Sunday, May 08, 2022

محاولة للفهم.. فتوى وهران: تخفيف أم التزام ؟


 فتوى وهران: تخفيف أم التزام ؟


((كتبت هذه التدوينة بعد قراءة لفتوى ماربيا و فتوى وهران و اطلعت على بعض المراجع التي تشرح الموضوع و الوثائق. و هي محاولة للفهم و النقاش. 
د. إيمان الطحاوي)).

قد تكون فتوى وهران ( للشيخ أحمد بن جمعة المغراوي الوهراني، توفي في 1514 ) تخفيفا من أجل الالتزام بالدين. بمعنى أنه رغم الظاهر في الفتوى من التخفيف لكن الغرض منه الأخذ بالشريعة قدر الإمكان و الالتزام بالنية و العمل في حالة الاضرار و الإكراه دون تفريط فيها.

فهذه الفتوى تعتبر (دينيا و تاريخيا) مثابة شهادة لاستمرار الإسلام في الأندلس حتى بعد سقوط آخر الممالك الإسلامية فيها و انتهاء حكم المسلمين. 

و هي تخالف فتوى سابقة تحض المسلم أن يترك بلادا أكره فيها على التنصر أو تم التضييق عليه في إقامة شعائر دينه. 

كيف هذا؟

في الفتوى السابقة للشيخ (أحمد بن يحى الونشريسي، توفى عام 1508) أفتى بوجوب مغادة البلاد في فتوى (ماربيا). 

انظر: " المعيار الـمُعْرب عن فتاوى أهل أفريقية والأندلس والـمغرب". انظر باب غدر نصارى الأندلس بالمُدَجَّنين من المسلمين و غيره.

بالنظر للتوقيت 1491، و الظروف..فإننا نجد أن الفتوى أعطيت ردا على مسألة إمكانية مكوث أحد المدجنين في ماربيا لهدف مساعدة بعض المسلمين هناك. 

((ردًا على سؤال حول رجل من ماربيا في جنوب إسبانيا يرغب في البقاء في إسبانيا المسيحية من أجل مساعدة غير القادرين على الهجرة.))

و كان الحل المنطقي و الأسلم و الأحفظ للدين هو الانتقال لبلد آخر مجاور كبقية الممالك الإسلامية التي لم تسقط بعد فرارا بالدين.

أي أن هدفه هو الفرار بالدين والهجرة ليستطيع أن يكون في مكان قادر على الوفاء بالدين.  

نعم، كان هناك تضييق و تمييز ضد المسلمين باعتبارهم (مدجنين) أو رعايا من الدرجة الثانية. لكن لم يكونوا رسميا مسيحيين بسبب قسم التتويج أن يضمن الملك حرية الدين للمسلمين. 

و كان هناك تحالف بين المسلمين المدجنين مع الحكام النصارى لدرجة أنهم حاربوا معهم!. و هنا جاء تحريم البقاء. و بهذا أفتى الونشريسي بالخروج لأن بقاءهم صار عاجلا أو آجلا خطرا على الدين. 

و حقا، غادر بعض من المسلمين حفاظا على النفس و هذا مقصد الشريعة بالأساس و الفطرة. لكن الكثير لم يستجب للفتوى و بقى (مرغما أو مقتنعا) حتى انتهى الحكم الإسلامي في الأندلس تماما. 

بينما الفتوى اللاحقة موضع النقاش(فتوى وهران كانت في 1504 م بعد سنوات قليلة من سقوط آخر الممالك الإسلامية 1492م)،

 و تحديدا، بعد عامين من إصدار إيزابيلا مرسوما في 1502 يحظر الإسلام في جميع أنحاء قشتالة. 

( آخر مملكة تفرض التحويل للمسيحية كانت تاج أرغون، التي كان ملوكها في السابق ملزمين بضمان حرية الدين للمسلمين تحت القسم المدرج في شروط التتويج الملكي).

و لم يعد هناك ممالك إسلامية في كل الأندلس، و بدأت التضييقات رغم وجود معاهدة مع المسملين. 

و لم يكن يعلم حينها أنه سيتوسع العمل بمحاكم تفتيش (بدأت 1478م و بدأت باليهود و المتنصرين أولا). 

ثم لجأ الإسبان إلى زيادة التضييق على المسلمين و التنصير تدريجيا بعد عشر سنوات من سقوط الأندلس.

إذن، الحل السابق (الهجرة) لم يعد ممكنا حيث من غير المنطقي أن تأمر نصف مليون مسلم أو  أكثر بترك دولتهم و الانتقال عبر أهوال البحر لبلاد بعيدة و متفرقة و أماكن لا يعلمونها.

 إذن، .هذه الفتوى ضمنت أن يلجأ المسلمون إلى الإسلام سرا و التظاهر بالتنصر. و أن يطبق جميع الفروض بطرق معينة أجاب عنها الشيخ. و بهذا يحافظون على دينهم حتى يأتيهم الفرج. 

لكن لم يعلم الشيخ (توفي في 1514 ) أن الحال سيستمر لقرن كامل حتى تم طرد من تبقى من المسلمين سرا في الأندلس.

 و بالطبع لم يتمكنوا من تأدية كل الفروض وفق الفتوى جيلا بعد جيل. و النتيجة أن (ضاع الدين من المسلمين الباقين في الأندلس للأسف). 

و جدير بالذكر أن هذا الأمر يحدث بصورة مشابهة إلى حد كبير في القرن العشرين ضد مسلمي الروهينجا و الإيجور و يستمر حتى القرن الواحد و العشرين. و لله الأمر من قبل و من بعد. 


No comments:

رواية قناع بلون السماء تفوز بالجائزة العالمية للرواية العربية 2024

  رواية قناع بلون السماء تفوز بالجائزة العالمية للرواية العربية 2024 خندقجي (40 عامًا) من نابلس، واعتُقل في الثاني من نوفمبر 2004، وتعرض عقب...