمهجع السجن الصحرواي و كيف صاروا و ما حفظه من اسماء و سجلات إلا عن نسيم و الطبيب..ربما لأن معظمهم مات أو استشهد في العشر سنوات فعلا. الكاتب اعترف في أول الرواية أنه لن يبوح بكل شيء. لكن موقف المظاهرة الجماعية حتى للمئات من المساجين التي تبايع الرئيس المفدى اختصر كل شيء. الزعيم لا يزال يرواغ على حساب كرامة و حياة الشعب حتى آخر لحظة و هو يعفو عنهم بكل قهر.
  • احاول أن أمرر على الرواية مرة أخيرة و أنا أدون هذه الملاحظات ربما أردت أن أقول شيئا و سرقتني صفحات الرواية و جوها الغريب لأكملها سريعا في يومين... هناك ملاحظات تتماشى مع معظم روايات الإسلاميين و تتفق معهم حول ظروف الاعتقال و التعذيب و الإعدامات..لكن هذه الرواية تمت من وجهة نظر أخرى مختلفة كشهادة أخرى على ما احتفظت به رمال الصحراء من جثث قتلت و عذبت و أعدمت. و كرؤية جديدة لعالم الإسلاميين من الخارج. بالفعل تم سجن المؤلف ل 13 عاما...
  • فكرة الموت..استوت لدي الحياة و الموت لما قرأت أكثر عن شجاعة المحكومين بالإعدام في مواجهة الموت دون خوف ماداموا مظلومين و لم يعد بيدهم شيء يفعلونه و يقاومون به الظلم الواقع عليهم..استبسال.
  • فكرة تحول الحياة العقلية إلى عالم  (سجن) من التفكير  و الذكريات و الانتصارات التافهة و التدبر و التصبر في عام الجوع أمر صعب. لم يعجبني تعليقه أن الإسلاميين كانوا يقضون وقتهم في ترديد القرآن و الأدعية التي يحفظونهما بدون تفكير. غياب الحياة الروحية و التفكر الجاد أثر في البطل، بينما بعض حكماء الإسلاميين كانوا يلخصون في الجمل القصيرة التي دارت بينه و بينهم ماهية الحياة.  و كانوا يلخصونها في مواقفهم حين حموه مثل الشيخ محمود – رحمه الله- (البطل قال المرحوم لما تحدث عنه بنهاية الرواية) و الطبيب زاهي و  غيرهم.
  • فكرة عدم الحديث (الكلام) طوال 10 سنوات أمر مدهش..علميا حين يتوقف الانسان عن الكلام لأيام يصاب ببحة في صوته، فماذا عن توقفه لسنوات؟.  نفسيا، ربما أيضا يصاب بالجنون. تعجبت أن خرج صوته عاليا حين دافع عن نفسه لما أراد القعقاع قتله لدرجة أنه استغرب ارتفاع نبرة صوته بعد أن نسى عادة الكلام لسنوات. لماذا لم يكلم حتى نفسه بأي درجة من الصوت طوال هذه السنوات؟
  • اعتقد أن طبيب السجن قتل زملائه الأطباء الأربعة انتقاما بسبب القصة القديمة (أولا) و لأنه لا يريد أن يزعجه أحد بإعلان تفشي مرض كل فترة و يتعبه (ثانيا) أو  لئلا يكون له ند فيما بعد داخل السجن من الأطباء خاصة زملائه المتفوقين عليه. هذه غريزة الحقد للأسف حين تتملك، لكن هنا استخدمها بطريقة إجرامية للتخلص منهم لعدة أسباب و الله أعلم.
  • حادثة القتل العشوائي داخل المهجع بسبب تهديد المأمور..حوادث الالتهاب السحائي و السل و الجرب و أفكار استجلاب الدواء بالرشوة و حادثة الجراحة..كلها عرضت بطريقة جيدة في الرواية أو سجلت بطريقة و ذاكرة قوية. خاصة جراحة استئصال الزائدة..كانت التفاصيل التحضيرية للجراحة بالإمكانيات المنعدمة البدائية ممتازة.
  • موقف أبو محمد الذي يحمل الكرامة عجيب و فريد.
  • بحثت عن الوقت الذي شعر فيه تحديدا بأنه سيخرج و يرى أسرته فلم أجده إلا بنهاية فترة الاحتجاز و كان المفترض أن يكون فور خروجه من السجن الصحرواي. ترى ماذا قال سجناء المهجع في السجن الصحرواي لما طلبوه بالاسم الثلاثي الذي كاد أن ينساه و لم يتعرف عليه حتى رئيس المهجع؟
  • لم يتعمق في المفارقة بين جحيم سجن الإسلاميين و جنة الرفاق في سجن المدينة الجبلي.  لم يعلق عليها بتفاصيل أو تحليل سياسي و هكذا أراد و اتضح الاختصار المقصود في الصفحات الأخيرة من روايته. هكذا أيضا كانت المفارقة في المعاملات بين الإسلاميين و الشيوعيين بنفس السجن في مصر مثلا. لكنه قال في عبارة ان حاولأن يتلصص متسائلا هل فرحتهم في رأس السنة حقيقية؟ و حينا أدرك أنه فقد القدرة على الفرحة بسبب سنوات السجن الصحراوي. و هذا هو الفرق بين سجن 5 نجوم لبعض المعارضين يفرحون و لو ظاهريا و قتل الفرحة و الإعدامات للإسلاميين خاصة في سجن الصحراوي. هذا فعلا هو المغزى من السجن في سوريا قتل الفرحة.  كذلك قتل القدرة على الاختلاط بالناس مرة ثانية بعد الخروج من السجن لسنوات و ربما لعقود.
  • التعذيب أساسي في الاستقبال و فرع المخابرات و في سجون الصحرواي للإسلاميين. لكنه غير موجود تماما لدرجة أن المساجين يتكلمون و يفرحون و يتروضون و يرفعون أعينهم في عين سجانهم في سجن 5 نجوم بالسجن الحضري.
  • هناك عشرات الآلاف من المساجين ممن خرجوا أحياءا بأجسادهم و قد أصابهم الجنون و التقوقع حتى بعدما خرجوا.
  • استخدام المؤلف لبعض الألفاظ النابية و المفردات السورية و التفاصيل المخجلة دون تورية كان مقصودا من المؤلف..ربما صدني عن سرعة متابعة الرواية في الجزء الأول، لكن هكذا حدث معه صراحة في الجزء الخاص باحتجازه في مبنى المخابرات..و هذا تكرر كثيرا في روايات أدب السجون في سوريا لكن ببعض من التورية و أحيانا حدف الألفاظ و وضع نقاط مثلا. و لا ألوم الكاتب عليه و إن تمنيت ان يتحفظ قليلا في بعض التفاصيل و الألفاظ كما أوردت. 
  • أرقام حقيقية: (خلال 30 سنة من حكم حافظ الأسد ووفق التقارير قتل بين 100 ألف و150 ألف، سواء عبر المجازر أو في السجون).
  • عزيزي القاريء، لا تنس تطبيق الرواية على أي بلد عربي آخر و تخيل ردة فعل الشعب/ القراء.  معظم الروايات التي نقرأها إما أن تجعلنا نشعر بألم أو نشعر بفرح..و الأهم  هو تلك الروايات التي تجعلنا نعرف ثم نفكر ماذا سنفعل بعد أن قرأنا الرواية؟ 
  • كانت هذه قراءة أولى للرواية (الصدمة) المسماة (القوقعة).

