Translate

Saturday, June 27, 2020

إلى عرفات الله ١

كتبت د/إيمان الطحاوي.
إلى عرفات الله..يا خير زائر.
لم يكتب الله لنا حج هذا العام، و هذا أمر الله.. و هنا ألقى سلاما لكل حاج.. و ما أجمله من سلام و مديح لخير زائر إلى رب الأنام سائلا المغفرة و، آملا في القبول. و ما أبهاه من منظر نتطلع له كل عام إذ يجتمع المسلمون من مشارق الأرض و مغاربها شعثا غبرا و، سواسية.. لا فرق بين غني و فقير لا يرجون إلا رحمة ربهم..جميعهم يعترفون بذنوبهم، و يذرفون دموعهم خوفا و حسرة على ما فرطوا.. كلهم يدعون ربهم طمعا في قبول حجتهم، و عتق رقابهم من النار..آملين في العودة بلا ذنب إذ يغسل الحج الذنوب كما يغسل الماء درن الأبدان..هو منظر يباهي به الله بأهل الأرض أهل السماء. و ما الحج إلا عرفة، و عرفة هي الركن الرئيس للحج. وعرفة زمان و مكان. ذلك اليوم الفريد الذي يجتمع فيه المسلمون طالبين رحمة ربهم سواءا الحاج منهم أم غير الحاج. و عرفة ذلك الموقف و المكان المتفرد في تجميعه لحجاج المسلمين.. و ما رحمة الله بقاصرة على أحد إذ شملت كل شيء. عرفة هو يوم للمغفرة و يوم للتذكرة بيوم الحشر. و أعود لقصيدة (إلى عرفات الله)، تلك القصيدة التي تعدت ذكراها المائة عام ولا تزال تتردد في موسم الحج حتى يومنا هذا.. و هذه القصيدة الشهيرة التي قامت (أم كلثوم) باختيارها لتشدو ب 25 بيتا بعدما طلبت من الشاعر (أحمد رامي) أن يعدل لها بعض الكلمات. و لها قصة طريفة ذكرها (حسين شوقي) في كتابه (أبي شوقي)..حيث كتبها شوقي اعتذارا عن تخليه عن اللحاق بالخديوي (عباس حلمي الثاني) ؛ ليؤدي فريضة الحج. ومع هذا اشتهرت كأجمل قصيدة في العصر الحديث تصف موسم الحج و رحلته و مشاعر النفس البشرية حتى زيارة المدينة المنورة، و السلام على رسول الله (صلى الله عليه و سلم) و مخاطبته.. كذلك دمجت القصيدة الشعور الوطني بالدين رافعة قيمة حب الأوطان. و للحديث بقية.

Friday, June 12, 2020

بين خوف ورجاء..رب ارجعون

الحمدُ للهِ لا كربٌ ولا ألمُ
ربٌّ كريمٌ له الأنوارُ والظُّلَمُ

شطَّ المزارُ وزاد الشوقِ في كبدي

أين الحبيبُ فإن القلب مضطرمُ

هذي المدينةُ كالفردوس مشرقةٌ

حلمٌ أراهُ أمِ الأشباح ترتسمُ؟

هذي المدينة لا دارٌ تشابهُها

من لَم يزُرها فقد زلَّت به القدمُ*

أيام و أشهر، اختصرها بقولي  "اشتقت" لزيارة المدينة المنورة و الصلاة في المسجد النبوي..شددت الرحال و عانيت حتى وصلت.. أصابني الوجد حتى جاءت ليلة الجمعة..لم أنم ساعة واحدة بعد الفجر شوقا للصلاة في المسجد النبوي ..أعددت العدة و ذهبت في الساعة الحادية عشرة صباحا..في الطريق، رأيت أناسا عائدين من جهة المسجد النبوي، فظننتهم ذاهبين لمسجد آخر مبكرا..أخذ عقلي يعدد و يبتكر أسبابا كثيرة إلا أن يكونوا قد أغلقوا المسجد النبوي مبكرا لهذا الحد..رأيت رجلا و امرأة في اتجاههم للمسجد النبوي، فاطمأن قلبي قليلا..حين اقترتب، هالني ما سمعت و رأيت، أغلقوا الحرم..لا اعتقد أنهم أغلقوه مرة ثانية بسبب تزايد الحالات الكورونا..وارد أن يكون بسبب امتلاء الحرم بالمصلين!