Saturday, June 15, 2013

كلمة د. إيمان الطحاوي في مؤتمرافتتاح مسابقة ( اقرأ 10 كتب)

بسم الله الرحمن الرحيم


 الأستاذ الدكتور / شاكر عبد الحميد وزير الثقافة الأسبق وأستاذ علم نفس الإبداع بأكاديمية الفنون.
 الدكتورة/ ماجدة عطا مدير مكتبة مصر العامة. 
السادة الحضور ...السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
                                        
ست دقائق فقط هو عنوان الثقافة العربية...ست دقائق فقط هو متوسط ما يقرأه المواطن العربي سنويا.. حيث كشف التقرير السنوي لمؤسسة الفكر العربي المستقلة أنه في الوقت الذي يقرأ فيه المواطن الأوروبي نحو مائتي ساعة سنويا، تتناقص معدلات القراءة لدى المواطن العربي إلى ست دقائق سنويا، وهي نتيجة محبطة. لكننا لم نستسلم لهذا الإحباط فكان بديهيا أن نتساءل: ماذا نفعل لنرفع هذا المعدل؟ علينا أن نحفز الناس و نرغبهم في قراءة الكتب أولا كما يقول فريدريك سكينر Frederic Skinner .

 لهذا فكرنا في مسابقة مبتكرة بعنوان ( اقرأ عشرة كتب).

 بدءا، دعونا نتفق على أن التحدي الأكبر الذي يواجهنا الآن في هذه الحياة هو الحصول على المعرفة. المعرفة التي لا تأتي من قراءة عابرة لمقتطفات وسائل التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك و تويتر ، و لا تأتي من معلومات سريعة أو غير موثقة من برامج الحوار بالفضائيات. و لا تنحصر مصادر المعرفة في القراءة، لكنها الوسيلة الأولى لها.

 و هذا عباس محمود العقاد وجد أن حياة واحدة لا تَكفيه و أن القراءة وحدها هي التي تعطي الإنسان أكثر من حياة، لأنها تزيدها عمقاً.......). و اقول "إنما القراءة حياة لكنها مكتوبة".

 و إنني واثقة من أنكم تطمحون إلى القراءة الواعية بما يسلحكم لخوض تجارب الحياة. و هذا لا يلغي دور القراءة في الترفيه والمتعة، لكنها لم تكن أبدا وسيلة للترف أو للتفاخر.


القراءة الواعية هي التي تختار لي ما اقرأه وسط ألاف من الكتب لا يتسع الوقت و لا العقل لإداركها جميعا. و هي التي لا تخذُلك حيث يقول الكاتب الفرنسي ميشيل دي مونتي Michel de Montaigne "أنْ تقرأ أي أن تجد الصديق الذي لن يخونك أبداً". حين تقرأ ستبتعد في اختياراتك عن الكتب التافهة التي لا تكلف صاحبها وقتا في كتابتها و لن تكلف وقتا في قراءتها. و احذر أيضا من أن تكون تابعا لكل ما تقرأه أو لكاتب أو صنف واحد من الكتب و خاصة في المراحل الأولى للمعرفة حيث لم يتشكل الوعي المعرفي بعد. لهذا فإن إدوارد ليتون Edward Bulwer-Lytton يقول لنا (كن سيد الكتب لا عبدها، اقرأ لتعيش، ولاتعيش لتقرأ.) اقرءوا أيضا بعضا مما لا يروق لكم من صنوف المعرفة و الفكر لتعرفوا القليل عن الكثير. إذا كنت لا تقرأ إلا ما يُعجبك فقط أو ما يسليك فقط، فإنك إذاً لن تتعلم أبدا.


أذكركم بأن ست دقائق هي ملخص الحالة المعرفية العربية الضحلة...فكيف نصل بها إلى مائة او مائتي ساعة! تحتاج إلى تمرد من نوع جيد. و القراءة هي أحد سبلنا لهذا التمرد على حالتنا الفكرية. لهذا فإننا ندعوكم جميعا للمشاركة معنا كبداية. أنتم جميعا سفراء لهذه المسابقة. انشروا الفكرة... اعلموا عليها قدر استطاعتكم. اقرأ كتابا صغيرا كل يوم . اقرأ ملخصا لكتاب كبير مهم حتى تتمكن من قراءته حين يتاح لك الوقت. الشبكة العنكبوتية تعج بالملايين من الكتب الكبيرة. تعرف علي ملخصاتها. هناك أيضا مواقع مخصصة للكتب المقروءة و المسموعة. تعلم كيف تتبادل الكتب مع أصدقائك.


 اقرأ واكتب. ننصح و نطلب من الجميع الكتابة بالتلخيص و التدوين. فبالكتابة يتخلص القاريء من أفكاره التى يحللها و يستنتج الجديد الذي يريد معرفته و مناقشته...عودوا بعد أسابيع أو أشهر لما كتبتموه ستجدوا حقا أن الكتابة غيرت و أثرت فى سلوككم و وعيكم.

السيد وزير الثقافة الأسبق، السادة الحضور.. هل تعلم أنني كنت أشغر بالغيرة من الأديب الكندي يان مارتيل Yann Martel و رئيس وزرائه ستيفين هاربر Stephen Harper ؟ لقد كان يرسل بدءا من منتصف أبريل من العام ألفين و سبعة ملخصا كل أسبوعين لكتاب أو رواية على عنوان رئيس الوزراء ليستفيد منه و يقرأه فيما بعد حتى اكتفى بمائة كتاب في مطلع فبراير من العام ألفين و أحد عشر. تابعته حتى قامت ثورتنا ثم تمنيت لمرة ثانية لو أن نجرب تلك الفكرة في مصر.
 
 يقولون: إن الثورات العظيمة ليست تلك التي تغير الحكام، لكنها التي تغير الشعوب. و تقول الأديبة العربية غادة السمان: (المفكر بوصلة الحاكم النزيه. و الكتاب سلاح الحاكم الواعي.) تغيروا و اقرءوا و أبصروا.

 الحفل الكريم: تلك الكتب التي يعلوها التراب دون أن نقرأها ستأتي يوما لتحاسبنا لأننا لم نستفد منها. بل ستحاسبنا الأجيال القادمة من الأبناء و الأحفاد أننا لم نشكل وعينا بما يبني حضارتنا. سيحاسبنا كل من سبقونا بالكتابة في شتى العلوم و الآداب: لِم لَم نقرأ لهم؟ إن الجريمة الأخطر من حرق الكتب هي عدم قراءتها.. نعم، إنها جريمة أن تنشأ أجيال بعيدةً عن القراءة بل كارهةً لها و أجيال تقرا للدراسة و التعليم لا للمعرفة و الوعي. و الجريمة الأكبر في نظري هي أن نلجأ لقراءة ما لا يفيد أو نقرأ للتفاخر. و هذه آفة جديدة أصابت بعض فئات المجتمع العربي.

 لماذا لا تقرأ؟ الله أمرك بأن تقرأ. يقول الله عـــز وجل " إقـــرأ بإسم ربك الذي خلق "
لماذا لا تقرأو لم يعد حاجز (ثمن الكتاب) موجودا بعد انتشار الانترنت. و لم يعد (حاجز الرقيب) موجودا بعد الربيع العربي. في (تونس قبل الثورة) كنا نسمع همسات عن كتاب بالفرنسية اسمه (حاكمة قرطاج)، و بعد ثورة تونس أمطرت المكتبات التونسية بنسخ الكتاب الذي كان مممنوعا بأي ثمن فصار متوفرا بأي ثمن. لا توجد أعذار تقولها حين تأتي تلك الكتب و تحاسبك. ابدأ الآن و اقرأ.

و مع كلمة جمعية (رقي) للتنمية المستدامة عن المسابقة:
 لهذا كله، تنظم جمعية "رقى" للتنمية المستدامة بالاسماعيلية المسابقة بالتعاون مع عدد من الجمعيات مسابقة للقراءة في الفترة من 14 يونيه و حتى13 يوليو و تحت رعاية مديرية الشباب والرياضة و مكتبة مصر العامة. و تهدف المسابقة إلى توسيع قاعدة المهتمين بالقراءة عن طريق خلق جو تنافسي حتي تتحول القراءة إلى عادة يومية. و نهدف إلى البعد عن المركزية في مدن بعيدة عن العاصمة مع شباب محافظة الإسماعيلية. و نتمنى أن تثمر هذه المسابقة عن اتفاقيات تعامل مستمر مع الجهات الداعمة للقراءة في مصر.

 الحفل الكريم، نتساءل معا عن ماهية هذه المسابقة؟ هذه مسابقة تفاعلية بين المشاركين و ليست امتحانا أو تحديا (من يقرأ أكثر) حيث يؤمن منظمو المسابقة أن القراءة عملية معرفية و أن سبل المعرفة تشمل القراءة الابتكارية و ليس فقط و سيلة الحصول على الكم الأكبر من المعلومات. سيطلع المتسابقون على ملخصات و اتجاهات بعضهم البعض في القراءة. نأمل أن ينمو هذا المشروع و يخرج من منطقة القناة إلى مصر و العالم العربي و يصير عادة منتظمة لدى شباب العرب. نأمل أن تحدث القراءة الفعالة تغييرا بسيطا في هذه الحياة، فكونوا أنتم هذا التغيير.

 لسنا بدعا من القراء العرب في هذا النحو من المسابقات لكننا نتميز عنهم بالتالي:
1. أنت من تختار كتبك حسب الوقت المتاح للمسابقة.
2. الملخص المطلوب بسيط و تكتبه أنت بطريقتك. تعليق، وجهة نظر...
3. التصويت بطريقة إلكترونية دورية عبر الموقع.
4. سيتم نشر كل الملخصات على مواقع المسابقة الإلكترونية. و سيتم نشر أفضلها في جريدة القناة أسبوعيا.
5. هناك دورات تدريبية للقراءة السريعة, و حلقات القراءة الحرة، و أفلام وثائقية، و مكتبات متنقلة.
6. الكل لدينا فائز. سيتم تكريم الجميع بنهاية المسابقة. و خير تكريم هو ما تمنحونَهُ أنتم لعقولكم بالمعرفة.
 
 في النهاية، كل الشكر والتقدير للحضور الكريم، وللأخوة المشاركين ورعاة المسابقة.

Tuesday, June 07, 2011

مجزرة البونسة و تخاذل الغرب 3

Screen capture From BBC documentary: A cry form the grave General Ratko Mladic says: "The time has come to take revenge on the Muslims"

مجزرة البونسة و تخاذل الغرب 1

مجزرة البونسة و تخاذل الغرب 2

مجزرة البونسة و تخاذل الغرب 3

 

الفصل الخامس:
كان التطهير العرقي في البوسنة بقصد إذلال شعب و تدمير ثقافتهم بمثل ما كان بقصد قتلهم. فلم يكن العدوان الصربي على التراث المعماري العثماني و الإسلامي في كل أنحاء البلد ناتجا عن القتال- و كما يقول الجنود دمارا مصاحبا- بل كان هدفا مهما للحرب. فبالنسبة لقيادة صرب البوسنة لم تكن صربنة مناطق في البوسنة، و التي كانت مختلطة قبل الحرب، لتتحقق بمجرد طرد كثير من غير الصرب الذين عاشوا في  القرى. فحتى بعد عامين من القتال، كان من المألوف أن تقابل أناسا في معسكرات اللاجئين يسألون متى ينتهي (كل هذا) و متى يعودون للعيش مثلما كانوا من قبل.
 
الفصل السادس:
و إلا فلماذا تكون المئذنة حطاما؟ لقد تم في آن معا تطهير عقول الصربيين و أجساد المسلمين في (البوسنة).
الغرب لم يساعد (البوسنة). و قد اتهم مواطن غاضب (ساداكو أوجاتا)، رئيستهم بالمفوضية العليا للاجئين في أحد هذه الاستطلاعات بأنها لم تكن راغبة في مساعدة البوسنة لأنها كانت ماسونية و مرتبطة بمكاتب للحركة الماسونية في (صربيا(. و ما كان أكثر شيوعا و خطورة أنه اصبح شيئا عاديا في (سراييفو)، كما قالت لي ذات مساء الناقدة الفنية (نرمينا أن كسوسباهيتش) أن: (أوروبا تكره المسلمين. و ما يفكرون فيه حقيقة هو أن الصرب يقومون بالعمل عنهم).

...عائلات أصحاب المناصب العليا في حكومة (البوسنة) خارج البلاد. و قد أخبرني مقاتل في شرق (موستار) أن (سلازديتش) أرسل عائلته إلى (باكستان)، و الآخرون على نفس المنوال. إن الامر سهل بالنسبة لهم. فهم لا يهتمون إذا استمرت هذه القذارة إلى الأبد).
سألتني سيدة كانت يوما قاضية، في حفل استقبال في صالة للفنون أقامها السفير الفرنسي الوافد حديثا على (سراييفو): ( هل تعرف أسلوب حياتنا قبل ذلك؟ و هل يمكنك تخيله و أنت تنظر إلى حطام ما كنا فيه؟ لقد كنا نعيش أفضل منكم فأنا أعرف الكثير عن (نيويورك) و جرائمها و سكانها الفقراء. لم يكن ذلك لدينا شيء من ذلك في (البوسنة). كنت تستطيع أن تمشي في الشوارع في (سراييفو) إلى أي وقت متأخر تشاء) و هنا امتلأت عيناها بالدموع (تلك الحياة الرائعة، إنني في شوق يائس إلى عودتها، لم أكن نفس الشخص الذي تراه الآن. فلم أكن المرأة التي تراها الآن، الرئة الفقيرة في تلك الملابس الرثة الكريهة التي لم تستطع أن تخفيها كل الروائح عندي. و كما ترى أن الانسانة التي كنتها) ثم ابتسمت و بعد صمت كررت: (بالنسبة لي سأكون دوما نفس الإنسانة التي كنتها قبل ذلك).
راقبت القاضية ذلك بعينها في ثبات ثم قالت: (جميل جدا. لكن كان أمرا في غاية السوء في الوقت ذاته ألا يرسل الفرنسيون جنودا هنا لحمايتنا. لقد كانوا يستطيعون ذلك، كما تعلم، لقد كانت لديهم القدرة طول الوقت. كان الأمر غاية في السهولة بالنسبة لهم. لكنهم بدلا من ذلك تركونا للموت).
 
الفصل السابع:
أيا  كان طول الفترة التي ظلت مسيرة الموت و التطهير العرقي فيها محتدمة و متواصلة في (البوسنة)، و أيا كان تكرار مسؤولي الأمم المتحدة سرا و علانية أن قوات الحماية التابعة للأمم المتحدة متواجدة في (البوسنة) للتدخل فقط (لحماية أنشطة المساعدات الإنسانية خلال الحرب)، كما قالها (ماراك جولدنج) و هو رئيس سابق لإدارة عمليات حفظ السلام التابع للامم المتحدة، فإن البوسنيين العاديين لم يستوعبوا مطلقا أن الأمم المتحدة تعني ذلك حقا.  فقد كان المفروض أن تكون الأمم المتحدة أكثر أخلاقية من أكثر الحكومات استنارة، و مع ذلك فما كان يحدث في (البوسنة) كان سقوطا أخلاقيا صريحا. كان المفروض أن تساند الأمم  المتحدة السلام....
فإذا كان كل ما تنوي أن تقوم به الأمم المتحدة هو إحضار الطعام و الدواء، أفلا يعني ذلك مجرد بقاء الناس أحياء لفترة أطول حتى يتوافر للصرب مزيدا من الفرص لقتلهم؟ ألا يبدو متناقضا أن يخاطر جنود الأمم المتحدة و سائقو قوافل الللجنة العليا للإغاثة بحياتهم و أحيانا يفقدون أرواحهم لجلب الطعام إلى المناطق المعزولة و لكنهم يرفضون بعناد إسكات البنادق التي كانت تسبب هذه الطواريء؟ إن من غير المتصور أن تقنع الأمم المتحد بالاستمرار في هذا الأسلوب بلا حدود.
كان من الصعب تجنب تلك التوقعات في (سراييفو). و بين حين و آخر كانت تصبغ بالنبرة العنصرية الواضحة للأوروبيين الذين يتوقعون معاملة خاصة من التاريخ. قال لي مرة رجل أعمال من (سراييفو) في نبرة أسى: ( لا استطيع أن أفهم لماذا لا تفعلون شيئا من أجلنا. إننا لسنا أفارقة، نحن أوروبيون متحضرون مثلكم تماما!)
لقد دأبوا على السؤال عن السبب، كما كان اليهود يسألون في أعقاب الهولوكوست و كما يسال الضحايا في كل مكان لماذا لم تكفهر السموات؟.
 