اقتربت أكثر، تسابقني دقات قلبي المتسارعة و إذا برجل الأمن يقول (ارجعوا) في مكبر الصوت (ارجعوا..) بلكنة لا أعلم إن كانت عربية أم أعجمية..لكنها قوية آمرة بلا رحمة (ارجعوا..). هكذا نطقها لتستقر في نفس سمعتها..و سمعتها فأخافتني خوفا لم أشعر به من قبل، و كأنه يوم الحشر و هناك من يقول (ارجعوا). و كان المسجد النبوي جنتي، و ها هو يردني عنه (ارجعي)..و ما هو إلا بقدر الله..أم إنه لن يردنا عنها إلا ذنوبنا فلم يكتب لنا الله هذه المكرمة و هذا الطمع في الأجر بألف صلاة.. و تذكرت رجعة أخرى يوم يقترب منا الموت..لن نرجع مهما دعونا و حاولنا..اليوم نستطيع أن نعمل عملا صالحا و أن نكف عن آخر سيئا..اليوم نستطيع أن نصلي بالمساجد بعدما حرمنا منها لشهور..اليوم نستطيع كل فعل بفضل الله و غدا لا نستطيع إلا الندم و عض الأنامل على ما قصرنا في جنب الله...فهلا تداركنا هذا التقصير.

(حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) [ المؤمنون: 99- 100].

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [ المنافقون: 9-11].
في طريق عودتي ساعدت عجوزا في السير رفقة زوجها رفض رجل الأمن دخولهما مثلي. كنا على بعد أمتار، نرى الحرم و لكن الله لم يشأ..و هنا دارت بي الأفكار في طريقي، أبكي و أنا أرى حمام الحرم حولي..ألم تبشروني بالزيارة؟ ألم تشهدوا فرحي و استبشاري بكم في طريقي؟ أم إنها ذنوبي التي منعتني أن أصلي هذه الجمعة في هذا المسجد المبارك؟
( ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين . بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون ) [الأنعام : 27].
أذكر الطيور التي كانت تستعذب أنهارا من دمع أبينا آدم  فيزداد بكاءا ظنا أنها تسخر من ذنبه..و بذنب واحد نزل آدم إلى الأرض من الجنة..فهل بذنوبنا الغفيرة تلك سندخلها؟ ..إلا أن يتغمدنا الله برحمته.
( قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)  [الأعراف:  23].
ألا يشبه هذا يوم القيامة؟ يوم لا يقبل منا عدل و لا شفاعة؟ و كأنني منعت اليوم عن الزيارة كمثال لما سيكون يوم القيامة..يوم لا يقبل منا عدل و لا شفاعة. سرت على غير هدى. و الله لا أذكر إلا يوم الحشر و أنا أرى العشرات من الوافدين  في المدينة المنورة يقفون في العراء و درجة الحرارة تصل إلى 45 درجة..منتظرين أمام باب المساجد ما منعهم إلا هذا الوباء أن يصلوا بمسجد رسول الله....تائهة حيرانة، هل أذهب لأحد أزور شهداء صدقوا ما عهدوا الله عليه و أتذكر الموت و كفى به واعظا؟ أم أذهب لمسجد قباء. غامرت و ما أجملها من مغامرة،  أشار السائق إلى أن قباء مزدحم الآن. قلت فلنحاول و لنصدق النية مع الله..و إذا بالزحام متوسط و عبرت الطريق تحاوطني الطيور و تطير حولي كما تفعل بطفل راح يلاعبها..رأيتها طيور المدينة تهلل لي فرحا..و دخلنا لمسجد قباء و صلينا الجمعة..وسبحانه و تعالى كتب لنا أجر عمرة..كان هذا مكتوب من قبل أن أنوي و من دون أن أدبر له..شكرت الله على نعمه، فكم من احتاج لعمرة تمحي الذنوب و لم يستطع.. و كم من سوء ظن بالله و نحن لا نعمل ماذا يخبيء لنا قدره..و كم من ذنب ننساه لكنه سبحانه لديه ملائكة يكتبون كل شيء..و كم من سبل للمغفرة و للعظة. فاستغفروا و اطمئنوا لرب غفور رحيم..
(أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ ) [الزمر 55-59].

و للحديث بقية..في رحلتي مع الفتوحات المدنية



* قصيدة ( أشواق إلى طيبة) أ. د. محمد رفعت زنجير

To shoot an Elephant!