ما كان يسمى من قبل في (واشنطون) (بتأثير مقديشيو) وجد طريقه إلى جبال (البوسنة). و قد تفاخر مسؤول من صرب (البوسنة) و قال مرة (إنكم تظنون أن الرأي العام الأمريكي عندما انزعج قتل ثمانية عشر من جنودكم في أفريقيا. انتظروا حتى تبدأ الأكفان في العودة من (البوسنة). إنكم لم تعودوا أمة قوية. إنكم لا تستطيعون أن تواجههوا فكرة موت أطفالكم. أما نحن الصرب فنستطيع مواجهة الموت. فنحن لا نخاف و هذا هو السبب في أننا سنهزمكم إذا حضرتم لمساعدة أولئك الأتراك الذي تهيمون بحبهم).

و لكن في حين أن (عزت بيجوفيتش) أثبت أنه تمادى في تفاؤله عما سيفعله أولا يفعله الغرب، فقد كان يعرف تماما أن الطريق الذي اختاره شديد الخطورة. و هذا هو السبب في أن (عزت بيجوفيتش) ناقش انتشار قوات حفظ السلام في (البوسنة) مع (فانس) و عدد من مسؤولي قسم عمليات حفظ السلام أثناء زيارتهم ل (سراييفو) قبل بدء القتال بقليل. و كان المسؤولون الدوليون مدركين تماما لما يمكن أن يتلو من أحداث.
 
الفصل الثامن:
قال لي مرة مسؤول من الأمم المتحدة في (زغرب): ( إنا لن نفقد عملياتنا شرعيتها في العالم كله من أجل المحافظة على الدولة البوسنية).
و بعد اشتباكات قليلة توقفت تماما محالات الصرب لوقف القوافل، و في وسط (البوسنة) في أواخر 1993، تولى قيادة الكتيبة النوردية المختلطة قائد جديد و هو سويدي شديد البأس و اسمه (هندريكسون) و الذي قال لي ذات مرة : ( أخبرهم أن يدعوني أمر أو أفجر رؤوسهم الفارغة جميعا. صحيح، أحيانا لا يقبلون و عندئذ علي أن أعود. و لكن لا ضير إذا حاولت. فعليك أن تفعل ذلك في البلقان: أن تتصرف كالرجل الصلب أو يبولون فوق رأسك).
أما عن موضوع نجاح قوة الحماية التابعة للامم المتحدة فهو قول يشبه في الحقيقة قول إحدى الشخصيات في مسرحية هزلية قديمة: ( لقد نجحت العملية. فقط مات المريض). و لو أن مسؤولي الأمم المتحدة تكلموا لكان ذلك قابلا للفهم على أقل تقدير. أما الأمر الشاذ فهو أن تسمع أفضل الناس في قوة الحماية و في قسم عمليات حفظ السلام يقولون بإخلاص و في نفس واحد أنهم قاموا بعمل جيد بينما يعترفون في النفس التالي أن الوضع في (البوسنة) تحول إلى كارثة محققة.
هنا يأتي دور التشويه الاحترافي لمسؤولي حفظ السلام، فكما قال لي مسؤول في قسم الشؤون المدنية التابع للامم المتحدة في (سراييفو): ( عليك أن تتعلم كيف توزع نفسك في هذه المهنة. فانا أعرف ما فعله الصرب في (البوسنة). لقد رأيت الجثث و سمعت بكاء النساء. و لكن لا يهم أين يذهب تعاطفي أو ما أقوله أو ما كنت أريد أن يتم عمله لو أنني صحفيا مثلك. فعملي ليس محاربة الصرب و لا شجبهم. أنا هنا لمساعدة (البوسنة) بقدر ما استطيع، و لكي أفعل ذلك فليس على فقط أن أبدو محايدا أعامل الصرب و المسلمين على قدم المساواة، و لكن حيث أن الصرب هم المنتصرون في هذه الحرب، و حيث يلزمك تصريحهم بأن تقوم بمعظم الأمور هنا، فقد كان علي أن أكون على وفاق معهم).
فبوضع العقبات أمام الضربات الجوية تمكنت الأمم المتحدة من الحفاظ على مهمتها و تمكن الصرب من المحافظة على مكاسبهم على أرض المعركة. فلا عجب أن تكون العلاقة بين الصرب و قادة قوة الحماية التابعة للأمم المتحدة سمنا على عسل. 
و الواقع أنه كان من رأي كثير من مسؤولي الأمم المتحدة أن المجرمين الحقيقيين في حادثة تفكك (يوغسلافيا) لم يكونوا (كاردزيتش) أو (ميلوسيفيتش) و بل (فرانكو تودمان) و (هانز ديتريش غنشر) و (علي عزت بيجوفيتش) مع الترتيب التنازلي في إلقاء اللوم. و لقد اعترفوا أن (عزت بيجوفيتش) حاول قدر المستطاع الإبقاء على وحدة (يوغسلافيا). لكن مع اعتبار (ميلوسيفيتش) فوق أي طعن، فقد توصلوا إلى أن (عزت بيجوفيتش) يتحمل مسؤولية القبول بأي شيء يرغب القائد الصربي في تقديمه له. ذلك ما اعتقدوا أنه الموقف الصحيح في 1991 ، و قابل للتطبيق بنفس الدرجة عام 1994.

الفصل التاسع:
 استرد العالم شرفه في (البوسنة) من خلال أولئك الذين يعملون في (منظمات الإغاثة غير الحكومية)  و اللجنة الدولية للصليب الأحمر و مكتب المفوضية العليا للاجئين بالأمم المتحدة. لقد عملوا هناك بدون أي جدول أعمال سري و رفضوا بشدة القبول بفكرة أن مصالح الدول الكبرى التي تمولهم تجبرهم على تنفيذ جداول الأعمال السياسية لتلك القوى.
و قد كتب (جون سويني) مراسل الأوبزيرفر اللندية حول ذلك بقول: ( بالنسبة لكثير من الصحفيين كانت اللحظة الحاسمة عندما أخبر متحدث للأمم المتحدة مؤتمرا صحفيا أنه قد تم الاتفاق على وقف النار و أراد أن يشكر الصرب على تعاونهم و في اللحظة التالية انبطح الجميع على الأرض بفعل ضربات المدفعية الصربية).
إن مثل تلك القصص أسوء من أن تعرف فقد كانت شيئا مألوفا. كانت تمر أوقات يبدو فيها و كان شعار قوة الحماية التابعة للأمم المتحدة ينبغي أن يقرأ على النحو التالي: (العمل من أجل استسلام البوسنيين). فبعد كل شيء، ألم يكن الاستسلام من جانب حكومة (البوسنة) هو أضمن طريق إلى السلام؟ هكذا اعتقدت الأمم المتحدة مهما لبست مسوح الإنسانية.
كان (منديلوس) قد قال: أحيانا تذكرني الحياة في هذا البلد ب(ماكوندو) في كتاب (جارسيا ماركيز) (مائة عام من العزلة). لم يكن الوضع سهلا في (كردستان) أو أمريكا الوسطى، و لم يكن بأي حال سائغا. و لكن هناك أوقات يكون كل ما أحلم به أن يرسلوا بي إلى مكان استوائي حيث الأمور واضحة، مكان يكون فيه لاجئون و بلاد ترسل و تستقبل، دون تعقيدات أخرى. إن هذه الازمات من الصعوبة بحيث لا يوجد لها حل. و لكن أن تحاول خلق مناطق آمنة و مناطق محمية وسط أتون الحرب، عندما تكون الجبهة في تغيير مستمر و لا يكون اللاجئون نتاج الحرب، كما كان في (السلفادور)، بل هم هدف شنها في المقام الأول- فكيف يمكن للجنة العليا للإغاثة أن تقوم بذلك؟ إنهم يقدمون لنا المزيد من الجنود. و أنا لم أطلب مطلقا جنديا واحدا. و في الوقت نفسه، لدي خمسين شاحنة لإعادة إمدادا مئات الآلاف من البشر. حتى لو تم تشغيل الشاحنات على مدار الساعة، فكيف يفترض أن أفعل ذلك؟ لقد قمنا بعمل المعجزات من قبل و لكننا بدأنا نفتقدها الآن و الشتاء على الأبواب حيث تصبح كل مشكلة لدينا بدءا من مشكلة إبقاء الشحانات على الطريق إلى إطعام و كسوة اللاجئين أصعب على الحل بكثير).
....المسلمين لا يستطيعون الفرار من تلقاء أنفسهم. ففي محطة حافلات (بانيالوكا) علقت لافتة في خريف 1993 تعلن عن منع المسلمين من ركوب الحافلات، و في الخارج كررت الكتابة على الجدران تلك المزاوجة المميزة لللافتات العنصرية في العالم أجمع: ( ممنوع الكلاب أو المسلمين).
 
الفصل العاشر:
سألني عجوز في مقبرة (لايسون) في سراييفو في أبريل 1993: ( لم لا يلقي الأمريكان القنبلة الذرية على الصرب؟ و بعد لحظات انفجرت قنبلة (مورتار) على بعد ثلاثمائة متر. و قام المشيعون – و كانوا قد حضروا لدفن طفل عمره أربع سنوات قتله قناص قبل يومين- بالزحف أو بالأحرى بدأوا في حركات زحف صامتة بحثا عن ساتر حيث لم يكن هناك، باستثناء تمثال الأسد الذي شوهه القصف و الحافة التي يقف عليها وسط المقبرة، أي ساتر على الإطلاق. فحتى الشواهد في (سراييفو) أصبحت تصنع من الخشب بعد عام من الحصار. و يقول الحفارون إن الشواهد أصبحت بنصف سماكتها قبل ستة شهور. و حملقت في انفعال في قبرين تم حفرهما حديثا في نهاية أحد صفوف الدفن. و من خبرتي السابقة عرفت أنهما أكثر الأماكن أمنا للقرفصة إذا بدأ القصف جديا، و هو احتمال واضح حيث تخصصت القوات الصربية الرابضة على التلال المحيطة بالمدينة في إطلاق النار على المشيعين و هم يدفنون موتاهم. 

يقول القناص الصربي:
و يقول لنفسه (اعتقد أنني سأقتل الفتاة ذات السترة الحمراء)، أو يقول (اعتقد أنني سأدع الرجل الطويل يعبر الطريق و أحاول إسقاط صديقه، الشاب القصير غير الحليق في المعطف الصوفي، عندما يحاول أن يتبعه).

كان أمل الصحافة الغربية هو أن العارفين بالأوضاع في الوطن سيطلبون من حكوماتهم ألا تسمح بأن تقتل و يغتصب و يشرد مسلمو (البوسنة). و بدلا من ذلك فإن اللدغات الصوتية و (اللدغات المرئية) التي تم اختيارها من ميدان القتال نمت روح السفطة و اللامبالاة بشكل منظم أكثر مما نحجحت في تعبئة الناس للتصرف أو حتى لازدراء الوضع.
كان هناك نوع من (تأثير CNN ) بالمعنى الواسع و المتمثل في أنه لولا إظهار  BBC و  CNN  وغيرهما للمأساة البوسنية طول الوقت لخمدت في أذهان الناس بعد الشهور القليلة الأولى من القتال برغم أنها كانت تحدث على مائتي ميل من (إيطاليا). و بمفهوم أضيق، كانت كاميرات التليفزيون و ليس حلف الناتو في الواقع، ناهيك عن الأمم المتحدة، هي التي أنقذت (سراييفو) بعد المذبحة في السوق المركزي في أوائل فبراير 1994.
 
اقتباس من نهايات الكتاب:
 
(ما فهمته الصحافة و عجزت الأمم المتحدة عن فهمه هو: أن تكون عادلا و أن تكون محايدا ليسا الشيء نفسه...).
 
(و من المؤكد أن كثيرا من الأحلام قد تلاشت في (البوسنة) خلال السنتين و النصف السنة الماضية: الحلم بأن للعالم ضميرا، و الحلم بأن أوروبا مكان متحضر، و الحلم بأن هناك عدل للضعيف كما للقوي. و لن يكون غريبا أن يموت هناك الحلم القديم بأن الحقيقة سوف ترفع الأغلال عنا...إن الهزيمة ساحقة، و الخزي شامل).

Sunday, June 05, 2011

مجزرة البونسة و تخاذل الغرب 2

In this July 14, 1995, photo, refugee Ferida Osmanovic from Srebrenica is found hanged in a forest outside the UN base at Tuzla airport. The woman, who looked to be in her early 20s, had hanged herself with a torn blanket. More than 10,000 refugees from the UN safe haven of Srebrenica, captured by the Bosian Serbs, arrived in Tuzla. Bosnia Serb commander General Ratko Mladic announced that approximately 40,000 residents had been cleared from their homes in Srebrenica. (Darko Bandic/Associated Press) #


Bosnian refugees from Srebrenica cry over their missing men in the refugee camp at the Tuzla airport in a July 14, 1995, file photo. Bosnian Serb wartime general Ratko Mladic was arrested in Serbia on May 26, 2011, after years on the run from international genocide charges. (Wade Goddard/Reuters)#


Bosnian Muslim woman Alic Mina cries near the grave of her son, Mihrudin, before a mass funeral in the village of Memici on June 1, 2011. The remains of eight people, victims of an "ethnic cleansing" campaign that former Bosnian Serb military commander Ratko Mladic is accused of instigating, were retrieved from mass graves in Zvornik and buried during the mass funeral. Mladic was extradited to the Netherlands from Serbia on June 1 after 16 years on the run. (Dado Ruvic/Reuters)#


لقد جئت لأرض البوسنة لأكتب تقريرا صحفيا لمجلة أمريكية حول (التطهير العرقي) دون أن أفهم جيدا حتى المعنى المقصود من هذا التعبير. و انتهى بي الأمر إلى العودة إلى المنطقة مرات و مرات.
قال السينمائي البوسني أدمير كينوفيتش: (لمجرد أن النار تضرم في الدور الأرضي فإن ذلك لا يعني أن ساكني الأدوار الأعلى لن يشعروا بلهيبها في النهاية). و ذلك حين رفض الخروج من سراييفو ليوثق الحصار.
كانوا يقتلون بصفتهم مسلمين و يطردون من بيوتهم بوصفهم مسلمين. و لقد قال لي صديق من سراييفو ذات مرة: ( في البداية، كنت يوغسلافيا. ثم أصبحت بوسنيا. و الآن أصبحت مسلما. و لم يكن الخيار خياري. إنني لم أكن ذات يوم متدينا. و لكن بعد مقتل مائتي ألف، ما الذي تريدني أن أفعله؟ إن على كل إنسان أن يكون له بلد ينتمي إليه).

لقد عقدت الحكومات الأوروبية عزمها على أنها لن تفعل أي شيء للبوسنة أكثر من توفير الإغاثة الإنسانية.

كما قال (حارس سيلازتش) وزير الخارجية، ثم رئيس الوزراء، مرارا و تكرارا: ( إن ما يحدث هو إبادة جماعية. لقد اختار كثير من الناس في أوروبا أن يسموها حربا. و لكنها ليست بالحرب، إنها مجزرة).

قال لهم السكرتير العام للأمم المتحدة (بطرس غالي) في زيارته اليتيمة نهاية عام 1992م ما معناه أن (البوسنة) هي حرب الرجل الأبيض أو الغني. لقد وبخ أهل (سراييفو) المدهوشين قائلا: ( إنني اتفهم خيبة أملكم و لكنكم في وضع أفضل من عشرة أماكن أخرى من العالم.. و استطيع أن أعدد لكم القائمة)، ثم غادر المدينة. (!!!)


(لم أكن أشعر فقط و كأنني عدت من أرض الأموات، بل كأنني أيضا أصبحت كمن بعث بعد الموت)


صحيح أن منظر ثمان و ستين من الموتى و حوالي مائتين من الجرحى في السوق المركزي في (سراييفو) ولد استجابة أخيرا ... لكن كان هناك الكثير من أمثال تلك الصور من قبل و سيكون هناك الكثير في المستقبل. فإلى متى ستستمر اهتمامات الناس العاطفية؟ شهر؟ سنة؟

(و علي أية حال كان معظم السياسيين يميلون للتراخي من البداية. و كانت ملاحظة ( بسمارك ) الساخرة حول أن أهل البلقان لا يستحقون حياة سمكة الفرناد السليمة من بويرانيا هي أشهر عبارة).


و عن لقاء في أحد معسكرات اللاجئين يقول المؤلف:
(استمر الصمت طويلا كما يحدث غالبا في مثل هذه المواقف؛ هناك دائما شيء مخجل عند القيام بمثل هذه اللقاءات، إنه الشعور بأنك تسترق النظر، و أنت تقترب من خسائر الناس: متى غادرتم؟ ماذا حدث لعائلتكم؟ كم عدد قتلاكم؟ و المغتصبات؟ و المعذبين؟ لم تكن هذه الأسئلة على نفس طريقة النكتة المريرة للصحفي البريطاني الذي وصل إلى مسرح الفظائع قائلا: هل اغتصبت إحداكن، و تتكلم الإنجليزية؟ و لكن الوضع كان قريبا من ذلك).

يقول شخص من (كرواتيا): (و لكن على الأقل فقد أعطانا (تيتو) قليلا من فرصة التنفس. و عندما أمسك (ميلوسيفيتش) بالسلطة في (بلجراد) و بدا في تحويل الاتحاد اليوغسلافي إلى دولة متمركزة في بلجراد، فقد أصبح من غير المتصور الاستمرار في بقاء (كرواتيا) جزءا من (يوغسلافيا)....)
يقول المؤلف:
و بحلول عام 1993، و في كل أنحاء (يوغسلافيا) السابقة، وصل هذا الفهم الذي كونته كل الجماعات عن نفسها بوصفها الضحية التاريخية للمجموعات الأخرى إلى الحد أن الوضع الوحيد المقبول لكل منها هو البراءة المجروحة، و بهذه الروح، أعلن (بافليتش)...كان الاستشهاد الصربي عقيدة زائفة و مجيزة لمصلحتهم الذاتية أدت بالصرب لارتكاب الجرائم الفظيعة...تقول النكتة في (يوغسلافيا) لماذا أكون أنا الأقلية في بلدكم، بينما يمكن أن تكون أنت أقلية في بلدي؟)
(بدا أن المهمة الأساسية عند القوميين تكمن في خلق أو تضخيم الاختلافات بأكثر من الموجود فعلا. لقد فصلت العداوات التاريخية بين الكروات و الصرب كمجتمعات على فترات مختلفة في تاريخهم.)
(عندما يذهب المرء إلى قرية كان قد حدث فيها قتال، فقد كان من الأسهل أن تأخذ درسا في التاريخ من أن تحصل على وصف موثوق لما حدث في نفس اليوم. فلم يتحدث الصرب فقط من خلال الأحاديث المتلفزة و البيانات الصحفية عن هزيمتهم على يد الأتراك في أواخر القرن الرابع عشر الميلادي، بل تحدث الكروات كذلك عن مملكة (كرواتيا) التي زالت في القرن الحادي عشر، و أيضا تحدث المسلمون عن البوجوميليين.)
***
و هذا تقرير وصفي للتطهير العرقي، أو رؤية شاملة:
( تحولت المنازل و قرى بأكملها إلى ركام و كان السكان الأبرياء يذبحون بالجملة مع أعمال عنف لا تصدق و سلب و وحشية من كل لون- كانت تلك هي الوسائل التي استخدمت و مازالت تستخدم من قبل جنود الصرب و الجبل الأسود بهدف التحويل الشامل للشخصية العرقية (لتلك) المناطق، و بعد أن يهدأ القتال في أي منطقة معينة و يتم طرد السكان المحليين الباقيين على قيد الحياة يتم جلب المستوطنين الصرب و أبناء الجبل الأسود و غالبا من على بعد مئات الأميال ليحلوا محلهم و يسكنون في المنازل – تلك التي لازالت قائمة - التي يمتلكها الناس الذذين أجبروا على الفرار. كذلك كان تحويل الأماكن العامة يتم بشكل جذري. كانت المساجد تدمر بالنار و المتفجرات لتحويلها في كثير من الحالات إلى مواقع إنشائية حيث يبدأ أفراد المليشيا من الصرب في وضع الأساس لكنائس أرثوذكسية و التي كان تشييدها معيارا على انتصارهم لا يقل أهمية عن قتل أو تشتيت السكان غير الصربيين).
هذا التقرير الوصفي ليس معاصرا. فهو مأخوذ من (تقرير البعثة الدولية لبحث أسباب و مسيرة حروب البلقان) الصادر عن منحة (كارنيجي) للسلام الدولي عام 1914. و ما حدث في (البوسنة) و (كرواتيا) منذ 1991 لم يختلف كثيرا في الأيدولوجية و الأسلوب عن ذلك الذي حدث في أوائل القرن في كثير من نفس المدن و القرى و حدث مرة أخرى أثناء الحرب العالمية الثانية. و لكن كان هناك وهم أوروبي – تولد عن التمنيات و الرضا الذاتي الذي أصاب أجزاء كثيرة من أوروبا الغربية حتى جعل انهيار الشيوعية كل شخص يفكر مرة أخرى- في أن الناس في القارة القديمة و حتى في البلقان لن يستمروا في ذبح بعضهم البعض بمثل هذا الانتظام.
***
كان الناس يجيئون من كل أوروبا ليشاهدوا العروض، (مارسيل مارسو) و مسرح (يارما) التجريبي و (سكوبولين) برلين. و كان (زياد) صديقي هو المخرج، و هو مسلم مثلي و لكن رفقته كانت مختلطة تماما- صرب كروات و مسلمين و شاب نصف يهودي-، و لم يكن هناك غرابة في ذلك. كان الأمر طبيعيا؛ فقد كنا جميعا مختلطين على أي حال. فقد تزوجت ابنتي من كرواتي- و هما في زغرب مع والديه و الحمد لله. يقولون إن شعبنا كان منقسما إلى أعداد متساوية من الصرب و المسلمين و مجموعة من الكروات، و لكن معدل التزاوج بيننا كان مرتفعا لدرجة أنني اعتقد أن هذه الفوارق ستكون غير ذات معنى بعد جيلين لأي شخص باستثناء قليل من عجائز المتعصبين و بعض الريفيين) ثم توقف: ( لكن ذلك لن يحدث مطلقا الآن. فإذا قدر لنا أن نعيش فسنعيش كل في حيه الخاص –الصرب هنا، و المسلمون هناك، و الكروات في مكان آخر. يقول (كارادزيتش) أننا مثل القطط و الكلاب، و لكننا لسنا حيوانات، إننا آدميون. أو على الأقل آمل أن نكون كذلك. فأحيانا لا أكون متأكدا من ذلك. أحيانا أظن أن ما يجري الآن هو الحقيقة الإنسانية و أن الغربة كمنت في كيفية معيشتنا قبل أن يبدأ هذا. ربما أن (كارادزيتش) عبقري أو على أقل تقدير على صواب. هل تعلم ما حدث لمسرح (زياد)؟ حسنا، قبل الحرب كان لزياد مسرح، و هو برغم كلامه اللاذع، شخص عاطفي، (تابع) و هو ممثل صربي شاب. كان المسرح جمعية تعاونية و لم يكن بعض الممثلين يريدون انضمامه و لكن (زياد) أصر. و كان الشاب لطيفا. و على أي حال فعندما بدأت الحرب اختفى لأيام قليلة ثم عاد إلى المسرح، و في هذه المرة بمسدس في حزامه و في يده ورقة رسمية. كانت الورقة تخوله أن يصبح مديرا لمسرح (بانالوكا) للعرائس، يمكنك أن تخمن البقية. كان (زياد) أول من فصلوا).
***
قال جندي صربي للمؤلف:
قاطعه رفيقه موجها كلامه لي: ( لماذا تكرهون أنتم الأمريكان الشعب الصربي الآن؟ كنا حلفاء في حربين عالمتين نقاتل معا. فلماذا تساندون الفاشيين؟ هذا وضع سيء. يجب أن نكون أصدقاء) و توقف ثم قال (يقول كثير من رفاقي أن أمريكا أصبحت بلدا سيئا. أنا لا اعتقد ذلك. إنني اعتقد أنكم لم تفهموا ما حدث هنا. هل تعرف شيئا عن معركة (كوسوفو) عام 1389؟) لا بد أنني كشرت لأنه هز رأسه، و امسك بمعصمي و قال (لا، في الحقيقة إنه أمر مهم. أنتم الأمريكان لا تهتمون بالتاريخ و لكن عليكم أن تهتموا. الصرب لديهم التاريخ فقط. فلخمسمائة عام، كنا نحن الصرب ندافع عن الحضارة الغربية ضد الأتراك و قد فعل (فوك كارادزيتش) ذلك في القرن التاسع عشر و يفعل ذلك الآن قائدنا (رادوفان كارادزيتش(. إننا جميعا نفعل ذلك، جميعنا! و مع ذلك تجعلون منا العدو، و هذا خطأ). و ترك معصمي و ربت على ظهري بلطف ثم قال (الأمر لا يهم: دعنا لا نضيع الوقت في الكلام عن الأتراك الملاعين فإننا سنتشاجر. دعنا نطلب شرابا آخر).


و عن المفوضية العليا للاجئين بالأمم المتحدة يقول المؤلف:
كان هذا هو النامط الغالب في أنحاء البوسنة و هو أن يرفض الصرب باديء الأمر السماح بمرور المساعدة، ثم يطلبون أن يحصلوا على نصيب، و ترفض الأمم المتحدة باديء الأمر في إصرار على أن يكون التوزيع على أساس الحاجة، ثم يكسبون الوقت، ثم في غالب الأحيان يواجهون الاختيار بين مرور المساعدة أو ألا تدخل المساعدة، ثم يرضخون لمطالب الصرب.
جاء الجيران و أخبروه: (إنك مثقف، و الشتنيك يقتلون جميع المرموقين المسلمين. و عليك أن تهرب. اذهب إلى نهر (السافا) فالتيار ليس قويا هناك. و أنت تستطيع السباحة و النجاة بحياتك). لكن أخي رفض، و قال: (لن أغادر؛ فلم أفعل أي شيء ضد أي شخص. إنني حتى لست مسلما متدينا؛ فأنا أشرب الخمر و آكل لحم الخنزير). و بذلك فقد بقى، و أتى الجنود، و قتلوه كما سبق و حذره القرويون. ثم استطرد يقول: ( و الآن أظل أفكر في موته، و لكني لا استطيع الكراهية. إنني لا استطيع الكراهية. إنني أحيانا أتضرع إلى الله و أنا مسلم غير متدين أن ياتي و يزيل من وجه الأرض أولئك الخنازير الذين قتلوا أخي، و لكني أدرك أنني لا استطيع أن أرفع إصبعي للمساعدة في إزالتهم. إنني اتساءل طوال الوقت هل أنا على حق في أن أكره؟ هل أنا على حق في التمسك بمشاعري العالمية؟ أظن ذلك.)

قبل بدء القتال كان يوجد تقريبا ألف مسجد في (بوسانسكا كرايينا). و بحلول شتاء 1994 بالتأكيد لم يكن هناك أكثر من مائة و ربما أقل كثيرا. و حتى مسجد (فوهايد) الكبير، وهو ربما أجمل مثال على العمارة الإسلامية في البلقان في القرن السادس عشر لم يسلم كذلك. فعلى مدى السنة الأولى من القتال كان يقف، غير بعيد من الميدان الرئيس في المدينة، كأثر على كل من الماضي الإسلامي و الحاضر المسلم ل (بانيالوكا). لقد تم تشويه جانب من واجهته بصليب مخدوش طبع على كل طرف فيه أربع حروف C (و هي حرف س في الأبجدية السيريلية) تمثل الشعار (الوحدة وحدها تنقذ الصرب) و لم يكن في ذلك شيء لافت للنظر. فقد كان أي ممكن لغير الصرب أو مساحة في متناول اليد على أي حائط في القرى و المدن التي استولى عليها التشتنيك ملطخا بذلك الصليب الأرثوذكسي و تلك الحروف الأربعة مصحوبة غالبا بالحروف JNA (الجيش القومي اليوغسلافي) و عبارة تفاخر أو الأسماء الأولى للجنود. لكن أحدا من معظم أهل (بانيالوكا) – الصرب و غير الصرب على السواء – أو الصحفيين الزائرين و عمال الإغاثة لم يكن يساوره قلق بشأن المسجد الكبير. فعلى عكس المسلمين أنفسهم بدا آمنا.


و قال (كرادزيتش)، و هو يلوح بذراعه نحو برج كنيسة مجاورة: ( كما ترون، هذه كنيسة كاثوليكية، و هي لم تدمر مثل المسجد تماما. نحن نعيش جميعا في سلام هنا و في كل أنحاء مناطق البوسنة الواقعة تحت الأيام الأولى من القتال
، أسوأ الأمور قد حدثت و انتهت. و في النهاية، ألم يحصل الصرب على كل شيء أرادوه؟ ألا يمثل استنزاف جهد القوات في عمليات اضطهاد السكان غير الصرب أو إضاعة المتفجرات في نسف الكنائس و المساجد من الناحية العسكرية عملا أخرقا طالما أن الحرب مازالت قائمة.
من جانب آخر، بدا الجنرال (ميلاديتش) بالفعل خلال الحرب مقتنعا بأنه قومي صربي في الوقت الذي أظهر عدد محدود من المسؤولين في بالي بوضوح أنهم أعطوا إجازة لإحاسيسهم كلية. أما (بيليانا بلافيتش) و التي كانت بغير حد أغرب المجموعة فقد استقبلت مرة (جوزيه ماريا منديلوس)، رئيس المفوضية العليا للاجئين في يوغسلافيا السابقة و هي تشكو من أن ( الرضع الصرب يقدمون أحياء طعاما لحيوانات حديقة الحيوان في (سراييفو). قالت ذلك في اللحظة نفسها التي كان يجازف فيها حراس الحديقة بمحباتهم للذهاب إلى الحديقة لإطعام الحيوانات، و هو عمل بطولي بلا طائل، حيث نفقت جميع الحيوانات أخيرا من الجوع. و حتى (منديلوس)، رغم كونه دبلوماسيا محنكا، لم يستطع حفظ اتزانه العقلي و صاح بلكنته الإنجليزية الثقيلة (يا سيدة (بلافيتش) إذا كان البوسنيون يقدمون الصرب الأحياء طعاما لحيوانات الحديقة، فلماذا تموت حيوانات الحديقة جوعا؟).

بل لقد قام فريق سينمائي تابع لمحطة BBC كان يتابع (كارادزيتش) في صيف 1992 بتسجيل حديث بينه و جنرال (ميلاديتش) و (بيليانا بلافيتش) عن شكاوى الحماية الدولية بخصوص نشاط الصرب الجوي و كان المنظر سيرياليا: يبلغهم (كارازيتش) بالاحتجاج فتقول (بلافيتش) ببساطة ( لم تكن الطائرات في الجو) لكن حتى (كارادزيتش) لم يستسغ ذلك حيث قال لها بغضب (بالطبع كانت في الجو يا (بيليانا)، كنا نطير كالمجانين ذلك اليوم). أما رد فعل (ميلاديتش) فكان أن (ينفلقوا) و ظهر و هو ينقر بأصابعه و غضبه يتزايد من المحادثة كلها. و مع ذلك ففي النهاية تقرر أن يقوم (كارادزيتش) بإعلام الأمم المتحدة بأن الطائرات كانت في الجو لانه كان يوم الاحتفال ب (يوم الطيران) الصربي. أما مسألة ما سيفعلونه إذا لم تقبل الأمم المتحدة التفسير، فلم ترد في الحديث مطلقا.
و كان (كارادزيتش) و (ميلاديتش) و (بلافيتش) على حق في افتراضهم أن على الأمم المتحدة أن تقبل أي تفسير يقدمونه. و رغم أن ما حدث بعد ذلك أثبت أنهم كانوا مخطئين في نشاطهم الجوي إذ تم فعليا تطبيق قرار المناطق التي يحظر فيها الطيران....
كان يتفاخر قائلا: ( إننا نحن الصرب ننقذ أوروبا، حتى إذا كانت أوروبا لا تقدر صنيعنا و حتى لو كانت تلعنه).
جندي صربي يقول:
ظننت أننا نستطيع جميعا العيش معا في سلام في (البوسنة). فقد كان لي أصدقاء مسلمين و بالطبع كثير من التلاميذ. و حتى بعد انتهاء الشيوعية ظننت أن الأمور على ما يرام. إن الأتراك منافقون و ماكرون. كان (عزت بيجوفيتش) يقول شيئا على التلفاز و لكن عندما يتحدث مع أعضاء حزبه يتكلم عن بناء دولة إسلامية هنا في (البوسنة). ابحث عنهم أو ابحث في مجلة حزبهم SDA . إنني متأكد من وجود نسخ في (سراييفو) – ستجد قصصا عن بناء مساجد في كل أنحاء (البوسنة)، في المدن الصربية. و في مؤتمر حزبهم عام 1991 أقسم (عزت بيجوفيتش) أن يستعيد للبوسنة هويتها المسلمة (الحقيقية). فماذا كنت تتوقع أن يفعل الصرب؟


يقول المؤلف:
إن دفع الأفراد إلى القتل ليس صعبا بالدرجة التي يبدو عليها. فالوحشية موجودة في كل حرب أهلية ونادرا ما يكون لها عمق أخلاقي (رغم أنه قد يبدو من قبيل التناقض أن الصراع في البوسنة كان مزيجا من الحرب الأهلية و حرب العدوان، لقد كانت بالغة القسوة كالأولى و أحادية الجانب كالثانية). فما إن تبدأ إراقة الدم فإن المقاتل المفرد يتعطش للانتقام قدر تعطشه للانتصار.
و قد صعب على الأجانب تصديق تلك الروايات في باديء الأمر، و نفاها تماما المدافعون عن الصرب. و مع ذلك فقد ثبت في نهاية الأمر صحة معظم أكثر الروايات فظاعة و التي حكاها مسلمو البوسنة منذ بدء القتال عن عملية التطهير العرقي و هي القصص التي رفضت منذ البداية على أنها مبالغات. كانت الأعداد محل تساؤل. فهل تم اغتصاب خمسين ألف امرأة مسلمة و أجبرت ألوف كثيرة منهن على الإبقاء على ثمار الاغتصاب للنهاية (حيث إن مضامين تلك الخطوة الأخيرة واضحة فبعكس اليهود فإن امتداد العرق للأب محسوم لدى كل من الصرب و المسلمين) أو أن العد كان (فقط) خمس عشرة ألفا؟ و هل كانت هناك عشرات من المعسكرات السرية حيث يذبح المسلمون أو دستة (فقط)؟ أما المذبحة فلم تكن محل تساؤل.

و لا مجال للدهشة إزاء هذا الافتقار للحساب الاقتصادي في (حرب القرى) تلك، أو للدهشة من تدمير المكتبة الوطنية في (سراييفو) و التي لم تكن لها قيمة عسكرية بل كان تدميرها مستهدفا بشكل خاص من قبل المسلحين من صرب (البوسنة) المتمركزين في التلال فوق المدينة أثناء الأيام الأولى.

و كانت إحدى السبل المستخدمة أن تدخل مجموعة من المقاتلين الصرب منزلا، و تأمر الرجل القاطن فيه أن يذهب معهم إلى جارهم المسلم. و على مرأى من القرويين الآخريين، يساق إلى هناك، و يستدعى المسلم للخارج و يعطى الصربي بندقية كلاشنكوف أو سكينا- السكاكين أفضل- و يؤمر بقتل المسلم. فإذا فعل فقد اتخذ الخطوة اللازمة لعبور الخط الذي يهدف إليه التشتنك. أما إذا رفض، كما فعل كثيرون، فالحل بسيط أن يتم قتله على الفور، ثم تكرر العلمية مع الصربي صاحب المنزل التالي، و إذا رفض يقتل برصاصة. و نادرا ما كان يضطر التشتنيك لقتل صربي ثالث. و كما أخبرني مقاتل في (بومانكاكروبا)، و لشدة دهشتي، في طرب متباهيا بهذا التكنيك ( عند البيت الثالث، يرتعدون هلعا، و يسألونك: أين تريد إصابة المسلم؟ و كم مرة؟).

لقد كانت حلقة مفرغة. فالأمم المتحدة تمد الناس بالغذاء و تتركهم عرضة لقصف القنابل، و مجلس الأمن يعلن عن ( مناطق آمنة) لا تعمد قوة الحماية إلى كفالة سلامتها كما لا تملك القوات التابعة لأمم المتحدة القدرة على ضمان هذه السلامة، و ترسل قوافل الإغاثة ضباط حماية إلى الميدان معروف سلفا أنهم لا يستطيعون توفير الحماية.
و يلوم المؤلف أهل (البوسنة) أنفسهم و كبارهم حينما لجؤوا إلى التقوقع و عدم الاحتراز:
كذلك لم يكن الأفراد من أهل (سراييفو) على درجة كبيرة من الانزعاج لما كان يجري في (كرواتيا) في ذلك الوقت. و قد فر كثيرون منهم ذلك بقولهم بأنهم كانوا في غاية الرعب مسبقا بينما كان آخرون اكثر استنكارا لأنفسهم متذكرين في عجب أنهم كانوا ببساطة لا يعتقدون أي شيء مثل هذا يمكن أن يحدث في (البوسنة). و قد قال لي صديق: ( لقد تعودت على تحويل القناة عندما يبدأ بث رسائل إخبارية من (فوكوفارد) لقد كان علي أن أبدي اهتماما أكثر).


الأمم المتحدة تدافع عن نفسها:
و ظل كبار المسؤولين يذكرون بأن التفويض لقوات الحماية التابعة للأمم المتحدة لم يكن لحماية البوسنيين بل لحماية جهود الإغاثة الإنسانية أيا كان اللبس الذي يثيره اسمها.

رواية قناع بلون السماء تفوز بالجائزة العالمية للرواية العربية 2024

  رواية قناع بلون السماء تفوز بالجائزة العالمية للرواية العربية 2024 خندقجي (40 عامًا) من نابلس، واعتُقل في الثاني من نوفمبر 2004، وتعرض عقب...